( بقلم : سلام السراي )
لعل انظار المراقبين والمحلليين السياسيين متجهة الى الاجتماعات واللقاءات التي ستعقد في بغداد نهاية شباط فبراير الجاري، بين القادة السياسيين العراقيين والادارة الامريكية حول ملفات مهمة وحساسة ومصيرية في الوقت نفسه. الناطق باسم الحكومة الدكتور علي الدباغ اكد ان هذه الاتفاقية ستمكن العراق من تحقيق مصالح الشعب في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية اضافة الى المجالات السياسية والدبلوماسية والثقافية وإقامة علاقات ودية مع الشعب الاميركي»، ومشددا على ان «العراق لن يوقع على اتفاقية ما لم ترض طموحات العراقيين بالاستقلال والبناء والتقدم وبما يخدم المصلحة العراقية ومصلحة الشعب الاميركي».
هذه المباحثات ستكون مخصصة لقضايا طالما اثارت جدلا ًواسعاً في الساحة السياسية العراقية والاقليمية والدولية .. فسيتم بحث تحديد العلاقة بين القوات متعددة الجنسيات وتواجدها على الاراضي العراقية وشكل التنسيق مع الحكومة العراقية وتحديد صلاحياتها الامنية، وملف الشركات الامنية، فضلا عن اهم القضايا واكثرها حساسية وهي قضية الوصاية الدولية ممثلة بالبند السابع من قرار مجلس الامن الدولي.
لا شك ان هذه الملفات لقيت استجابات متباينة لدى القادة العراقيين، فقد رحب البعض بهذه اللقاءات كونها تصب في مصلحة البلد في الانفتاح على العالم العربي والدولي وعودة السيادة الكاملة للعراق وترسيم العلاقات بين البلدين، فيما رأى البعض الاخر ان الاجتماع سيعطي الادارة الامريكية الحرية الكاملة في البقاء او الخروج من العراق ويفسح المجال للشركات النفطية والاستثمارية في الهيمنة على خيرات ومقدرات البلاد!.. الان ان تلك الاراء تبقى مرهونة بعقد الاتفاقية المنتظرة، ولا تخرج من طور التكهنات والتخمينات.. ولكن الشيء المحتم ان القادة العراقيين لابد ان يخرجوا بموقف يرسم استراتيجية واضحة المعالم للمرحلة المقبلة خصوصا اذا وضعنا بعين الاعتبار نجاح الحكومة العراقية وجهودها بإقناع الرأي العام حول الفصل بين العراق الجديد وما كان ما قبل التاسع من نيسان 2003 وما رافق سياسات النظام البائد من تدهور اقتصاديا وسياسيا وفكريا افضى الى ابتعاد العراق من المحافل الدولية والاقليمية وحتى العربية منها، فلابد للعراق ان يفتح افاقا في العلاقات الدولية والاقليمة والبحث عن الاصدقاء رعاية لمصلحة البلاد وعلى مختلف الاصعدة.
اذن تلك الاتفاقية التي ستعقد، تعد خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح، بعدما تخطينا مرحلة الصعبة التي شهدت فراغا دستوري وسياسي وامنيا، خصوصا وان هذه المحادثات تأتي في وقت يشهد فيه القادة العراقيون حراكا سياسيا من اجل تشكيل حكومة وطنية يرأسها السيد المالكي او ترشيق الحكومة الحالية، لاقتناع تلك الكتل السياسية بعجز الحكومات السابقة عن تحقيق المصلحة الوطنية العليا.. نعم تلك القناعات لم تحصل لولا توفر الارضية السياسية المناسبة لذلك بضرورة دعم المشروع الوطني وتغليب لغة التفاهم لحل القضايا العالقة على الرغم من المناكفات التي تحصل هنا وهناك وكذلك التلكؤات التي رافقت عمل السلطة التشريعية والقضائية، فاغلب المراقبين والمحللين كانوا يؤكدون على ان نجاح الملف الامني مرهون بنجاح الملف السياسي، ولذلك ما شهد من انفراجات سياسية في الفترة الاخيرة – بغض النظر عن انسحاب هذا الطرف او ذاك- وتنامي مشروع المصالحة الوطنية وتشكيل مجالس الصحوات في المحافظات حتى شهدنا انفراجا امنيا على المحافظات كافة وخصوصا العاصمة بغداد..
وهذا يقودنا الى نقطة محورية ومهمة هي ان هذه الاتفاقية لا يكتب لها النجاح ما لم تسبقها حوارات مكثفة بين السياسيين العراقيين انفسهم يحددوا فيها ملامح المرحلة المقبلة، وبخلاف ذلك فإننا سنرى مزيدا من التخندقات الطائفية وكثيرا من التكتلات السياسية، قد لا يدفع فاتورتها سوى المواطن العراقي.
https://telegram.me/buratha