المقالات

كُن انساناً ..


عباس العنبوري||

 

لن يكون مقالاً طويلاً ولا سرداً جدلياً، سأتحرك سريعاً الى الفكرة التي تبرز ملامحها من عنوان المقال، ولكن بعد سوق هذا الشاهد الذي حصل معي. فلا تعجز ايها القارئ من اكمال باقي السطور كعادتك!

في رحلةٍ دراسية الى مدينة ستراسبورغ التي تقع على حدود فرنسا مع المانيا، كان جزءاً من البرنامج زيارة احد السجون التي اقامها النازيون، ضد اليهود وبعض الاقليات كالغجر والمثليين واصحاب الاعاقات العقلية وغيرهم. قادتنا السيارة في طرق متعرجة وجبال شاهقة للوصول الى المكان المنشود بعد يومين قضيناهما في التجول في وسط المدينة التي تقع فيها واحدٌ من اكبر كاتدرائيات العالم، وتمثالٌ ل(يوهان غوتنبيرغ) الذي اخترع الطباعة (رحمة الله على روحه الطاهرة) فلولاه لم اكن لأكتب لكم مقالي هذا على حاسوب لوحي. كما وزرنا مبنى الاتحاد الاوربي الذي يقع في احدى ضواحي المدينة التي يعتبرها الفرنسيون والالمان رمزاً للتعايش بعد حروب بين البلدين سعى كل واحد منهما لضمها اليه حتى استقر بها المقام لتكون ضمن الحدود الاقليمية لجمهورية فرنسا. اذ يقطنها على صغرها متحدثون باللغة الفرنسية والالمانية واللغة المحلية الستراسبورغية وهي خليط من كلا اللغتين.

وبعد ان وصلنا الى السجن، وتجولت في غرفه التي حوت فرناً لحرق البشر، واجهزة قديمة للتعذيب واخرى لاجراء العمليات المخبرية على اجسام واعضاء السجناء، واماكن للاحتجاز، ومشنقةْ وضعت في قلب ساحةٍ رملية احاطتها الاسلاك الشائكة. لم يتم التلاعب كثيراً بشكل المكان وخريطته للحفاظ عليه كشاهدٍ على عمليات الامتهان والقتل التي جرت فيه ابان حكم النازيين. وصلت الى قاعةٍ ضمت صوراً توثق المعتقلين وعمليات التعذيب التي جرت لهم. فوجئت باستاذتي الالمانية (زارا كلنر)(Sarah Kellner) وهي تتسمر امام الصور لترى ما صنع اسلافها في هذا المكان! سألتها وانا اتطلع الى الصور والى وجهها الحزين، عن رأيها بالمكان.

فاجابت وهي بالكاد تحبس دموعها: مؤلم جداً (very painful).

تسائلت في داخلي، كم من الصور المؤلمة التي مرت على ذاكرتنا،بل ونعيشها يومياً ولكنها لم تحرك ساكناً في قلوبنا لأننا لم نكن معنيين بالظلم الذي وقع. لأنه –ببساطة- لم يمس اذيالنا؟

تذكرت هذه الحادثة وانا اتابع التظاهرات الحاصلة في الولايات المتحدة الامريكية ضد العنصرية والتمييز على اثر مقتل (جورج فلويد). وكان مثيراً بالنسبة لي ان اشاهد فيها الألاف من البيض المتفاعلين مع قضية السود. فقلت في نفسي، سيبقى الظلم يقع علينا "جميعاً" ما دمنا لا نستنكر بالقول والفعل والعمل ذلك الظلم الذي يقع على "بعضنا" لانه وقع على "غيرنا". ورغم ان المستأجرة في نعيها لن تكون كالثكلى -كما يقول العرب-، الا اننا بحاجة الى ان نعود الى انسانيتنا قبل كل شيء، معاكسين للتسييس الذي يحكم على تقييمنا لمجمل الاحداث. ولعلنا ننجح مرةً او مرات.

ـــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك