المقالات

الحكومة في سيارة اسعاف


واثق الجابري

 

 توصف سيارة الإسعاف  في المانيا بأنها الأسرع في العالم، وتنقل الحالة المرضية بوقت 4-6 دقائق، والعبرة ليست لأن مراكز الإسعاف موزعة بشكل هندسي بين المناطق، أو لأن سيارةالإسعاف تفوق مثيلاتها في المواصفات، بل لأن السيارات والمارة يفتحون الطرق بسرعة مذهلة، عند سماع صفارات الإسعاف، وكأن ما يحدث في العراق بلد مصاب، وحكومة تحتاج للنقل بسيارة إسعاف.

 ربما لا تكون كل سيارات الإسعاف، مجهزة بكل ما يحتاجه المريض؛ إلاّ أنها تحمل معدات يمكنها إنقاذ حياة المصاب لحين وصوله الى المستشفى.

 مواصفات الإسعاف لا تنتهي بكونها عربة تنقل الحالات الطارئة، بل عملها يرتبط بما يليه في المستشفى، الذي يحدد طرقاً خاصة وسهلة لوصول سيارة الإسعاف، وأبواباً واسعة بالقرب من الشارع، وعند وقوفها يُنزل المريض مباشرة في ردهة الطواريء، وتُكتمل بقية العلاجات والخدمات الطبية, ولا يتوقف العمل المنقذ للمريض، بوجود بنى تحتية والاختصاصات الطبية المتكاملة فحسب، أن لم تك هناك إستراتيجية للعمل وخطط جاهزة، وإستثمار لتلك البنى العلمية والخدمية، من أجل الفصل بين الحياة والموت، وربما إهمال لثلاثة دقائق سواء في الإسعاف أو في الطواري، فسيؤدي الى عاهة مستديمة لا يمكن علاجها مستقبلاً.

كثيراً ما يتحدث الساسة عن أن  السيد عادل عبدالمهدي، يملك عقلية تنظيرية لا تُضاهى، وكتب كثيراً في مقالات وتحدث في جلسات، والمتحدثون أنفسهم يقولون عنه فشل في الإدارة، وآخرون قالوا أنه عمل بإستراتيجية تنقصها الأدوات الإعلامية، ووضع أسس دولة قد تتضح آثارها في الأعوام القادمة، في حال الإستمرار على المنهج نفسه والإرتكاز على تلك الخطط، التي هي من الثوابت التي قد لا تتأثر بالمتغيرات، إلا اذا كانت جذرية تهدف لإنهيار الدولة وتغيير مسارها، وأن لم يتم التعامل مع المتغيرات بعقلية بناء دولة، فسوف تكون المتغيرات المتطرفة والبعيدة عن روح المواطنة، هي القاعدة والثابت.

 الحكومة القادمة وبعد فشل علاوي  في تمرير حكومة، جعلت من الواقع أكثر تعقيداً، ولكنها لا تختلف عن سيارة إسعاف، دورها إنتقالي لتحديد موعد الإنتخابات المبكرة، وإكمال التشريعات الخاصة بالقانون الإنتخابي، وتهيئة الأجواء الأمنية المستقرة، وإقرار موازنة  لتهيئة التخصيصات اللازمة للإنتخابات، وما يخصها من إستعداد لمفوضية الإنتخابات، وأموال لوسائل اعلامية لحث الناخب على المشاركة الفاعلة، التي من خلالها يمكن أن يكون هناك تغيير في الواقع السياسي.

لن تكون للإنتخابات القادمة نتائج مثمرة إن لم تكن مقدماتها رصينة، وبحكومة يمكنها نقل العراق من واقع الى واقع آخر، من التهاوي والسقوط والتمزق، الى ترصين النظام السياسي بالمشاركة الواسعة والنظام العادل والأرضية السياسية المستقرة، التي يعتقد فيها الناخب والمرشح بالعدالة والحكومة في سيارة إسعاف، أو أن العراق يحتاج الى إسعاف وإنقاذ من حالته الطارئة، الى مرحلة الإستقرار السياسي، ولابد للحكومة الإنتقالية؛ أشبه بسيارة الإسعاف التي تنقل البلد من مرحلة الى آخرى، ولكن لا فائدة من الإسعاف، في حال غياب الإستعدادات للمرحلة المقلبة.

البحث والتمعن كثيراً في مواصفات الحكومة الإنتقالية، ضياع للوقت والعراق كالمريض، أن لم نتسارع بنقله ستتدهور حالته الصحية والإجتماعية والسياسية، ولابد أن ينصب التفكير بالمرحلة ما بعد الحكومة الإنتقالية، ومن هذا الوقت لابد للإعداد للإنتخابات، ولا اقصد الإستعدادات الحكومية، بل لإعدادات النخب والمتظاهرين، كي يرسموا بدقة واقع المرحلة القادمة، وأن مجرد التركيز على من سيكون رئيس الوزراء للمرحلة الإنتقالية ومن شخصيات حكومته، لن تنتج في المرحلة اللاحقة، والمهم  رفع التعقيد في آليات الحلول من كل الأطراف، وفسح المجال لمرور حكومة أن كانت الأطراف بالفعل تفكر بإنتخابات مبكرة، وإلاّ سيقع العراق بخطأ تلكؤ حكومة عبدالمهدي نفسه، في ظل غياب او عرقلة الدعم السياسي، وإنعدام التعاطف الشعبي، لكونه ناقماً على كل الطبقة السياسية، ولم يستثنِ أحداً، يمكن من خلال الدعم الشعبي له، لتجواز الأزمة، والوصول الى انتخابات مبكرة في نهاية هذا العام

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك