( بقلم : حسن الهاشمي )
تحت عنوان (الشخصية الشيعية) الحلقة الأخيرة ذكر (محمد شريف) من على موقع المثقف في مقال له: (الشخصية الشيعية تخشى التفكير وتحبذ الطاعة العمياء، لذلك فأمور الجماعة الشيعية مرهونة بقياداتها، الإنسان الشيعي لا يحزم ويحسم أمره بدون أمر وتوجيه من الأعلى، من المرجع والفقيه والملا وإمام المسجد، وهذا المرض الشنيع يغتال العقل الشيعي بمباركة شيوخ الدين).
الإنسان الشيعي ينقسم إلى قسمين متدين يتبع المرجع الديني في مجال تخصصه، وعلماني ليس له علاقة برجال الدين، ومن المؤكد أن الذي وقع تحت مطرقة الشريف ونعته بالخواء والطاعة العمياء هو المتدين الذي يحاول أن يتبع مرجع تقليده في الأحكام الشرعية ليكون عمله طبقا للموازين الشرعية، إبراء للذمة حيال حقوقه وحقوق الناس وحقوق الله سبحانه في الدنيا والآخرة.
الرجوع إلى المرجع في مسائل الحلال والحرام والأمور التخصصية حاله حال الإنسان الذي يراجع الطبيب عندما يداهمه المرض والمهندس حينما يروم لبناء بيت وهكذا، أما بقية الأمور التي ليس لها شأن بالتكليف والتخصص كانتخاب المهنة والسفر وانتخاب الزوجة والمأكل والملبس وطبيعة تشييد الدور والطرق وبقية النشاطات الثقافية والسياسية والاقتصادية، فالنص الإسلامي يقول بهذا الشأن (أنتم أعرف بأمور دنياكم)، فأين الجمود الفكري للعقلية الشيعية يا محمد شريف؟! وأنت تعرف قبل غيرك أن الساحة الشيعية دفعت للأمة الكثير من المثقفين والشعراء والسياسيين الذين غير بعضهم وجه التاريخ وهذا ما جعلك تذكر في نفس المقال (لأتمم الكتابة عن الجماعة الشيعية من زوايا أخرى كجماعة مهمة وأساسية ساهمت في بناء العراق حضاريا وثقافيا وسياسيا وأنجبت العظماء قديما وحديثا فمثلما أنجبت الشيخ ابو جعفر الطوسي والشريفين الرضي والمرتضى قديما نراها أنجبت مؤرخين وبحاثة كبار في عصرنا كالعلامة طه باقر والدكتور علي الوردي والدكتور جواد علي ومصطفى جواد والشيخ علي الشرقي وجعفر الخليلي وآلاف غيرهم من علماء وفقهاء وأدباء وشعراء وساسة وفنانين وحرفيين وفلاحين وعمال، خدموا ثقافة العراق ومجتمعه خدمات جليلة ). ولكن الشيء الوحيد الذي يميز الفرد الشيعي سواء أكان مجتهدا أو إنسانا عاديا أنه يرفض بطبيعته الظلم ولا يكون بوقا للأنظمة الديكتاتورية ولا يكون عميلا للدول الاستعمارية وهذا ما كلف الشيعة الكثير من الفرص على مر التاريخ!!!
بعد كل ما ذكر فماذا بدر من مراجع الشيعة الحقيقيين حتى تكال لهم كل تلك التهم والافتراءات؟! أقصد بالحقيقيين أولئك المراجع الذين تتوفر فيهم شرائط التقليد من التقوى والأعلمية والورع، تلك الأمور هي التي تفرز مجتهدا قادرا على استنباط الحكم الشرعي ولا يتأتى ذلك اعتباطا وإنما يتأتى من الجهد الذاتي والتسديد الإلهي، وهو الذي يميزهم عن المراجع المزيفين الذين يتبعهم الهمج الرعاع وأصحاب المطامع الدنيوية الزائفة، ولكي لا تكون الشخصية الشيعية إتكالية ولا قابلية لها على المبادرة للفعل واتخاذ القرار حتى في شؤونها المحلية والخاصة كما يقول شريف في مقاله، فإن الروايات أكدت على ضرورة أهلية المتصدي للفتوى من ناحية العلم والدين والأخلاق وعدم الخداع بمدعي الإجتهاد وما أكثرهم في هذه الأيام! وعلى ضرورة الفحص من قبل المكلف لانتخاب الأصلح لمن يأتمنه دينه وأحكامه الشرعية.
