( بقلم : حسن الهاشمي )
رؤية فاحصة لواقعة الطف تجعل الإنسان يقف إجلالا وإكبارا لتلك الشخصية العظيمة ألا وهي مولاتنا زينب سلام الله عليها، لقد مارست دور القيادة والتنظيم ودور الرعاية والحماية ودور الإعلام والإرشاد والتبليغ بأبهى صوره حتى ليقف المرء محتارا أمام أدوارها البطولية الخالدة.
وقد يقول قائل ليس بالأمر الصعب، أن يضطلع شخص متفرغ أو يعيش حالة طبيعية من دون ضغوط بهذه الأدوار أو بعضها، ولكن صدورها من امرأة عانت ما عانته في واقعة الطف ليس بالأمر الهين، إنها رغم المصائب التي انهمرت عليها بقيت صامدة شامخة متألقة، ولو أن واحدة من مصائب الطف تعرضت لها أمة من الناس لكانت تهد رجالاتها، بيد أن بطلة كربلاء أبت إلا أن تكون تلك الخفرة المتنمرة في ذات الله، ففقدها لأميرها وإمامها وشقيقها ومن تقاسم معها همومها منذ الصغر أبي الأحرار عليه السلام، وفقدها لقائد رحلها وعضيدها أبي الفضل العباس عليه السلام، وفقدها لأولاد إخوانها وبني عمومتها الواحد تلو الآخر، لم ولن ينل من عزيمتها وثباتها على المبدأ الحق والولاية الحقة المتمثلة بالإمام الحسين عليه السلام...
والله إن مصيبة الطفل الرضيع وحدها كافية لأن تهد البشر ولكنها زينب وكفى أنها الحوراء زينب، فإنها قابلت كل تلك المصائب بصبر أبيها وإنها ما انهارت بل ازدادت في رباطة جأشها وتألقت في إيمانها، وليس فقد الأحبة هو المهم عندها لاسيما إذا كان حصنا وأمانا للدين والمذهب الحق، ومادام همها شريعة الله فإنها ورغم المصائب التي انهمرت عليها فقد قابلتها بقلب صبور ولسان شكور وهذا لعمري هو قمة الإيمان وذروة التحدي، وكيف لا ؟! وهي لم تحظ حتى بالجلوس والبكاء والحزن على ما فقدت وإنما توجهت إلى الله بعد أن وضعت المعركة أوزارها بمقولتها الخالدة: اللهم تقبل منا هذا القربان.
جميع المصائب تحطمت على جبل الصمود زينب سلام الله عليها، أي مصيبة أذكر مصيبة الأسر بعد أن كانت عزيزة في بيت أبيها علي وأولاد علي، أم مصيبة الخوف على الإمام زين العابدين فهي في الحقيقة كانت تعيش خوفين على إمام زمانها، خوف المرض أن يفتك به وخوف الأعداء أن يكتشفوا أمر إمامته والفتك والتخلص منه، أم مصيبة الأطفال النائحة على آبائها، أم الأرامل التي تندب أزواجها، أم حماية النساء من أن تطولها أنظار الأجانب، أم مواجهة الشامتين (وما أدراك ما الشامتين) أنهم المتربصين لآل محمد وأصحاب الأحقاد الذين انتظروا سنينا طويلة للنيل من آل محمد، نعم فقد علمتنا الحوراء زينب بحكمتها وصبرها وشجاعتها وبلاغتها كيف نكون أقوياء أمام كل ضيم وأمام كل ظالم وأمام كل فساد وإفساد وتجبر وانحراف.
علمتنا كيف نواجه المفخخات والأحزمة الناسفة الأموية الحاقدة التي تريد أن تستأصل فينا صمود وصبر السيدة زينب سلام الله عليها وثباتها على المبدأ الحسيني وهو المبدأ الحق الذي ورثه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، بل ورثه عن جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء الصالحين الذين بذلوا كل غال ونفيس في سبيل إحقاق الحق وإدحاض الباطل.
علمتنا الحوراء زينب كيف نقاوم الطغاة للمحافظة على مكاسب الأنبياء التي جسدها أخوها الحسين في مقارعته لأباطيل يزيد وأتباعه، وما زال البعثيون والتكفيزيون الأشرار أتباع معاوية ويزيد والجبابرة والطغاة، يمارسون فينا القتل والتهجير والظلم لكي يستأصلوا منا جذوة الحق الحسينية التي هي متأججة في ذواتنا ولا يمكن لكافة الطواغيت مهما تفرعنوا أن يسلبوها منا، فكلما نفخوا فيها لا يزيدها إلا توهجا وإشعاعا ينير دروب الإنسانية في التخلص من الظلم والظالمين إلى الأبد.
https://telegram.me/buratha