( بقلم : علاء الخطيب )
يعتبر الخطاب الراديكالي ( المتشدد) مبدأ ً وعملية ً لتكريس الأحادية والانغلاق في الفكر أيا ً كان هذا الفكر سواء كان فكرا ً علمانيا ً أم دينيا ً,وهو بنفس الوقت مفردة من مفردات ثقافة الكراهية المفضية للعنف والارهاب, وكذلك يعكس حالة من الأدلجة الفكرية التي لا يستطيع معها الفرد المؤدلج أن ينفك من محيطه ومفرداته الايديولوجية , وحين يأخذ هذا الخطاب مكانه في النفوس تدريجيا ً و يصبح مفردة لا شعورية يعد مسلًّمة من المسلًّمات لدى أتباع وحملة تلك الايديولوجية , ولهذا الخطاب أثار وإنعكاسات سلبية تهدد المجتمعات الإنسانية وديمومة تطورها ويضر بثقافة التعايش وقبول الآخر.وحين يصبح السلم الاجتماعي في خطر تقدم أولوية الأمن على أولوية التنمية , فيتنازل المثقف للمسلح والموسيقى لقرقعة السلاح والحكمة للشعارات الثورية,وتغيب العقلانية في زحمة وضجيج الجهل والتخلف, من هنا تقع على عاتق المثقفين والعقلاء مسؤولية كبيرة وجسيمة في عقلنة الخطاب وإشاعة لغة التسامح والأعتدال في زمن السلم وقبل حلول الكارثة , فأن عملية تصعيد الخطاب الإعلامي في كل الاحوال يقابله تصعيد من الجهة الاخرى الموجه لها الخطاب وهو ما يبرر بالتالي ظهور تيارات يمينية متطرفة وأفكار متشددة, وهذا ماحصل بالفعل في العالم الإسلامي وفي الغرب على حدٍ سواء ففي العالم الإسلامي ونتيجة للإحباط و الشعور بالاحتقار وتصعيد لهجة الخطاب ضد الإسلام فقد ساعد ذلك على وجود حركات وتيارات متطرفة تؤمن بالعنف والإرهاب كوسيلة وحيدة للتعبير والرد كطالبان والقاعدة والحركة السلفية والتكفير والجهاد وغيرها من التنظيمات الراديكالية , وننظر في الجهة المقابلة أيضا ً تصاعد شعبية قوى اليمين المتطرف في أوربا رغم محاصرته رسميا ً ففي النمسا على سبيل المثال ورغم محاولات الأوربيين لمنع صعود حزب الحرية النمساوي (أقصى اليمين) بزعامة المتطرف ( يورغ هايدر) الى أن تلك المحاولات باءت بالفشل والسبب هو رد الفعل لبعض الاوربيين من الخطاب المتشدد للمتطرفيين الاسلاميين,
وكذلك تنامي قوى اليمين في فرنسا وصعود (جان ماري لوبان)وهو يميني ذو خطاب متشدد ورئيس حزب ( الحركة الوطنية الجمهورية) الذي قاد أحد أفراده عملية أغتيال الرئيس الفرنسي السابق ( جاك شيراك) في 14/7/2002 وكذلك ظهور تيار متشدد ارهابي في المانيا قام بأحراق مقرات اللاجئين والاعتداء على مساكن العمال الأجانب وغالبيتهم من المسلمين وبالأمس حملت لنا الانباء عن متطرف آخر في هولندا وهو (خيرت فيلدرز) الذي استفزت أراؤه وخطاباته المشددة و المعادية للإسلام والمسلمين شعور المسلميين في هولندا وغيرها, وهو يعتزم إنتاج فيلم معادٍ للإسلام والمسلميين كما فعل سلفه (بيم فورتاون) الذي أغتيل على يد رجل هولندي,وتطول القائمة وذكر الاسماء, وسيدوم الصراع مالم يتنبه المثقفون الى الخطر المختبأ وراء هذا الخطاب المتشدد. و رغم تخوف الأوربيين من تسرب الافكار المتطرفة عبر رجال دين متشددون يعملون على نشرأفكار راديكالية متشددة بين صفوف الجاليات الاسلامية في اوربا مستغليين حرية الرأي والتعبير. أعد الاتحاد الاوربي خطة لمواجهة هذا التطرف وتقضي بتعليم الشرطة ورجال الامن والمعلميين مفاهيم الاسلام ونشر أدبيات الاسلام الحقيقية وتبني منهج الاعتدال في وسائل الإعلام وبالتوازي مع مراقبة رجال الدين المتنقليين و الذين يحرضون على العنف والكراهية وتجنيد الشباب لممارسة دور الارهاب في هذه الدول وغيرها.
وقد عانت دول كثيرة من هذا الخطاب المتشدد والشحن الايديولوجي ومنها العراق الذي يدفع ولهذه اللحظة ضريبة هذا الخطاب من قبل رجال يحسبون على الدين,ويجندون الشباب بحجة محاربة الامريكان و الضالين والمنحرفين. و تنبهت أخيراً وزارة الخارجية البريطانية الى خطر هذا الخطاب وإنعكاساته على عملية الإندماج الاجتماعي في بريطانيا والتي يعد مجتمعها كما الحال في الغرب عموما ً من المجتمعات المتعددة الثقافات فأصدرت بياناً تحث على تخفيف لهجة وشدة الخطاب إتجاه الاسلام والمسلمين وإتخاذ خطوات عملية لحفظ التوازن وعدم الانجرار وراء العواطف المتطرفة والمنفلته .وتبذل جهود حثيثة وتتعالى الأصوات لنبذ التطرف والتشدد من قبل علماء دين مسلمين , لأن الجميع يتحسس الخطر من هذا الخطاب اللامعقول ولا يخفى على المتتبع ان شدة الخطاب ليس له تأثير على المتشددين فحسب بل في ذات الوقت له أنعكاسات سلبية على المعتدلين الذين يؤمنون بالحوار والتواصل فقد يسقط ما في أيديهم من حجة امام المتطرفيين, وهناك أثار سلبية عديدة تنتج جراء الاستمرار بهذا الخطاب تؤدي الى التخلف والنكوص عن ركب الحضارة الإنسانية والسيرنحو الظلامية والإنحطاط , زمما لاشك فيه أن مثل هكذا خطاب يؤدي الى الفصل العنصري والتمييز الطائفي والعرقي.
https://telegram.me/buratha