المقالات

دعوة لقراءة كتاب


د. أحمد البهادلي

 

في حوار فلسفي قديم لفيلسوف العصر رفيع المقام جناب السيد الشهيد محمد باقر الصدر، قدر لي أن أطلع عليه في أواخر الثمانينيات، بعد أن كان هذا الاسم الشريف يتردد كثيرا في مجالس العائلة، مشروطاً بوصايا التكتم والحذر الشديد، وبسبب العزلة والفراغ كنت قد تهيأت لترتيب مكتبة والدي (حفظه الله)، وهنا كان أول لقاء بيني وبين سماحته، إذ عثرت على كتاب (المرسل الرسول الرسالة)، وحينها قد فتح الله تعالى على ذهني قسمات رحمته لأفهم مجمل نكات هذا المؤلف العظيم، حتى تكرر اللقاء بجناب السيد مراراً، وإلى أيامنا هذه.

أصف مطالعاتي لكتبه باللقاء به، لأني لم أقبل لمجالسته إلا وأنا في كامل الرغبة والاستعداد للتزود، وكنت حين أقرأ كأني أحدثه، وكأنه يحاورني، ومنها تكونت عندي صورة جليلة تخصني تجاه هذا العالم المجاهد الشجاع، ثم زاد لهفي لاقتناء كامل آثاره المنيرة، ومتابعة أفكار أغلب طلابه، ما بين سفر وحضور وتداول عن بعد.

لقد عايشت السيد في لحظات معرفية نورانية، وعايشني في مجمل أزماتي وما أكثرها، وفي كل شدة كنت أتوسل به، وكان رضوان الله عليه لطيف التلبية، ولا أزال أحسبه رفيقي، فالصلة بيننا أوسع من فكرة في كتاب، وأرحب من صلتي بأرحامي الأموات.

زاد ولعي بالحكمة، وزدت عطشاً بسماحته، وكثيرا ما كنت أظل طريق الفكرة، لكن قوة عصفه تجرني نحوه، لأقر كالصغار بالعفو في محضره، يمسح على رأسي، فيشتد عودي للسير مجدداً كالممتد في التاريخ، للبحث عن ضالتي في طريق جديد، فكونت نخبة كبيرة من الأصدقاء، جراء رحلة حثيثة، صحيح أنني أختلف مع كثير منهم، وأني لم أتطلع يوما للاتفاق مع أيهم، إلا بما يوافق إطار العلاقة العام فيما بيني وبين سماحته، وبهذا المعيار تعرفت إلى شخصيات مفكرة بالفلسفة، سأذكر بعضا منهم (طاليس، وفيثاغورس، وجورجياس، وبروتوغوراس، وزينون، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وتوما الإكويني، وكونفوشيوس، وزرادشت، وصاحب المقامات الشامخات أبن سينا، والمهذب رفيع الشأن الفارابي، وأبن رشد، وأبن سبعين، والغزالي، ثم أبي موسى الأشعري، وواصف بن عطاء المعتزلي، وهكذا النفيس أبن عربي، وصعب المراس السهروردي، وزاد العقل ساكن القنن العلامة الشيرازي، ثم هيغل، وكانط، وبركسن، وشوبنهاور، ونيتشة، وهايدكر، وفيتشة، ثم ماركس، وأنجلز، وسارتر، وفيورباخ، ومرلوبونتي، ووليم جيمس، وجون ديوي، وفتجنشتاين، وكارناب، وبرتراند رسل، والكامل الهمام العلامة الطباطبائي، والكامل السيد ذو الافاق الجليلة الإمام الخميني، والفاضل الكبير جعفر سبحاني، والمعلم الجديد محمد تقي مصباح اليزدي، وهابرماس، ورورتي، وليوتار) وقد أكون ممن غفل عن ذكر آخرين أجلاء، أو تغافلت عن آخرين ممن يبرق بسرعة ويختفي، لضيق في الترجمات أو حدة في النقاش، أو لتعارض في المباني والأصول أو المنهج.

لقد علمني سماحته آليات الاستدلال، وبوقت مبكر، وأرشدني لتحمل أعباء المفاهيم، والتصدي لاكتسابها، وفي كل مرة أجدد فيها تلاوة هذا الكتاب الرصين (المرسل الرسول الرسالة) أتجدد في رحلتي، حاملا معي الطريقة، والفكرة، وإن كان المضمون مما تسر به الأذهان.

هذا الكتاب، وثيقة فكرية، وهوية للانتماء، وطريقة في السير العقلي، كان بداية رحبة وجميلة بالنسبة لي، لأعيش حكايات العظماء، وأتجول في بساتين أفكارهم، مقتنياً ما ينفع الناس، تاركا الزبد.

بغداد

الخامس عشر من شهر شعبان المعظم 1441

التاسع من نيسان 2020

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك