محمّد صادق الهاشميّ.
شيعة العراق لهم خصوصيات بها يختلفون عن المكوّنات الشّيعيّة في العالم الإسلاميّ والعربيّ، تشكل لهم خصائص تمكنهم من التصدي القيادي بسبب قوتهم الذاتية وهي:
أولاً: أنّهم جزء من العالم العربيّ، وهذا يوجب ويفرض عليهم واقعاً غير الواقع الذي يعيشه المجتمع الشيعيّ الإيراني ـ مثلا ـ على امتداد التاريخ، فإنّ الحكم في إيران عبر التاريخ المعاصر تقريباً علمانياً كان أم إسلامياً فإنّه شيعيّ، وكون التشيع في ايران هويةُ دولة ايران ، هذا فضلا عن الانسجام المذهبيّ بين المكوّنات الإيرانية، وليس الأمر كذلك في العراق؛ فإنّهم هم الأغلبية في مجتمع تعاقبت عليه حكومات ذات بُعد قوميّ ينظر إليهم بعين الغرابة، ويحاول أنْ يعزلهم عن التأثير في الدولة والسلطة، وأنْ لا يكونوا جزءً أساسياً منه، ومن أجل ذلك هُمشّ دورهم، وقتل علماؤهم وحوربت شعائرهم، لئلا يكونوا قوّة داخل العالم العربي السّني .
وكونهم جزءً من العالم العربي في موقع مهمّ واستراتيجي قد أقلق دول الخليج، خصوصا بعد مشاركتهم في الحكم؛ لأنّ هذا الواقع يؤثّر على المعادلات السياسية في المنطقة خصوصاً أنّ نسبة الشيعة في حوض الخليج تشكّل 56% ، هذا فضلا عن وجود شيعة العراق في الحكم يرفع منسوب المطالب الشيعية في المنطقة، وطريقة التفكير السياسيّ كما حصل في اليمن والبحرين والسعودية .
ثانياً: إنّ شيعة العراق بالقياس إلى شيعة العالم العربيّ يمتازون بأنّهم الأكثر عدداً داخل وطنهم، بينما الشيعة في الدول الأخرى هم الأقلّية عدداً، أو أقلّية سياسيّة، كما في لبنان والبحرين والسّعودية واليمن ومصر، ولا تحتاج هذه الأكثرية في العراق أنْ تعرّف بنفسها، أو تتحدّث عن هويتها وعددها، ولا تحتاج إلى جهد لإثبات وجودها، بل هذه حقيقة قد اعترف بها القاصي والدّاني، ومجرّد مراجعة التّاريخ السياسيّ والاجتماعيّ للعراق تتجلّى لك الحقيقة بوضوح لتكشف دورهم ونسبتهم ومواقفهم وأثرهم وتأثيرهم على الواقع السياسيّ العراقيّ.
ثالثاً: هم المكوّن الشّيعيّ الوحيد من بين شيعة العالم العربيّ الذين تمكّنوا أنْ يشاركوا في الحكم بعد 2003م، وأنْ يكتبوا دستوراً يحفظ لهم حقوقهم المدنية أسوة بالآخرين، وينهي زمن التهميش، ويعترف هذا الدستور ـ عرفا ـ بأنّهم هم الأكثرية السياسيّة والعددية وإنْ كان الأمرُ مرتبطاً بنتائج الانتخابات لأيّ دورةٍ، وبالتالي بوعي الأمّة وما تعكسه عبر مشاركتها، وأكّدوا ايضاً أنّ لهم الحقّ بالمناصب السّيادية، وليس هكذا شيعة البحرين والسّعودية ولبنان، فإنّه إلى الآن لا يوجد دستور يحفظ حقوقهم، ولم يكونوا هم الأكثرية السياسيّة ولا العدديّة ، هذه الحقيقة ـ وهي مشاركتهم في الحكم بدرجة فاعلة ـ أثّرت وتؤثّر في رفع معنويات شيعة المنطقة من جهة، وفي تغيير الواقع السياسيّ في العراق والعالم العربي، وإبراز هوية التّشيع السّياسيّة في العالم العربي بعد أنْ كانت الجهود تبذل لإنهاء وإخفاء التّشيع السياسيّ الإسلامي في الأمّة العربية.
رابعاً: شيعة العراق يمتلكون أكبر الثروات النّفطية العالمية، والتي تشكّل 70% من الاقتصاد العراقي و7% من الاقتصاد العالميّ، بينما الشيعة في العالم العربيّ لم تكن لهم هذه الموارد المهمّة والمؤثّرة في العمق العربي.
