بقلم : سامي جواد كاظم
احدى الحذاقات التي يجب ان يتصف بها السياسي البحث عن حل الاشكالات التي تعترضه والاستعانة بكل من يراه اهل لذلك بغض النظر عن الخصومة التي قد تكون موجودة مع الطرف الذي يعتقد ان الحل لديه لما يعترضه من ازمة . هذا السياسي وبعيدا عن نواياه سواء كانت حسنة او سيئة فان الاستشارة والحصول على الحلول تعتبر منقبة له والاعتراف منه بعجزه عن حل هذه المشكلة او تلك ، والتاريخ الاسلامي غني جدا بمثل هكذا مواقف ولنستشهد ببعضها لتكون الدليل على ما اريد ان اصل اليه من نتيجة فالخلفاء الثلاثة ورابعهم معاوية كانوا كثيرا ما يستشيرون الامام علي (ع) في الاشكالات التي تعترضهم ( لولا علي لهلك عمر ، ما من معضلة الا ولها ابا الحسن ) وكان في بعضها الامام علي (ع) يحيلها الى ولديه الحسن والحسين عليهما السلام لغرض اثبات الاعلمية لاهل بيت النبوة ، في احدى الاشكالات التي تعرض لها عمر اشاروا عليه بان يبعث الى الامام علي (ع) فقال لهم بل نحن نذهب له لاننا بحاجة له، فهل يتعلمون اليوم منه اتباعه ؟ كما وان معاوية كان يستخدم التستر بارسال مندوب عنه متنكر ليحصل على حلول ما يطرح عليه من اسئلة من قبل النصارى واليهود وما مسالة الخنثى كيف ترث التي اجابه عليها الامام علي (ع) الا قطرة من بحر .
وهكذا بالتتابع فكل الخلفاء الامويين والعباسين قاطبة وبدون استثناء استنجدوا بالامام المعصوم المعاصر لهم في حل اشكالاتهم وبمختلف الصنوف سواء كانت فقهية او سياسية او حتى عسكرية او اقتصادية .عبد الملك بن مروان استعصت عليه مسالة النقود وما تعرض له من ابتزاز من قبل الروم وبعد المكابرة والعجز عن حل المشكلة سال حاشيته عن الحل فقالوا له نعلم من عنده الحل ، اجابهم اوتقصدونه ؟ قالوا ومن غيره ، فبعث اليه من يعطيه الحل انه الامام الباقر (ع) والذي يعتبر اول من علم المسلمين كيفية سك النقود .
واما في عصر الغيبة فهنالك الكثير من السلاطين والحكام الذين استشاروا وما خابوا عندما استشاروا حكماء وعلماء وفقهاء عصرهم في كثير من الاشكالات ولعل احدى العوامل التي جعلت بعض قراء التاريخ يحقدون على الصفويين بسبب الصلاحيات المطلقة التي منحوها لفقهاء عصرهم بل ان الشاه طهماسب الاول كان يعتبر علي بن عبد العال الكركي ( ت 941 هـ ) هو الحاكم المطلق وانه من رعيته فاشار اليه الكركي (قدس) في كثير من القوانين التي تخدم ادارة الدولة حتى العسكرية منها .
وحتى القرن العشرين ولغاية سبيعينياته كان الملوك والروؤساء كثيرا ما يزورون كربلاء والنجف للاستئناس بعلوم واراء العلماء والفقهاء وقتئذ .حتى صدام حسين كان كثيرا ما يحاول الاتصال بالعلماء لاضفاء الشرعية على ما يتخذه من قرار وبسوء نية الا انه لم يحصل على شيء فما كان منه الا ان يضعهم تحت الاقامة الجبرية على ان ياتيهم المصير المحتوم من اغتيال او عزلة .
وبعد سقوط الصنم والعواصف تهب على العراق من كل صوب وحوب فما كان لكل من يهمه الشان العراقي الا بالاهراع والاسراع الى الملاذات الامنة التي يجد فيها ضالته . فكانت النجف مرتع لحلول ما يستعصى عليهم ولكن على الجهة الاخرى المناوؤون لهذه الزيارات والطعن مرة بالزائرين ومرة بالمزارين في تخبط واضح تكشف الايام صحة من لجأ الى النجف .اليوم هناك من يعتقد ان النجف اصبح لها ذكر عالمي بفضل العلماء بعد امير المؤمنين (ع) وهذا ليس بالصحيح فان النجف الاشرف ومعها شقيقتها كربلاء ينظر اليها من قبل كل العالم الاصدقاء والاعداء نظرة خاصة حسب ما يضمر في داخله اتجاه المذهب المعتنق في هاتين المدينتين .
كان هنالك باحث امريكي يدون المعلومات عن البلدان العربية وتقديمها الى الجهات المختصة في البيت الابيض الامريكي فقد كتب عن العراق مذكرة بـ ( 16 ) صفحة خصصت ثمانية صفحات عن كربلاء والنجف فقط وبقية الصفحات عن العراق كله ، من هذا يتضح ان للعالم نظرة خاصة للنجف .
واليوم ياويل للسياسي العراقي اذا ما وطأت قدمه ارض النجف ومهما كان المقصد فان عيون وسائل الاعلام قاطبة تتجه صوب النجف الاشرف وتبدأ التحليلات والتأويلات والأكاذيب من قبل هذه الوسائل كل حسب اتجاهه الفكري .بريمر يقول في كتابه ان السيد السيستاني كان حاضرا في مجلس الحكم وهذا امر كان يغيظه وطالما انه سياسي فاعتقد ان حذاقته تخدمه لو حصل على لقاء وغير مصور ولبضع دقائق مع السيد السيستاني ليحقق مكسب يقول هو عنه كبير وانه آسف بعد رحيله من العراق انه لم يلتقي بالسيستاني . كل القرارات الصعبة التي تريد اتخاذها الادارة الامريكية وتمريرها من قبل الساسة العراقيين تضع في حساباتها رأي المرجعية في النجف . النتيجة النهائية لكل اللقاءات التي تتم مع المرجعية هو ان العراق وطن واحد غير قابل للتقسيم وان المواطن العراقي هو هدفه الاول والاخير ولم يتحدث قط باسم المعتقد او المذهبية او القومية .
اليوم يقوم الساسة العراقيين بجولات واتصالات مكوكية لعرض اتفاقية الامن مع امريكا واخذ راي السيد السيستاني بذلك الا ان الاخير يرفض التعليق عليها بل حتى رفض الاستماع او القراءة لنص هذه الاتفاقية التي من المزمع عقدها بين العراق وامريكا .
بعد هذا هل يسلم السيد السيستاني من افواه وانامل الحاقدين الذين سيفسرون هذه الحالة بشكل يطعن بالمرجعية ؟ ولكن سوف لم ولن ينالوا ما تربوا اليه عقولهم ان كان لهم عقول .
https://telegram.me/buratha