يقول الكاتب ضمن مقالته: (إن رهاب التفكير هذا جعل الشخصية الشيعية إتكالية ولا قابلية لها على المبادرة للفعل وأتخاذ القرار حتى في شؤونها المحلية والخاصة !! فهناك دائما من يفكر بالنيابة عنهم ويتخذ القرار بالنيابة عنهم وليس لهم إلا التسليم والطاعة وهذا الأمر ساهم بنشوء طبقة الأرستقراطية الشيعية المترفة والمرتاحة لرؤوس أموالها الروحية والمادية وعامة الجماعة الشيعية الشعبية مسحوقة ومهشمة وتوصف بالدهماء والغوغاء واللصوص والحشاشة والمعدان والمتخلفين والجهال والحمقى ...ألخ المفردات التحقيرية ، ولا يكون لهؤلاء العامة أهمية إلا في جمع المال وحشد الراي العام وتأليبه من قبل المتلاعبون بالعقل الشيعي)لا أحد يتكلم بالنيابة عن الشيعي بل له مطلق الحرية بالفكر والاعتقاد فإن كان الشيعي متدينا فهو وبكامل إرادته يقلد أحد المراجع لأخذ الأحكام الدينية ولا سيما المستحدثة منه وهو كذلك يسلم المرجع أو أحد وكلاؤه الحقوق الشرعية ومن ضمنها الخمس والزكاة ورد المظالم وغيرها ومن طيب نفسه دونما إكراه أو تخويف، وهو مخول بصرفها على المستحقين من معارفه وجيرانه من الكثير من المراجع، فإن لم يكن عنده معارف فقراء يستلمها المرجع أو الوكيل ويصرفونها لخدمة الإسلام والمسلمين، وحسب علمنا فأن المراجع يعيشون حالة التقشف ويأخذون منها لتمشية حياتهم البسيطة والزهيدة، ونحن لا نرى في أوساطهم طبقة أرستقراطية مترفة ومرتاحة لرؤوس أموالها الروحية والمادية، فأين يعيش أولئك الذين ذكرهم الشريف لنتعرف عليهم فنحن نعرف السيستاني والحكيم والفياض والبشير فإن بيوتهم صغيرة وحياتهم بسيطة وهم على قدر كبير من التواضع والزهد والابتعاد عن مباهج الدنيا وزخرفها.
وإذا يقصد الكاتب الحياة الارستقراطية لبعض الوكلاء في بعض البلدان الإقليمية والأوربية فهي محسوبة عليهم لا على المراجع، إن لم يكن عندهم مبررات ومسوغات شرعية وعرفية!! ولا أحد يتهم عامة الجماعة الشيعية بالمفردات التحقيرية، بل أن المراجع يدافعون عن جميع الشرائح وضرورة توفير الأمن والخدمات لهم بغض النظر عن انتماءهم الطائفي والعرقي والقومي، وهذا هو السيد السيستاني يعتبر نفسه خادما لجميع العراقيين ويؤكد على الشيعة بأن يعتبروا أهل السنة والجماعة أنفسهم لا إخوانهم، نعم المغرر بالشيعة من أتباع جند السماء واليماني والمغرر بالسنة من أتباع القاعدة فهم من يوصمون بالدهماء والغوغاء وعلى الرغم من ذلك نجد المطالبات من المرجعية الشيعية للحكومة المركزية لإصلاح حالهم بمطالبة الحكومة ضرورة توفير الخدمات والقضاء على البطالة لتجفيف منابع الإرهاب كما حصل في البيان الأخير للشيخ إسحاق الفياض بشأن حركة اليماني الأخيرة. فماذا بدر من مراجع الحق سوى الدعوة إلى الوحدة والتكاتف والمحبة وعمل الخير على خلاف ما يبدر من علماء التكفير الذين تقطر فتاواهم حقدا وحنقا لكل من يخالفهم لاسيما أتباع أهل البيت عليهم السلام، فإنهم لا يزالون ضحية فتاوى التكفير من قتل وتهجير وظلم من دون مقابلتهم بالمثل، وصدق الشاعر عندما قال وكل إناء بالذي فيه ينضح.
وهنا لابد من وقفة مع هذه الفقرة التي ادعاها كاتب المقال (فسلطة رجل الدين الشيعي مؤسسة على تنمية وترسيخ رهاب التفكير، لذلك نرى الصغار قبل الكبار في الجماعة الشيعية يرددون: الراد عليهم كالراد علينا والراد علينا كالراد على النبي والراد على النبي كالراد على الله والراد على الله كحد الشرك به) .أقول للكاتب ولكل من يردد ما قاله الكاتب هل قرأتم هذا الحديث في الرسائل العملية للمراجع؟ هل لديكم ورقة مكتوبة بخط اليد للمراجع تحذر الناس من مخالفتهم؟ ألا يوجد بين الشيعة من خالفهم أو رد عليهم؟ إن قلت لا يوجد تكون قد أضفت موهبة أخرى إلى مواهبك في جهل تفسير الحديث وان قلت يوجد أقول فهل صدرت فتوى من المراجع بتكفيره؟!
أصل الحديث هو للإمام الصادق عليه السلام سأله احد تلامذته وهو أبو بصير بان الذي لا يصدق بهم في حال روايتهم لأحاديث الأئمة (ع) فقال له الإمام الصادق عليه السلام أي والله الراد عليكم كالراد علينا والراد علينا كالراد على رسول الله والراد على رسول الله كالراد على الله عز وجل وهذا هو الشرك.علاوة على ذلك أن الرواية جاءت على صيغة الجمع (الراد عليكم) وهو متناغما مع الحديث (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه... الخ فللعوام أن يقلدوه) فالجمع في الروايتين يؤكد على تعدد الفقهاء شريطة توفر مقومات الإفتاء عندهم، فصيانة النفس وطاعة الله هي التي تعطي الحصانة للفقهاء وتجعل الراد عليهم كالراد على الله، وإلا إذا زاغ الفقيه عن الطريق لأي سبب كان فإنه تضرب آراءه عرض الجدار كائنا من يكون ذلك المرجع، فعندما تقدس الشيعة إنما تقدس المبادئ التي يحملها المرجع ولا تقدس بأي شكل من الأشكال شخص المرجع!!
الأمر المهم الذي يجب أن يلتفت إليه ممن يجهل أو يتجاهل الشيعة ومفاهيمهم فيما يخص الجماعات والتيارات الدينية التي تنادي باسم هذا المرجع أو ذاك الفقيه، إن هذا الأمر له سلبياته وايجابياته وهو دليل على حرية التفكير وقد يظهر من يستغل اسم المرجع لأغراضه الشخصية أو الحزبية وهذا وارد ولا يتحمل وزره المرجع كما حصل من بعض ضعاف النفوس في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، أما سوء انتخاب المرجع فهو كذلك لا يتحمل وزره المرجع الجامع لشرائط التقليد، وعلى هذا فإن الفرد البسيط مثلما يكون دقيقا في اختيار مكاسبه ينبغي أن يكون دقيقا في انتخاب من يأتمنه على دينه ويأخذ معالم اعتقاداته منه!! فعليه التحري لانتخاب من تجمعت فيه شرائط التقليد ليبرأ ذمته أمام الله يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
https://telegram.me/buratha