المقالات

نيسان العراق ، ذكرى الدولة القاتلة والمقتولة !


ابراهيم العبادي

 

لا شهر من شهور السنة الصق بذاكرة العراقيين الجماعية كشهر نيسان ،ففي هذا الشهر يستذكر العراقيون صورا متناقضة لتواريخ زائفة واخرى راسخة ،  لكنها تذكرهم دائما بنتيجة واحدة ،  انه الهدم والانهدام الذي ظل يؤرق هذا الشعب ويشعره بالاحباط الدائم والحسرة والحرمان ،   وربما العجز عن اشادة البنيان الذين يحلمون به ،اعني بناء الدولة بعد ان تحطمت وتطاير ركامها في كل زوايا العراق  ، فالذاكرة العراقية تستحضر ذكرى تأسيس حزب  البعث عام 1947  صاحب ايديولوجية الدولة القومية ونهضة العرب وفق شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ،انتهت  دولة البعث العراقية  بسقوط مدوي في ذكرى تأسيس البعث السادسة  والخمسين عام 2003 ، بعد ان قتلت الحرية وهدمت الانسان والهوية المجتمعية ،  ولم يبق في الذاكرة العراقية الا مشاهد  الرعب والاستبداد ،  الذي حفظ صورة الدولة شكلا وافرغها من حقيقتها ومضمونها واقعا لانها افتقدت المثل الاعلى وسحقت الانسان وقيمه الحضارية ، فسقطت في اول لمسة غازية بتعبير الشهيد الصدر .

بين  التاريخين ،   تاريخ التأسيس وتأريخ السقوط ، مرت سنوات الضياع والفوضى والقتل الجماعي وشبكات المنظمات السرية  ومؤامرات وصراعات على السلطة حطمت    ادمية الانسان وبنائه  النفسي والحضاري بفعل الاستبداد والاستعباد  ، تجلى ذلك في قتل اخيار الناس ومفكريهم ومثقفيهم وتحويل الرعاع الى اسياد ،   لقد امسى الزمن  البعثي كما كان يدعي متحذلقي البعث ،   زمن قتل الامة وأبادة رموزها ودعاة نهضتها كما  في رمزية قتل المفكر والفقيه  وداعية  بناء الانسان والعمران ،  اعني به الشهيد السيد محمد باقر الصدر يوم 8 نيسان عام 1980 . أربعون عاما والعراق ينزف نجيعا قانيا ، ولم يستوعب هذا الشعب ونخبه الحقيقية والزائفة،  من صور المأساة هذه دروسا بليغة ، تلهمه فكرا وارادة ،  يستجمع بها عقله وقوته ليؤسس دولة للانسان العراقي ، يستريح  في ظلالها  وقوانينها وسيادتها  ، بما يسمح له ببناء ذاته  المحطمة ويتصالح   مع نفسه  ومع العالم من حوله ،بقي ذلك قيد الطموح  والامل الممزوج بالالم والمعاناة والصراع ،  فلم ينته العراقيون من  اختلافهم  المزمن على السلطة ،  ولم يهتدوا ولم يتعلموا ،  ولم تجتمع ارادتهم على صورة موحدة للدولة والنظام الذي يحقق لهم السلام والوئام ، أحد اسباب ذلك ، نرجسية متوهمة  تسكنهم ، مفادها  انهم شعب عظيم في جغرافيا فريدة ،، وان بلادهم التي شهدت ولادة الحضارة على ضفاف الانهر الخالدة قبل سبعة الاف سنة ،  ستعود عاصمة للدنيا ،ووارثة للحضارة المعاصرة ، انهم  محسودون على مستقبلهم !!!!؟ ومطمع للدول والامبراطوريات من حولهم ، هكذا هو المتخيل الجماعي لقسم كبير من هذه الامة ، ووفق هذا المتخيل يخوضون اليوم  صراع افكار وشعارات وايديولوجيات وتواريخ ،جعلتهم لايمسكون بشيء ،قدر خسارتهم لحاضرهم وامساكهم بجدل سياسي وديني عقيم ، كثير منه اوهام وقليله  معلق على شروط واشتراطات لم يرتفعوا لمستواها ولم يحققوا منها حدودها الدنيا .

يتحمل شيعة العراق ، وهم الجماعة السكانية الاكبر ،  مسؤولية هذه البرهة من تاريخ العراق  ، كما تحمل غيرهم اجزاء التاريخ المعاصر والحديث ، بما شادوا من دول مملوكية وسلطانية وقومية وأسرية قاتلة ،  كان محمد باقر الصدر ينظر قبل ستين عاما  للحرية والنهضة والعودة الى الذات ويبشر بفكر  ينتمي الى مدرسة الاسلام ومثلها العليا وقيمها التوحيدية  مغايرا  مدارس الحضارة المعاصرة   ، فَتشكلَ  مشروع  يدعو لنموذج للنهضة والدولة مباين   للمشروع الوطني التقليدي ولمشروع اليسار الماركسي والقومي ، وتبلور تيار  كان يتحدث عن نفسه بلغة الواثق فكريا وسياسيا واخلاقيا وايديولوجيا  ، ولما حانت فرصة التحقق من متانة الافكار والمشروع  بعد ربع قرن  من مقتل الصدر المفجع وفي لحظة سقوط دولة المشروع القومي  وجدنا الدولة بلا  اباء مؤسسين ولا بنائين جديرين  معرفيا وسياسيا واخلاقيا ،  وما كانوا احسن من غيرهم في بناء الدولة النموذج من النواحي المعرفية والسلوكية والاخلاقية  كما  كان يبشر بها ويدعو اليها محمد باقر الصدر ،  فبقيت نموذجا طوباويا حالما  ، من الحق ان يقال ان ثمة اسباب موضوعية داخلية وخارجية نعرف تفاصيلها وظروفها ،   منعت ان يتمتع العراق بدولة حديثة مستقرة ،لكن من الحق ان يقال ايضا ان هؤلاء الذين يزعمون انتماء ايديولوجيا ومذهبيا  الى مدرسة الصدر افتقدوا    الحكمة واللياقة التي تجعلهم في مصاف بناة الدول كما هو ظاهر اليوم ،  حيث العراق يعيش بلا دولة او قل دولة فاشلة ، او هشة في احسن التصنيفات ،  يتعارك اتباع (المشروع الاسلامي) !!!؟ على من يرأس حكومتها وهم ينتقلون من فشل الى فشل   ، لقد تبين انهم دعاة الدولة المستحيلة بتعبير وائل حلاق .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك