المقالات

النهاية..!

1338 2019-11-28

هادي جلو مرعي

 

تموت الحضارات، وتذوي، وتتحول الى ذكريات وحفريات ومرويات وأساطير ورؤوس لملوك وحكام جبابرة منحوتة على الصخور، وبقايا لقى وفخاريات ومعابد وآلهة يغطيها التراب، وتحيطها خيوط العنكبوت العابث، بينما تتسلل الأفاعي والعقارب الى قبور عظمائها، وتمر من خلال العظام النخرة، وتلتف عليها، وتبدو الرائحة حادة في المقابر المنزوية، والموغلة تحت الرمال، أو في الكهوف، بينما الحكام الجدد يكذبون ويربطون أنفسهم بالحكام الغابرين الذين كانوا يسخرون من شعوبهم، ويذلونهم، ويمسحون بهم بلاط قصورهم، ويحولونهم الى عبيد تارة، والى خدم وحشم وأعوان تارة أخرى.

إنهارت حضارات وادي الرافدين، وبقيت حكاياتها، وإنهارت حضارات الفرس والروم والترك والصينيين، وحضارات أمريكا الجنوبية وأفريقيا العظمى، وصارت حكايات تافهة تلوكها الألسن، أو تتعتق في المرويات والكتب العتيقة، وقد تحاول دول أن تعيد قيامة تلك الحضارات، ولكنها تفشل برغم من ظهور زعماء وقادة حمقى يتلفعون بثياب الجبابرة والأبطال القوميين الذين يعلنون إنهم عائدون لحكم العالم، ولكنهم يتجاهلون إن الحضارة التي تموت لاتعود حالها حال النبات والحيوان والإنسان. فالموت مثل كتلة من الغيوم عملاقة تمر فتغطي السهول، وتبللها، ولاتترك منها مساحة إلا وخرقتها بالرطوبة والبرد والطين.

مثلها مثل الحضارات والحيوانات والنباتات والأمم الغابرة من الديناصورات تموت الشعوب، وتنتهي، وتقوم على إثرها شعوب أخرى قد تكون وافدة بموجات هجرة غير مسبوقة، أو أن تقوم تلك الشعوب من نفس البلدان التي مات فيها السابقون وإندثروا، وفي العراق كانت هناك حضارات وحكام وأباطرة وتاريخ وتواريخ وروايات وأساطير وأنهار ومرويات لاجف عنها أحبار الرواة لأنها تتجدد ولكنها لاتلتقي ومصالح الشعب الذي يعيش اللحظة فلا هو إنتفع من الماضي، ولاهو يعيش الحاضر بإحترام، ولاهو على أمل من الغد المظلم، أو المشرق بحسب حجم التفاؤل، والتصورات التي تنطبع في وجدان وعقل كل إنسان.

أغلب الحضارات تقوم على جماجم الفقراء والمعوزين الذين يبنون ويعمرون ويخدمون ويحاربون، وقد نصفهم بالأبطال دون أن يكون لبطولتهم من أثر سوى إنهم يتركون نساءهم وأطفالهم يصارعون الجوع والحاجة، بينما يتنعم الحكام والمسؤولون وزوجاتهم وأولادهم بالأمان الذي صنعه الضحايا والفقراء الذين لايقبضون شيئا سوى الكلمات والأكاذيب المعلبة والمزينة بأشكال من الزينة التي يقبض ثمنها الخونة والفاسدون وأمراء الحرب، والأشخاص الذين يقدسهم الناس، وهم في سرهم يسخرون منهم ككهنة معبد آمون.

نهاية الشعب العراقي العظيم هي إنه توزع بين عدة طوائف دينية مبغضة لبعضها، وقوميات تريد الفكاك عن بعضها، وعشائر تتفاخر بالهوسات والصراعات والثارات وقتل النساء والتنابز بالألقاب والمفاخر الغابرة التي لاتغني ولاتسمن.

هناك شيعة وسنة وأيزيديون وصابئة ومسيحيون، وهناك عرب وكورد وتركمان وداغستانيون وشبك، وهناك لغات وثقافات وتضاريس وتاريخ وطموحات وصراعات سياسية ومناطقية وبلاوي لاحد لها، ولكن أين هو الشعب العراقي ضمن هذه المسميات؟ لقد إنتهى لأنه إنهزم أمام المسميات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك