المقالات

اليماني ... أهدى الرايات!! ( الحلقة السابعة )

2387 22:40:00 2008-02-19

( بقلم : سماحة الشيخ جلال الدين الصغير )

 منهاج التحرك لدى اليماني

أوضحت الروايات الشريفة التي أسلفنا ذكرها عن اليماني معالم المنهج الذي سيعتمده اليماني في تحركه للتمهيد للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وقد لاحظنا من قبل إن الروايات لم تتحدث عن شخص اليماني، وإنما تركّز الحديث فيه على منهجه، في الوقت الذي لاحظنا العكس حين تحدثت عن بقية الرايات فلقد تحدثت عن الاسم، وتحدثت أيضاً عن مواصفات شخصية،(1) ولكنها لم تول المسمّى شيئاً كثيراً، ولعل كونه (أهدى الرايات) هو السرّ في هذا الأمر، فالمهم هو هدى الراية، وحتى يكون المرء في موضع أهدى الرايات؛ عليه أن يتفحص محتوى الراية لا رجالها فقط، فالحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بمحتواهم وبما تقترب فيه شخصياتهم من مواقف الحق.

والحديث عن منهج اليماني في التحرك للتمهيد للإمام (روحي فداه) على جانب كبير من الأهمية، فليس المهم بالنسبة للمنتظر (بكسر الظاء) أن يلتقي أو يتعرف باليماني، فهذا ليس من تكليفه، فقد يلتقيه وقد لا يلتقيه، ولكن المهم الذي يجب أن يلتفت إليه هو منهج اليماني في التعامل مع القضايا في ساحة الانتظار، لأن هذا المنهج يمثل (أهدى الرايات) وبالنتيجة فإن البحث عن التكليف العام في قضية التمهيد للإمام (صلوات الله عليه) يتمحور في اكتشاف هذا المنهج، لاسيما بالنسبة لمن يعيش في الساحة المرتقبة لليماني، فلا تغفل!وبإمكاننا أن نتلمس من خلال الروايات معالم منهج اليماني والتي يمكن تأطيرها ضمن ما يلي:

أولاً: المحور العقائدي

مرت بنا روايتان واحدة تتحدث عن أن اليماني يتوالى علياً (صلوات الله عليه) والأخرى كونه يدعو إلى الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، ومع وضوح الأولى في المجال العقائدي، فإن الرواية الثانية تبرز عمق البعد العقائدي لدى اليماني، لأنه هنا يدمج ما بين الإطار الفكري للعقيدة، وما بين تجلياتها العملية في زمن الانتظار والمتمثلة بالدعوة للإمام (روحي فداه)، وإذ يتم تشخيص راية اليماني بأنها أهدى الرايات، فإن من المناسب أن نحاول أن نتلمس المحتوى العقائدي الذي يريده أئمة أهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه) لشيعتهم المنتظرين أن يحملوه من أفكار وما يتبنونه من قضايا المعتقد، والتي نعتقد إن اليماني سيركّز عليها طالما وإن تركيزه العقائدي منصب على الدعوة للإمام المهدي (صلوات الله عليه).

علاوة على الذخيرة العقائدية التي انطوت عليها أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فإن الإمام المنتظر (عليه السلام) ـ وكما هو دأب بقية الأئمة (عليهم السلام) ـ أكّد للثقافة الشعبية عبر عدد من التوصيات(2) جملة من المضامين العقائدية، والتي قد تطرح في صورتها المبسّطة للناس التي تسهل عليهم التقاط معينها، ولكن هذه البساطة حينما تطرح مضامينها في الأبحاث المعمّقة للعلماء فإنها قد تحتاج لمشقة خاصة لكي يستطيع العالم أن يسبر أغوارها، وهذا هو منهج أهل البيت (عليهم السلام) الذين يتكلمون بلغة مبسطة دونما تعقيد وبقدر ما يمكن لمستمعهم وساءلهم ومن يخاطبونه أن يستفيده منهم، ولكنها تفتح آفاقاً ضخمة لمن يريد الغوص في هذه المعاني وهو ما يوضحه قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.(3)

