( بقلم : حيدر شامان الصافي )
حظي العراق قديما وحديثا بمنزله رفيعه بين الامم ،فمنذ مطلع الالف الثالث ق_م ازدهرت في السهول الرسوبيه في وادي الرافدين حضارة (سومر واكد) فامتدت هاتان الحضارتان باصولهما وجذورهما عبر التاريخ ، ومرتا في تطورهما بادوار حضاريه كثيره منذ اواخر العهد الما قبل الميلاد .
ومنذ ذلك الحين تملًك العراق ناحية الحضاره بكل مقوماتها ،شعبا وطبيعة وخيرات ... فضلا عن الموقع الجغرافي له هذا الموقع الذي جعله سببا للاطماع والغزوات ، فهو أي( العراق) يقع بين بلاد عيلام ( ايران حاليا) وبلاد الشام، وبلاد الاناضول ( موطن الحثيين)الامر الذي جعله تقاطع الحضارات والثقافات ، فما زال يعطي وياخذ ويتفاعل ويؤثر ،وحضارة وادي الرافدين احدى الحضارات القديمه التي يطلق عليها (الحضاره الاصليه) او ( الحضاره الاصيله) أي هي الحضارات التي كانت اصلا ولم تشتق من حضاره سابقه لها مثل حضارة : وادي الرافدين وحضارة وادي النيل وحضارة الشرق الاقصى ( الصين) وحضارة المايا والازتيك في امريكا الوسطى وبلاد السند وهذه الحضارات ذات صله على مايقول المؤرخون بحضارة وادي الرافدين .
ولست ابالي عندما اقرر ان أي حضاره حتى تكون كذلك سوف لاتكون مالم تملك مقومات البقاء ،وفي ظني كم من الحضارات اظهرت اعناقها لكنها الت الى التلاشي والاندثار....... ولعل السبب في ذلك انها لم تصمد بوجه الطبيعه او لانها لاتملك مقومات الصمود ،هذا اذا قررنا ان الثروه هي اولى بوادر الصمود بوجه طغيان الطبيعه ......... لكن الثروه في كل الاحيان تكون وبالا على اصحايها ما لم توافقها مقومات الحفاظ عليها واعني ان يمتلك صاحبها قوه فائقه تساعده على مقارعة العدوان والغزو الطامع ...
ان نظره قريبه على بلاد الرافدين في العصور الاسلاميه الاولى او ما قبلها تدفعنا الى القول ان العراق ما زال يحافظ على مكانته الطبيعيه بين الحضارات المجاوره .. فضلا عن جذبه لكثير من الطامعين لما حباهُ الله (تعالى) بالخير الوفير حتى قيل عنه (بلاد السواد الاعظم ) وذلك لكثرة ما فيه من ملامح الخضره الامر الذي جعله مطمعا لدولتي بيزنطه وفارس قبل الاسلام . ولما جاء الاسلام العظيم توجهت انظار قادته الى بلاد الرافدين لفتحها حتى تكون رافدا من روافد الجيش الاسلامي الاقتصاديه تساعده على مواصلة الفتح في ادنى الشرق او ادنى الشمال ....
وبالفعل صار العراق مركزا اقتصاديا يعوَدعلى خزينة الخلافه الاسلاميه بموارد هائله اعانت الجيش الاسلامي والامه الاسلاميه انذاك . حتى قيل عن العراق انذاك بانه (جمجمة العرب) ولك ان تفتش في هذا التتشبيه من معاني اقتصاديه قبل ان تكون سياسيه ....
واذا انتقلنا الى العهد الاموي تجد العراق محطا للصراعات والخلافات ، لا لشي بل لقوته الاقتصاديه فاذا سيطر عليه قوم صارت امور الدوله بيدهم ،بل صارت المبادره والقوه والغلبه عندهم .هذا ماحصل بين الزبيريين والامويين ، وما حاول قبل ذلك معاويه من السيطره عليه ثم بين العباسيين وخصومهم . وبعد اكتشاف النفط في بلاد الرافدين صار العراق قوه اقتصاديه لايستهان بها ، الامر الذي جر عليه الويلات والحروب وكان محطا للصراع بين العثمانيين من حهة والحلفاء من جهة اخرى ..
ان نظره عجلى لما يمتلك العراق من الثروات الطبيعيه لاسيما النفط تؤكد دون ريب ان بلاد الرافدين ستبقى مطمع القوى الغاشمه . خصوصا اذا ادركنا ان النفط يدخل في كل مفاصل الحياة اليوميه ،اذن العراق مفصل حيوي من مفاصل الحياة الانسانيه .
لو كان قدر العراق غير ما كان لكانت ثروة النفط مصدر سعاده لابناء شعبه لامصدر فقر ومعاناة .... النفط يعني الكهرباء يعني الماء ،يعني حركة المواصلات ،يعني الخير بل يعني الهواء النقي احيانا .. .اذن هو الحياة .. من هنا صار المحتل يتحكم بزمام الحياة في بلاد الرافدين من خلال الانظمه التي سيطرت على مقاليد الامور في العراق .فلو كانت هذه الانظمه حريصه على شعب العراق لجعلت النفط مصدرا للحياة لا مصدرا للموت فمنذ عام 1921 م لم تفلح هذه الانظمه المتعاقبه على الافاده من خيرات العراق الطبيعيه بما يسهم في سعادة ابنائه ...ليت شعري لو اخلص اولئك الحكام لشعبهم وتخلوا عن طموحاتهم الشخصيه وقدموا مصلحة الوطن والشعب عليها لكان ابناء الرافدين ببحبوحة من العيش يحسدون عليها ... ان بلدا مثل العراق يفتقر الى مصاف نفطيه او محطات بنزين او محطات كهرباء لهو امر في غاية السوء بالنسبه لابناء شعبه ...لقد كان حكام بلاد وادي الرافدين يفتخرون بحضارتهم ولم يفخروا يوما بانهم فجروا ما في هذه الحضاره من ثروات وخيرات وعقول من هبات الله (تعالى) في سبيل سعادة ابناء الشعب
رئيس ابحاث اقدم مركز ابحاث الاهوار
جامعة ذي قار
https://telegram.me/buratha