خامساً: يمتلك شيعة العراق الأضرحة ومراقد أهل بيت العصمة والطهارة، وهذا بدوره يعطي شيعة العراق دوراً وزخماً ومركزية لشيعيّة العالم ، خصوصيةٌ لا تتوّفر للآخرين, فإنّ تلك المزارات نقطة استقطاب وتفعل بين شيعة العراق والمنطقة توحّدهم على أسس عقائدية وفكرية وروحية، وهذه المراقد تمنح شيعة العراق الحسّ الثوريّ، والعمق التاريخيّ، وتلك هي إحدى أهمّ الخصائص التي ميّزت شيعة العراق، جعلت الشيعة في عموم العالم الإسلامي والعربي يَحجّون إلى العراق ويجعلونه محلّ الاهتمام .
وهكذا وجود المرجعية والحوزة العلمية عبر التاريخ أسهم أيضاً في إعطاء بُعدٍ روحيٍّ، ومعنويات عالية لشيعة العراق. وقد حافظت المرجعيّة على تراثهم الفقهيّ والتاريخيّ والسياسيّ والعقائديّ.
ولم نجد شعباً قد تألم وذُبح وعانى كما عانى شيعة العراق، للحفاظ على هذه العناوين البارزة في حياتهم، وقد دخلت هذه العناوين « حبّ آل البيت وأضرحتهم والشعائر الحسينية » في حياتهم الاجتماعية، وفي أعرافهم وعاداتهم وطبائعهم وفي شعرهم وألحانهم وأناشيدهم ونغمات الموسيقى والاناشيد، حتّى قيل: إنّ شعر وأدب الطف وحده يكفي أنْ يكون تراثاً يحقّ لشيعة العراق أنْ يتباهوا به بأنّه لا نظير له في العالم العربيّ.
سادساً: يمتلك شيعة العراق شعوراً وعمقاً نفسياً كبيراً بوجود الحوزة العلمية في النّجف الأشرف، التي تعني الكثير لهم، وتعني عنواناً بارزاً لم يتمكّن أحدٌ من إخفائه على امتداد التاريخ، وتوالي الحكومات القاسية، هذه الحوزة لدى شيعة العراق تجعلهم يشعرون بالوجود العلميّ الراقيّ، وأنّ غيرهم يرجع إليهم في معرفة دينه وعقيدته.
سابعاً: شيعة العراق ـ وهم بعمقّ عربيّ، ومحيط سنّي ـ هم أوّل من بادر الى التأثّر بفكر وثورة الإمام الخمينيّ، فنحن نجزم أنّ كلّ الاعتقالات والتشريد والسجون والتهجير والحروب على شيعة العراق هو بسبب تأييدهم لثورة الإمام الخميني، لأنّهم أوّل من تأثّر بالصحوة الإسلامية التي نادي بها الإمام، وحوزة النّجف هي أوّل حوزة أيّدته أيضاً، لذا فهذا الشّعب قد صُبّ عليه جام الغضب الطّائفيّ السعوديّ والقطريّ والأردنيّ والبعثيّ ليس لشيء، إلّا لأنّه أيّد هذه الثّورة العظيمة، وأدرك أنّها طريقةٌ للخلاص من التّهميش والطّائفية، بينما نجد الصّحوة في لبنان والبحرين والسّعودية أتت في وقتٍ متأخّرٍ عن صحوة شيعة العراق، لوجود العوامل الموضوعية، والاستعدادات الكبيرة وعلى رأس هذه العوامل وجود الشهيد الصدر الأوّل.
كما يشعر شيعة العراق أنّهم ونجفَهم احتضنوا ثورة الامام الخميني 15 عاماً، هذا الشعور يعني لديهم أنّ أيديهم قد امتدت للولاء ولاحتضان هذه الثورة، وهذا واقعٌ شَعَر به صدام أنّه جزء من ثقافة الشّعب العراقيّ، ويدلل هذا الشعور ـ بنظر صدام ـ على القرب النفسي لشيعة العراق مع مبادئ ثورة الامام.
هذه الخصائص الذاتية لشيعة العراق ونقاط قوّتهم التي تميّزهم عن شيعة المنطقة تشكّل عامل قوّة لهم ولشيعة المنطقة بأنّهم واحدٌ، فكونهم أوّل مكوّن تمكّن من أنْ يأخذ الصدارة في الحكم سانداً ظهره إلى جمهورٍ عدديٍّ كبيرٍ وعمق علميّ حوزيّ ومرجعية ودولة تمتلك ثروات كبيرةٍ ومزارات ممّا يجعل شيعة العراق في صدارة الوجود السياسيّ، ويجعل الغرب والشرق ينظر اليهم باهتمامٍ بالغٍ، ويحسب لهم كلّ حساب، ويمنحهم الحقّ في قيادة التشيع في العالم العربي.
فلاتصح مع تلك الحقيقة وهي نظرية القوة الذاتية للشيعة بمعزل عن السلطة مقولة :ان الطبقة السياسية هي من ترسم مستقبل شيعة العراق قوة وضعفا.
: 14/4/2020م .
ــــــ
https://telegram.me/buratha