وأستطيع أن أؤكد من خلال الروايات الخاصة بالإمام (روحي فداه) جملة من الأمور التي أراد الإمام بأبي وأمي التركيز عليها، ناهيك عن البنية العقائدية العامة للتشيع، ومن هذه الأمور:أ ـ الاعتماد المطلق على الله سبحانه وتعالى، وحسن الاتكال عليه، وحسن الظن به، والإيمان المسؤول بالقضاء والقدر، بالشكل الذي يطلق الإرادة الإنسانية ويحررها من كل الأوثان والأصنام الفكرية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تستفيد منها السياسة الطاغوتية بشكليها الإرهابي والإغرائي لتكبيل الإرادة الإنسانية أو توجيهها بالوجهة الضالة بعيداً عن الهداف الربانية التي أعدت للإنسان.وهذا ما يتجلى في مساحة عريضة من دعاء الافتتاح المنسوب للإمام (روحي فداه)، ففي ثلث الدعاء الأول نلاحظ ضمن الأسلوب الرائع الذي يستخدمه الإمام المهدي (صلوات الله عليه) في تعرية الواقع الإنساني المفتقر في كل شيء إلى الله تعالى، والمتجرئ الصلف على الله تعالى، واللئيم في التعامل معه، بالرغم من كل أفضال الله عليه، ليضع هذه التعرية الموحشة أمام حقائق حسن الظن بالله والاتكال عليه والاعتماد عليه، ضمن صورة يبرز فيها جمال الله تعالى وجلاله وكماله وإحسانه للإنسان، ومنه قوله (صلوات الله عليه):

اللهم إن عفوك عن ذنبي، وتجاوزك عن خطيئتي، وصفحك عن ظلمي، وسترك على قبيح عملي، وحلمك عن كثير جرمي ـ عندما كان من خطئي وعمدي ـ أطمعني في أن أسألك ما لا استوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك، وأريتني من قدرتك، وعرفتني من إجابتك، فصرت ادعوك آمنا، وأسألك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدلاًّ عليك فيما قصدت فيه إليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، فلم أر مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ!! يا رب إنك تدعوني فأولّي عنك، وتتحبّب إلي فأتبغّض إليك، وتتودد إليّ فلا أقبل منك، كأن لي التطوّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي والتفضّل عليّ بجودك وكرمك..(4) إلخ.

وهذا المحور إنما يتوخى تحرير الإرادة الإنسانية من إسار العبودية لغير الله، لان من شأن ذلك أن يحرر الإنسان من الخوف من كل ما يمكن للطاغوت أن يثيره أمامه، كما ويمنع الإنسان من أن يطغى في تعامله مع الآخرين، ويعطيه الكثير من القوة والزخم في الساحة التي تنتظره فيها استحقاقات غاية في الخطورة والألم والذي تشير إليه العشرات من الروايات التي تحدثت عما سيجري في أيام التمهيد وما قبله، ونفترض أن اليماني سيركّز على هذا المحور في بناء المجموعة التي يريدها أن تتخطى حواجز الإرهاب الذي سيسلّط على منتظري الإمام (بأبي وأمي) لكي تمهّد للإمام (عجل الله تعالى فرجه).

ب ـ الإيمان المطلق بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، ويبرز لنا حرص الإمام على تسمية معصومي أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) واحداً واحداً من جهة في دعاء الافتتاح، والحث على البراءة من أعدائهم بالصورة التي يبرزها تأكيده على زيارة عاشوراء الشديد،(5) والسعي لتوضيح حقائق هذا الإيمان وتفاصيله الدقيقة بالصورة التي تبرز في الزيارة الجامعة، (6) والتحدّث عن إن الإمام (صلوات الله عليه) حينما سيقدم على العراق سيقتل أعداداً كبيرة من البترية(7) الذين ينقصون حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) ويبترونه، كما ورد في الحديث: ويسير إلى الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية، شاكّين في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وشمّروا ثيابهم، وعمّهم النفاق وكلهم يقولون: يابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم.(8)

أقول: مثل هذا الحرص والتركيز من قبل الإمام (روحي فداه) لابد وإنه يبرز نمطاً واضحاً من البناء العقائدي المطلوب من قبل الإمام (عليه السلام)، ولهذا فإن من الطبيعي جداً أن يتبنى اليماني مثل هذه الخطوط بحذافيرها دون الاكتفاء بالعموميات، ويلتزم بها ويلزم خيله بها، لأن العموميات العقائدية لن تكون مميزة للخلّص من أصحاب الإمام المنتظر (روحي فداه) عمّن سواهم، بدليل أن الإمام سيتخذ من كثير ممن ينتسب للشيعة موقفاً متشدداً كما تتحدث عن ذلك الروايات الشريفة.

ج ـ من خلال ما يتواتر في الحديث الشريف بأن الإمام (صلوات الله عليه) سوف يبادر حال ظهوره لفتح ملف الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) ضمن تفاصيل عدة، ككشف حقيقة ما جرى للزهراء (صلوات الله عليها) وموضع قبرها إلى بقية التفاصيل المتعلقة بكل ما جرى عليها (بأبي وأمي)، وهنا لابد من أن يلتفت المهدويون إلى حقيقة إن أولويات الإمام المهدي (عليه السلام) يجب أن تمثل بالنسبة لهم محاور أساسية في أي منهج يتخذونه للتمهيد للإمام (صلوات الله عليه).

وحينما تكون قضية الزهراء (صلوات الله عليها) تمثل له أولوية خاصة بالشكل الذي نراه يثيرها في باكورة أعماله بعد الظهور رغم قدم القضية الزماني، بل بعض الروايات ربما أشارت إلى إن أول ما يبدأ به (صلوات الله عليه) هو فتح ملف الصديقة الزهراء (بأبي وأمي) وإثارته أمام العالم،(9) فإنها تثير في النفوس تساؤلات جمّة حول موضع هذه القضية تحديداً في المحور العقائدي للمنتظرين، فمن الطبيعي أن يلحظ المنتظر إن إعطاء هذه المسالة جانبها الحيوي في الأولويات الأولى لإمام غاب كل هذه الفترة، وجاء لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لابد وأن يبرز حقيقة أهميتها في بناء الأسس العقائدية التي ستقوم عليها الأمة المنقذة للعالم والتي ستضطلع بمهمة إتباعه في معركة إسقاط الظلم والجور والقضاء عليه. وعليه فمما لا شك فيه إن اليماني في حركته العقائدية سيجعل قضية الزهراء (صلوات الله عليها) وقضاياها الأساسية محوراً أساسياً في بناء تحركه العقائدي، يتميّز به عن عامة الناس، ويميّز خيله بذلك.

د ـ يبرز الإمام (صلوات الله عليه) اهتماماً بالغاً بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وفجيعته، ولعل ما سطّره الإمام المهدي في الزيارة المعروفة بالناحية هو أحد سمات ما يريده الإمام (أرواحنا فداه) من خاصة شيعته لكي يتبنونه عقائدياً ووجدانياً، وهو ما ينفعنا في تلمس ما يمكن القطع به بأن اليماني لا يمكن له أن يغفل مثل هذا التبني، لاسيما وأن الإمام المنتظر (روحي فداه) قد حرص على عكس عميق فجيعته بالإمام الحسين (عليه السلام) عبر زيارة الناحية المقدسة، وهذا الحرص علاوة على حقيقة فجيعة الإمام المهدي (بأبي وأمي) بجده الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إلا إنه في نفس الوقت أراد له أن يصل إلى شيعته ومتبعيه، ليؤكد رغبة الإمام (عليه السلام) بالتزام شيعته بهذا المنهج في التعامل مع القضية الحسينية، ويبرز هنا موقفه بشكل جلي في العديد من نصوص الزيارة: فلأندبنك صباحاً ومساءاً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب.(10)

وقال (عليه السلام): حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحاً، تطأك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك قاصداً محمحماً باكيا، فلما رأين النساء جوادك مخزياً، ونظرن سرجك عليه ملوياً، برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات الوجوه سافرات،(11) وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك مولع بسيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفّدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حر الهاجرات، يساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والحكام... إلى أن يقول: فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول (صلى الله عليه وآله) فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلاً: يا رسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقربين، تعزي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلى عليين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها(12). إن هذا النهج سيفرض سطوته على البنية العقائدية والوجدانية لجيش اليماني، وبموجبه سيتعامل مع كل أنماط إثارة الفجيعة على الإمام الحسين (عليه السلام) وسيأتي المزيد من ذلك في حديثنا عن المحور الوجداني والمعنوي.

هـ ـ لو لاحظنا جملة من أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم حديث الإمام المهدي (صلوات الله عليه) عن نفس الإمام نجد ما هو أكثر من التعظيم والتمجيد، والحرص على إقامة رابطة خاصة وعلقة متميزة بين متبع نهجهم وبين الإمام (روحي فداه)، ولعل حديث الإمام الصادق (صلوات الله عليه) والذي يحدّث به سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح(13) خيبري مطرف بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيّر في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشأ(14) من صدري.

قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها, وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل,(15) فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة,(16) أو حلت به من الدهر بائقة,(17) فقلنا: لا أبكى الله عينيك يابن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك, وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه, واشتد منها خوفه فقال: ويكم(18) إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (عليهم السلام), وتأملت فيه مولد قائمنا (عليه السلام) وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين [من] بعده في ذلك الزمان, وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته, وارتداد أكثرهم عن دينه, وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عزّ وجلّ: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}(19) يعني الولاية, فأخذتني الرقّة, واستولت عليّ الأحزان.(20)

وبنفس السياق نجد هذه العاطفة الملتهبة والمتأججة في دعاء الندبة كما في قوله (عليه السلام):ليت شعري أين استقرّت بك النّوى، بل ايّ ارض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى، عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا ترى ولا اسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليّ أن (لا تحيط بي دونك) تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك منّي ضجيجٌ ولا شكوى، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخل منّا، بنفسي أنت من نازحٍ ما نزح عنّا، بنفسي أنت أمنيّة شائقٍ يتمنّى، من مؤمن ومؤمنةٍ ذكرا فحنّا، بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا يسامى، بنفسي أنت من أثيل مجدٍ لا يجارى، بنفسي أنت من تلاد نعمٍ لا تضاهى، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى، إلى متى أحار فيك يا مولاي والى متى، وأيّ خطابٍ أصف فيك وأيّ نجوى، عزيزٌ عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيزٌ عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيزٌ عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معينٍ فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوعٍ فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن احمد سبيلٌ فتلقى، هل يتّصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى، متى نرد مناهلك الرّويّة فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصّدى، متى نغاديك ونراوحك فنقرّ عيناً (فتقر عيوننا)، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النّصر ترى، أترانا نحفّ بك وأنت تامّ الملا وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبرت العتاة وجحدة الحقّ، وقطعت دابر المتكبّرين، واجتثثت أصول الظّالمين، ونحن نقول الحمد لله ربّ العالمين.

ونظير هذه المواقف كثير، وهي وإن أخذت منحى الدعاء والموقف العاطفي، إلا إن وجهها الآخر مرتبط بجانب عقائدي يراد تركيز آثاره العملية في المحتوى الداخلي للمنتظرين، ومنه يراد إنشاء علقة خاصة بالإمام (عجل الله تعالى فرجه) بحيث يكون هو القيمة الأعظم في الوجود بالنسبة لمريديه، وهذا ما يمكن لنا أن نتأمل من خلاله طبيعة التثقيف الذي سيعمد إليه اليماني الموعود لجنده وخيله.

و ـ لن يفوت اليماني ما طرحه الإمام المنتظر (روحي فداه) في شأن المرجعية الشرعية في غيبة الإمام (صلوات الله عليه)، ولهذا فإنه حتماً سيضع الحديث الشريف الوارد في توقيع الإمام المنتظر (بأبي وأمي) الذي يرويه الشيخ محمد بن عثمان العمري (رضوان الله تعالى عليه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.(21)

وهذا الحديث الذي لا يمكن لكل مهدوي أن يغفله أو يتهاون في شأنه، سيكون حجر الزاوية في طبيعة المنهج العقائدي والفكري الذي سيلتزم به اليماني ويلزم به جيشه وجنده، ولهذا لابد وأن نجد اليماني لصيقاً في بنية المرجعية الدينية، ولهذا فهو إما من أهل الشأنية العلمية العالية بحيث توصله إلى مقام المرجعية، وهو مما لا نجد دليلاً قوياً عليه في الروايات، لأن الرجل لا يشار إلى علمه في الروايات، رغم إن حديث الإمام (صلوات الله عليه) عن مواصفاته تبرز أن العلم الذي لديه علماً صافياً يمكن الركون إليه، بحيث أشار إلى أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم،

