المقالات

مهنة صبغ الجثث !!


عبدالزهرة محمد الهنداوي

 

المهن والحرف كثيرة، اغلبها  متوارث، عندما تنتقل المهنة من الاباءالى الابناء، والأحفاد، مثل الخياطة  والنجارة والصباغة، لدرجة، ان الأسر  التي تمتهن مثل هذه المهن، تأخذ كناها من المهنة التي تزاولها فيقال، بيت النجار والخياط والدباغ، والصباغ .. إلخ ..والكثير من هذه المهن، تلاشت، وبعضها، ربما، آيلة للتلاشي، أما لان الابناء لم يحافظوا على مهنة آبائهم، او ان تطور العصر، اسهم في ابتكار، آليات وتقنيات حديثة، معها، لم يعد بإمكان اصحاب هذه المهن المحافظة على بقائها ..ولكن في المقابل فإن، ثمة مهن، لايمكن ان تنقرض، لانها ترتبط بوجود الإنسان، ومنها على سبيل المثال، مهنة دفن الموتى التي يكنى صاحبها بـ"الدفّان" !، فهذه المهنة، لن تنقرض، فالبشر يتكاثرون، ومن ثم يموتون ، وهنا لابد من وجود مَن يقوم بمهمة دفن الذين يموتون، وليس بالضرورة ان تنحصر قضية الدفن بأولئك الذين توارثوا المهنة ابا عن جد !، فقد تتولى العملية، جهات اخرى قد تكون مؤسسات حكومية (الدوائر البلدية)، او منظمات إنسانية، او غيرها، هذا  إذا كان المتوفون مجهولو الهوية، او ليس لديهم من الاقارب من يتولى دفنهم .

ويبدو ان الاطمئنان على بقاء هذه المهنة، جعل البعض يفكرون باستنباط مهن فرعية، ترتبط بمهنة الدفن  ، وبما اننا  ذكرنا، مهنة الصباغة، -مع وافر التقدير لمن يمتهن هذه المهنة- ، فأن "البعض" فكر ودبر، مهنة جديدة، لم تكن معروفة لدينا، تلك هي مهنة "صبغ الجثث" !! .. وقد تستغربون مثل هذه المعلومة، المثيرة، فمَن يقوم بمثل هذه المهمة ؟! وهل ثمة ألوان محددة او أصباغ معينة يتم استعمالها لصبغ الجثث ؟!، ثم، لماذا يصبغون الجثث أصلا ؟!

القضية باختصار ترتبط بواقعنا السياسي، اذ يحاول بعض الساسة، الرقص على  جثث الموتى، بعد صبغها بلون معين، وهذه القضية تشبه الى حد كبير، عملية وسم المواشي من قبل أصحابها بلون محدد لكي لاتختلط مع مواشي الآخرين !! وهنا بيت القصيد، فقد  تابعنا جميعا، قضية الجثث المجهولة التي أعلنت محافظة بابل عن دفنها، موضحة ان الجثث كانت محفوظة لدى مشافي المحافظة، تعود لفترات سابقة وتوفي أصحابها بحوادث وظروف مختلفة ومن مناطق المحافظة كافة، ولكن المشكلة، ان بعض الساسة، الذين لاهم لهم سوى اثارة المشاكل واختلاق الأزمات، بدعوى الدفاع عن حقوق هذا المكون او ذاك، وقبل ان يتم الإعلان عن تفاصيل وملابسات وفاة هؤلاء الأشخاص، فقد ملئوا الدنيا ضجيجا وعويلا، ولكن مالبثوا ان التزموا الصمت المطبق، عندما فاجئهم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ساحبا  البساط من تحت ارجلهم، ليجدوا أنفسهم حفاة، وهم يدوسون على النار التي اشعلوها، مبادرة الرئيس الحلبوسي بدعوة وزير الداخلية ومحافظ بابل والقادة المعنيين، كشفت الحقيقة، واماطت اللثام عن ملابسات وتداعيات القضية بجميع تفاصيلها، الأمر الذي اسهم في إطفاء فتنة، كادت ان تنطلق نيرانها في الجسد العراقي المثخن بالجراحات، وفي الوقت الذي نبارك مبادرة رئيس السلطة التشريعية في البلاد، فإن لتا بعض الملاحظات المتصلة باداء الحكومة المحلية في بابل، ومن هذه الملاحظات، ان التأخر في اعلان التفاصيل، ترك فراغا، استغله، ممتهنو، صبغ الجثث، وراحوا يمارسون مهنتهم بكل سهولة ويسر، حتى جاءت مبادرة الحلبوسي، أما الملاحظة الثانية فانها ترتبط، بتأخر دفن الجثث لعدة سنوات، وقد بررت المحافظة ذلك بعدم وجود تخصيصات مالية، ماجعلها تستعين بإحدى المنظمات الإنسانية، لإتمام مهمة الدفن ! وهذا التبرير  غير مقبول اطلاقا، فليس من المعقول ان تعجز محافظة عن دفن ٣١ جثة،  فكم كان يكلفها ذلك ؟!، وكان بامكانها  ان تقترض المبلغ  من احدى جارتها المحافظات الأخرى، او من احدى العتبتين  الحسينية او العباسية اللتين  لاتبعدان عن بابل سوى ٤٠ كيلو متر فقط ..كما انني لا اعتقد ان الحكومة الاتحادية، ستشح بمبلغ بسيط،لو كانت حكومة بابل  طلبت ذلك من مجلس الوزراء، فهناك مبالغ مخصصة للطوارئ، والقضايا الإنسانية، فقد كان حري بالحكومة المحلية ان تسلك كل الطرق المتاحة، وهي كثيرة  لتدبير المبالغ المالية المطلوبة لدفن هذه الجثث، بدلا من إبقائها طيلة هذه السنين (٢٠١٦-٢٠١٩)، وهذا التأخير،المزدوج، (تأخير الدفن، وتأخير الإعلان عن التفاصيل) أوجد بيئة خصبة لأصحاب مهنة "صبغ الجثث" !.. ولذلك أقول، ان ماحدث في بابل، ينبغي ان يكون درسا واضحاً للآخرين، لكي لا يسمحوا بتكراره في أي بقعة اخرى من بقاع الوطن، لكي لانعطي فرصة لصباغي الجثث بممارسة  مهنتهم، فهذه المهنة، يجب ان تزول نهائيا من قاموس حياة العراقيين .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك