( بقلم : المهندس محمد علي الأعرجي )
ونحن نقلب كتب التاريخ أو حين نسمع و نقرأ و نشاهد وسائل الإعلام وهي تتحدث عن سقوط بغداد وعموم دولة بني العباس على يد التتار أو المغول ... نجد البعض من الكتاب والمؤرخين يرمي بالمسئولية على عاتق ابن العلقمي باعتباره يتحمل هذه الجريمة وانه خان العروبة والإسلام وتسبب بسقوط دولة الخلافة الإسلامية، وابن العلقمي هذا هو الوزير الشيعي ولعله الوحيد في وزارة آخر خلفاء بني العباس .
وباعتبار أن التاريخ يمكن أن يشوه أو يكتب حسب ما يريد ويشتهي السلاطين ووعاظهم فإننا لا يمكن أن نصدق كل ما كتبه المؤرخون ... إذ إن طمس الحقائق وتبرير أخطاء السلاطين موجود وعاشه من سبقنا.. ونحن .. ومن سيأتي بعدنا .... وقبل أن نخوض في موضوعنا لا ننسى أمر في غاية الأهمية ... وهو إن الذين كتبوا التاريخ العربي والإسلامي بشكل عام لم ينصفوا الشيعة واعتبروهم خارجين على إجماع الأمة بالرغم من فداحة مظلوميتهم وغيرتهم الشديدة على الإسلام ... وكونهم أي الشيعة أباة الضيم ولا يهادنون الباطل وينتفضون بوجه الطغيان فقد نعتهم خصومهم بعدم طاعة ولاة أمرهم حتى وان كان هؤلاء الولاة فسقه لا يقيمون حدود الله .وقد تكالب الطلقاء والمنافقون ووحدوا كلمتهم وفعلهم ضد كل صوت شيعي يعلوا بالحق أو فعل يهدف إلى تخليص الأمة من الاستبداد والظلم ... والسبب في ذلك على ما نعتقد هو الحسد وكرسي الحكم وبالتالي فقد استخدم خصوم الشيعة شتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإبعادهم عن السلطة ومركز القرار .
وبرأينا فأبن العلقمي وبعد أن علم وأيقن كغيره باستحالة منع المغول من دخول واحتلال بغداد، وهم الذين لم تصمد أمامهم باقي الأقاليم الواقعة إلى الشرق أراد أن يجعل دخولهم ضمن اتفاق يبرم معهم وبالتالي يمكن تجنيب الأمة كارثة السقوط وحفظ دماء الأبرياء والمحافظة على ارث البلاد ... وعلى هذا الأساس ذهب ابن العلقمي للتفاوض مع التتار وبتفويض من الخليفة نفسه، في وقت اخذ بعض المحسوبين من رجال الدين وبطانة الخليفة وخاصَته يضغطون عليه بعدم ألاذعان لمطالب الغزاة ..... وهذا ما حصل فعلا ... عندها ثارت ثائرة المغول وقاموا بقتل عدد من المفاوضين ودخول بغداد عنوة واستباحتها ... فبدأ المنتفعون ذوي الكروش العظيمة ووعاظ السلطان وحاشيته بالعويل والبكاء على حمى الإسلام وحرمته التي استباحها التتار في ذات الوقت الذي طالت أيديهم كل ما خف وزنه وغلا ثمنه من ممتلكات الدولة وانهزموا بها خارج بغداد ... فهل حقا أن ابن العلقمي هو من تسبب بأفول دولة بني العباس أم تفاهة عقول من تولوا الحكم واستهتارهم بمقدرات الأمة التي تقاسموها دون حق وانغمسوا في الملذات والفجور وظلم الرعية بخلافة اغتصبوها وتلقفوها ونسوا يوما ينتقم فيه الله من الظالم وقد يكون على يد ظالم آخر أقوى وأمر.
ونحن اليوم لسنا ببعيد عما آل إليه مصير الطاغية صدام ... فبالرغم من كل النصائح والمواقف الدولية التي أرادت أن تجنب العراق الكارثة إلا أن هذا المعتوه أبى وأصر أن تكون حالنا مثلما يريد ومثلما أجادت به عقول زمرة المنافقين حوله التي باعت الوطن وقبضت الثمن .... فكانت النتيجة مثل سابقتها خراب ودمار وقتل .. وقد يكون القائد الضرورة مطمئنا إلى أن ما سيقع في عام 2003 يشابه ما حصل عام 1991 حيث سيخرج علينا معافى مزهوا ببدلته العسكرية ومسدسه وهو يطلق رصاصات النصر الكاذب من سطح مبنى محافظة بيضاء أخرى وينبري منافق أهبل يقول له .. ( كل العراق فداك سيدي .. وما دامت اليمنة على اليسرة احنه بخير) .. فهذه الطائفية أو الجاهلية التي خرّبت البلاد وأوصلتنا إلى حال لا نحسد عليه، لا زلنا نعاني منها.
إن موقف الشيعة خلال التاريخ كان مشرفا بالرغم من كل التضليل الإعلامي والقمع الفكري، ولا احد ينكر وقوفهم بوجه الانكليز بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة الطائفية العثمانية وكيف كان موقف المرجعية الشيعية آنذاك بعدم مهادنة المحتل والكل يعرف من هو الذي مرر المشروع البريطاني في العراق والمنطقة مختارا طائعا لا لوطنية ولا لدين بل من اجل كرسي السلطة ... و سخَر مقدرات هذا البلد وجنَدها لفرض وتطبيق نظريات أعداء الأمة وقتل روح الإبداع ومحاربة الشرفاء والاقتصاص من الذين يعارضون السلطان إلى حد إذابتهم بالتيزاب وقطع الألسن والآذان والمقابر الجماعية كل ذلك وغيره من اجل أن يحيا القائد الهمام وينتصب تمثاله يلامس الشمس فوق جماجمنا.
وعودا على موضوع احتلال العراق عام 2003، كانت محافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية أو (الصفوية) والتي يقطنها أحفاد أبن العلقمي كما يقولون هي المصد الأول أمام التوغل الأمريكي الذي تحرك من تلك المنطقة ... بعد إعداد الطبخة مقدما ودون الحاجة لدخول الأمريكان من جهة الشمال أو الغرب حيث تركيا والأردن بالرغم من وجود القوات الأمريكية على أراضي هذه الدول ... كما أن جهة الشرق كانت موصدة تماما أمام القوات الغازية فهناك إيران ومن الصعب بل المستحيل أن تناصر إيران أعداء الإسلام ولا يمكن ترويضها للمشاركة في مهزلة إسقاط صدام ... ولو فرضنا جدلا إن إيران شاركت مع جوقة الانتهازية والمرتزقة فالويل لها من أصحاب الأقلام المأجورة التي ستنبري للانتقاص منها واعتبار الإيرانيين خارجين عن الدين وإجماع الأمة الإسلامية وبالتالي يجب استباحة أموالهم وأعراضهم كما فعلوا مع شيعة العراق حيث اتهموهم بالعمالة ... ومن جانب آخر نجد الأنظمة العربية المجاورة وغير المجاورة للعراق تقدم كل ما في وسعها لإنجاح ودعم المحتل .. فمصر تفتح القناة أمام حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية من اجل أن تصل بأسرع وقت وملك الأردن يسمح بدخول جماعات التجسس الأمريكية واليهودية .. ودول الخليج لا يحتاج موقفها إلى شرح فهؤلاء فقدوا ورقة التوت التي يتستر بها غيرهم فمن ارض الحرمين انطلقت طائرات الغزاة ومن إمارة الابن العاق في قطر حيث القاعدة الأمريكية الكبرى في المنطقة تأتي أفواج ومعدات وكافة مقومات الدعم اللوجستي .. كل هذا مبرر وجائز ولا يتطلب أن يكلف الشيخ القرضاوي وقناة الجزيرة وشيوخ آل تيمية أنفسهم و يرفعوا صوتهم ضده فهو جائز بشريعة من فقدوا الحياء واستمرؤوا العمالة الحقيقية لأمريكا صاحبة الفضل الأول والأخير في بقائهم على كرسي الممالك الوراثية أو الجمهوريات التي باتت وراثية أكثر من ممالك البدو.
والذي يتهمنا بأننا عملاء هو لإبعاد هذا العار عنه ليس إلا .. فالمقاومة الباسلة لمحافظات الجنوب ضد القوات الغازية والذي جعل هذه القوات تنتقم من تلك المدن، شاهدها العالم اجمع فضلا عما كانت تعانيه هذه المدن من بطش صدام ومرتزقته لدفع الناس إلى محرقة حرب أشعلوها هم بأنفسهم حتى يبقوا أطول فترة ممكنة بعيدا عن هذه النار ... ولكن بعد وصولها إلى أرجلهم، وعلمهم أن الأمر هذه المرة بات يعني إقصائهم عن السلطة ... لاذوا بالفرار وتركوا قصرهم الجمهوري المحصن وأسلحتهم الجديدة التي لم تطلق رصاصة واحدة وخلعوا ملابسهم العسكرية على ضفاف دجلة ناسين أن هناك كاميرات ترصدهم واختبؤا بين أهلهم كالنساء في محافظات معروفة وانبرى وجهاء عشائرهم ورجال دينهم ليتفاوضوا مع المحتل على دخول مدنهم العامرة دون مقاومة .... وكونهم كانوا متسلطين وتحت أيديهم ممتلكات الدولة فقد نهبوا كل ما طالته أيديهم من مقتنيات القصور الرئاسية والدوائر الحكومية والمصارف ومقرات الجيش بعد أن أباحتها لهم قوات المحتل إكراما لمواقفهم الاستسلامية وليستفيدوا منها بعد حين لقتل الأبرياء وتهجير الآمنين بحجة العمالة ... وهذا هو معيار الجبناء ... رحمك الله ابن العلقمي.فأين قوات الحرس الجمهوري والخاص والعام ومنتسبي الأجهزة الأمنية ومعظمهم من أبناء المحافظات البيضاء المستسلمة ... أين صمودهم ولماذا اختبؤا في بيوتهم بين النساء، يطلقون لحاهم ويعتمرون الكوفية والعقال بل لا يترددون مطلقا وهم يوقعون على استمارة البراءة من نظام صدام ومن حزبهم الأوحد بعد أن نسوا أو تناسوا كل ذلك الكلام المعسول والآيات القرآنية والزعيق الممل أمام قائدهم الملهم وهم يعاهدونه على الاستشهاد والقتال حتى آخر قطرة من دمائهم دون أن ينسوا طبعا إبلاغ القائد الفلته تحيات أهلهم وعشائرهم كل ذلك شاهده العراقيون من على شاشة تلفزيون القائد واعني تلفزيون بغداد ... دعونا نقول رحمك الله ابن العلقمي مرة ثانية، فمن يسمون اليوم أحفاد ابن العلقمي، لم يسلموا أولاد القائد بيد ويقبضوا الثمن باليد الأخرى دون أن يذرفوا حتى دموع التماسيح على عدي وقصي وهم محاصرون في بيت تحت وابل المدافع وصواريخ الهليكوبتر الأمريكية بعد أن سلبوا كل ما كان معهم من ذهب وأموال ... كما إنهم لم يشوا بالقائد الضرورة ويأتوا بالمحتل ليستخرج ما تبقى من قائد الجمع المؤمن من تحت سطح الأرض على تلك الهيئة الذليلة بعد أن باعه الذين كان ينعم عليهم بالرتب العسكرية والمناصب وجاء بهم من البداوة إلى الحضر وأصبحوا سادة القوم يتحكمون بمصائر العباد وينتقمون من كل وطني شريف ...
وتستمر المهزلة و يتم إلقاء القبض على معظم فئران قائمة الخمسة وخمسون في محافظات الصمود والتصدي بعد نفاذ ما كان بحوزة هؤلاء المجرمون من حليّ وجواهر اشتروا بها سلامتهم ليعيشوا أيام وليال معدودة قبل أن يقعوا بيد المحتل وهو قطعا اسلم لهم من الوقوع بيد غيارى العراق ... لان المحتل وفر لهم الحماية الكاملة وابعد الناس عنهم والتي لو تمكنت منهم لقطعتهم إربا إربا..
فليدعوا إذن للمحتل الذي أسبغ عليهم بنعمة ألامان ولو إلى حين وكذلك ما سمح به المحتل لمحافظات الصمود والتصدي بان تصبح حواضن للإرهاب الأعمى ينطلق منها نحو المدن الآمنة ليزرع الموت فيها دون أن يمس المحتل بأي أذى تحت مسمى الجهاد والمقاومة مجندين ما يقع بأيديهم من حيوانات جاهزة للتفخيخ وفدت إلينا كالجراد من دول يفتي بها أدعياء الدين بقتل أتباع أهل البيت أو الروافض كما يحلوا للنواصب أبناء هند آكلة الأكباد أن يسموهم ...
أخيرا الحمد لله الذي كشف حقيقة أدعياء الجهاد ومنظري سقيفة قس ابن ساعده المنتفخين من فتات موائد صدام الذين توحدوا تحت عنوان هيئة العلماء حيث أيقنوا أن قائدهم الهمام أصبح مصيره معروفا بعد إلقاء القبض عليه ولم يعد هناك أمل في إبرام صفقة جديدة مع المحتل ليعودوا لسلطة غابت عنهم وهكذا شمروا عن سواعدهم وراحوا يملئون الدنيا نحيبا كالنساء وفي كل المحافل ليخلصوا زعيمهم من حبل المشنقة ولكن دون جدوى حيث تم القصاص .. فحكموا على أبناء العراق الشرفاء بالموت وعلى بغداد بالدمار التي لا يمكن أن يحكمها غير هارون أو صدام كما يدعون فتعسا لهم كيف يحكمون ... فبغداد هم سلموها للمحتل وهم من سلموا صدام وباقي شلة القرقوز التي كانت تحكم العراق وليس غيرهم ....... ولعلنا هنا نستذكر قول الشاعر المتنبي ( وإذا أتتك مذمتي من ناقص .... ) وكم هو رائع لو يقام تمثال يخلد الوزير ابن العلقمي في وسط بغداد وفي نفس مكان تمثال أبو جعفر المنصور أو مكان تمثال ابن العوجة سابقا في منطقة الحارثية مجاور متنزه الزوراء .. لأنني اجزم أن هذه المدينة الرائعة كانت عزيزة عنده وليست رخيصة كما كانت عند الطغاة مجهولي النسب .... رحمة الله عليك يا ابن العلقمي واللعنة ألف مرة على كل من ظلمك وأساء إليك بالقول والفعل ...
https://telegram.me/buratha