وإما أن يكون تابعاً وفياً للمرجعية الدينية التي تتمثل الخط الهادي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكون حديث الإمام المتقدم عن وجوب نصرته وعدم الالتواء عليه مستمد من تبعيته وطاعته للمرجعية، وان تصرفاته لا تخرج من طوع المرجعية الدينية.يتبع بإذن اللهــــــــــــــــــــــــــــالهوامش:ــــــــــــــــــــــــــــ1ـ كما هو الحال في حديث الروايات الشريفة عن شعيب بن صالح أو الخراساني مثلاً، فالخراساني على سبيل المثال يوصف بأنه شاب من بني هاشمي في يده اليمنى خال، وأمثال هذه الأمور التي تركّز على شخصه، لا على منهجه، وهذا يعود لأسباب لا تقلل من قيمة الخراساني بالتأكيد، وإنما قسم منه يعود بالتأكيد على طريقة التعامل مع الجانب الأمني لكلا الشخصيتين، ففيما أريد للأول أن يكون بمنأى عن الخطر بسبب ظروف برنامجه ومحيطه الأمني، لم نلحظ هذا القلق في الثاني لاعتبارات تعود فيما يبدو لقلة الخطر عليه قياسا للأول، ولكن نفس التركيز على المنهج يعطي للمنهج أهميته الخاصة بالنسبة لكونه أهدى الرايات، لأن هذا المنهج سيكون هو أحسن السبل لعشّاق المهدي في ساحة اليماني المكانية والزمانية لكي يسلكوه.2ـ يمكن لنا أن ننظر إليها في دعاء الافتتاح أو الزيارة الجامعة أو زيارة عاشوراء أو ما شاكل من الأمور التي ركّز الإمام المنتظر في الطلب من الشيعة أن يهتموا بها في زمن الغيبة.3ـ الكافي 1: 23 ح15.4ـ للتفصيل يمكن الرجوع إلى أحاديثنا في شرح دعاء الافتتاح في جامع براثا، وهي موجود صوتياً في موقع الجامع على الأنترنيت، ولعلنا نوفق لطبعها عما قريب.5ـ من الواضح لمن يقرأ زيارة عاشوراء الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حجم التركيز فيها على البراءة من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وطبيعة الوضوح فيه.6ـ في الرؤيا المشهورة للحاج علي البغدادي والتي يذكرها الشيخ عباس القمي في المفاتيح يبرز لنا تأكيد الإمام المنتظر (روحي فداه) على أهمية الزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء.7ـ البترية: فرقة من الزيدية كانت ترى الحق في علي (عليه السلام)، ولكنها كانت تتجه لتصحيح ما عمد إليه غامطي حقه نتيجة لغض نظره عنهم، وما في الرواية لا يشير إلى هؤلاء قطعاً، لعدم وجودهم في العراق، ولكن يبدو إن المقصود أن هؤلاء ممن يعتقد بالتشيع العام، ولكنه يخالف في خصوصيات المذهب، وما أكثرهم.8ـ دلائل الإمامة: 456 ح435.9ـ بحار الأنوار 52: 386 ح200.10ـ المزار: 501 للشيخ محمد بن المشهدي (ت610) مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم 1419هـ.11ـ حاول أحد أدعياء الضلال أن يستغل هذه العبارة لكي يطعن بكل الزيارة ويجردها من النسبة للإمام (بأبي وأمي) ومن ثم يسقطها في نظر الناس بالقول بأن خروج النساء ناشرات الشعور لا يعقل، لمحل الحرمة هنا، وكأن المشهد لا يفسر إلا بهذه الطريقة، في الوقت الذي كان بالإمكان وبسهولة القول بأن هذا الخروج إن أريد به أنهن تخلين عن الحجاب فيمكن أن يكون في محل لا يراهن راء من الأجانب كما في خيمة الإمام الحسين (بأبي وأمي) أو خيمة الصديقة الحوراء زينب (عليه السلام)، أو موضع الليل حيث كان العسكر قد ابتعد من مخيم النساء، أو يمكن تفسير الكلام على ظاهره، فيكون نشر الشعر على الخد دون إبرازه إلى العلن، ففي العادة لا تنشر النساء شعورهن على الخد، وإنما يوضع بطريقة وأخرى خلف الرأس أعلى الرقبة أو يظفر على شكل ظفائر، وحل الظفائر يؤدي إلى نشر الشعر.12ـ المزار: 506.13ـ المسح كساء من الشعر.14ـ يفشأ: ينتشر.15ـ الغائل والغائلة: الداهية.16ـ سمت لمكروهة: أشار إليها.17ـ البائقة: الداهية.18ـ ويكم وويحكم بمعنى واحد إلا إن الأولى مصغرة للثانية.19ـ الإسراء: 13.20ـ غيبة الطوسي: 167ـ169 ح129، وكمال الدين وتمام انلعمة: 352ـ353 ب33 ح50 بفارق طفيف.21ـ كمال الدين وتمام النعمة: 484 ب45 ح4، وغيبة الطوسي: 291 ح247..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عدنان العراقي
2008-02-18
سيدي الشيخ الجليل الصغير حفظك الله على هذه السلسلة الرائعة الكثيرة الفائدة وانتمنى على جنابك المحترم ان تكمل فضلك علينا وتقوم بطبعها بكتيب خدمة للمذهب محمد_ص_ كي تسد الطريق امام المشعوذين والمتصيدين والذين يردون الشر بمذهبنا الحنيف لعنهم الله هم ومن مهدا لهم ضل الناس الى الهاوية اطال الله بعمرك وحفظك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك