( بقلم : علاء الخطيب )
ما من متتبع منصف لحقبة البعث في العراق لا يؤمن بالأضطهاد الفكري والكبت الثقافي الذي مورس على أبناء هذا الشعب المسكين, وكان للجنوب الحظ الأوفر والحصة الأعظم ,و ما إن وضعت حرب غزو الكويت أوزارها حتى عاش الأنسان العراقي بين حصارين داخلي وخارجي, وكان لكل من هذين الحصارين تداعيته وأثاره على سايكلوجية الفرد العراقي .
تمثل الأول بالحكم الدكتاتوري الساحق للكرامات وتمثل الثاني بالحصار الأمريكي المهول الذي دام فترة أثني عشرة سنة أستُنزف فيها المعقول وتنازل للامعقول ونُحر كثيرا ً من العقلانية,وخلال هذه الفترة العصيبة أستسلم الانسان العراقي لفوبيا المجهول دب اليأس في روحه, وأصبحت عملية البقاء والوجود هاجسه اليومي,وأراد أن يتشبث في الحياة بأي صورة كانت, وفي مثل هذه الحالات يؤكد علماء الأجتماع على حقيقة مهمة وهي لجوء الانسان الى الأيمان بقوى خفية تزيل عن روحه هاجس القلق والخوف من المستقبل دون التفكير بحقيقة هذه القوى هل هي حقيقية أم خرافية , وبقدرة قادر يتحول النظام الى من نظام علماني الى نظام ديني وتنطلق الحملة الايمانية على بركة صدام ويصبح الفاسق مؤمنا ً والعالم جاهلاً والجاهل عالما ً, ويصطبغ المجتمع المعزول بصبغة التدين ( الحاجة), وراجت سوق الدجالين والمشعوذين وفتاحين الفال وكُشاف الطالع, واستسلمت العقلية البسيطة الى الخرافة,و بينما كان العالم يتسابق نحو المعرفة والتكنلوجيا من خلال إنتشار و ثورة وسائل الاتصال كان العراقي يعاني من العزل الثقافي والمعرفي والتكنلوجي , فكما هومعروف أن الأنسان العراقي في تلك الفترة لم يطلع على الانترنيت والموبايل والستلايت وبقية وسائل المعرفة وكانت القناة الثقافية الوحيدة هي الإعلام الرسمي المدجج بسلاح التجهيل والتخلف, فانساقت الشريحة الأكثر تأثراً بالأحداث وهي الشباب وراء رموز الدجل المتلبسين بالدين وهم أصلا ً من رجال المخابرات الأذكياء أو من المشعوذين الأغبياء, وقد شرع النظام الابواب على مصراعيها لهولاء الدجالين مما يستكمل به الخطة المرسومة فجاءت زرافات المغفلين تترا صوب هؤلاء, فظهرت حالة من التدين المزيف في الشارع العراقي أو الأيمان الظاهري الذي لايتعدى اللسان وشاعت الجملة المشهورة في العراق ( الله هداه) وكان إيمانهم كأيمان الأعراب الذي تحدث عنه القرآن الكريم (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم)) نحن لا ننكر من أن الهدية من الله ولكن يجب أن تكون في القلب واللسان وأخذ تيار التخلف يمتد في المجتمع ويضرب بجذوره فيه , وكان الناس المهمشين و الأكثر فقراً وهم الشيعة الاكثر عرضة ًَ لهذا التيار وإن إنخرط في صفوفه بعض المتعلمين وأنصاف المتعلمين فأن هؤلاء لا يختلفون من الناحية العقلية عن البسطاء السذج والتعليم هنا بمثابة المهنة ليس إلا.
وأنا على يقين أن هؤلاء الناس لم يطلعوا على التاريخ ولم يقرؤا أدبات الاسلام ولا الادبيات الشيعية المختصة بالامام المهديعليه السلام بشكل صحيح. فكثر مدعوو المهدوية لأن الفكرة فيها الخلاص وأن الامام المهدي هو المنقذ للناس من الظلم والجور ولأن الروايات تنص على وجود اليماني والخراساني والرايات السود وما الى ذلك من علائم الظهور المبينة في مضانها استغل هؤلاء الدجالين سذاجة هؤلاء الناس وسوقوا فكرة المهدوية وهم في الحقيقة يعلمون قبل غيرهم أنهم دجالون وما هم إلا يتامى الحملة الإيمانية المزيفة فهل يمكن أن يكون الامام المهدي على شاكلة الكرعاوي واليماني الأخير ومن يقرأ التاريخ لا يرى عجبا ً في ذلك ففي أوربا وإذبان سيطرت الكنيسة على الحياة العامة ظهر مثل هؤلاء كثير ففي المانيا وبالتحديد في مدينة مونستر العريقة قام خياط من مدينة لايدن(هولندا) في سنة 1520م بتأسيس مملكة خاصة بأتباعه مهمة هولاء هو إنتظار نهاية العالم وخروج المنقذ للبشرية من براثن الجور والفساد وتوسع إنتشار هذه الحركة وشهدت أمستردام العاصمة الهولندية تمردا ًكبيراً, وكان أغلب أنصار هذا الرجل هم من أتباع حركة تجديد التعميد البروتستانتية ظهرت نتيجة للأوضاع السيئة آنذاك .
ولا أشك في أن بين ثنايا هؤلاء أناس مؤمنون بالحركة ومستميتون بالدفاع عنها وهم يظنون بأنهم على الحق وهو نوع من العيش في مساحة اللاوعي واللامعقول, وليس هذا هو اللامعقول الوحيد في العراق بل أصبح اللامعقول هو الثقافة الجديدة في وطن العقول والفكر .
علاء الخطيب/ أكاديمي عراقي
https://telegram.me/buratha