المقالات

بين سَيْفين !


طالب جبار الأحمد

 

قالت لي إحدى المديرات في مؤسسة أهلية : بعد فتح المنطقة الخضراء أمام عامة الناس كسبت مزيداً من الوقت بدلاً عن إهداره في الزحام والطرق البديلة سابقا، كنت أهدر نحو ساعة من الوقت ..تصوّر!.

الموظفة المثابرة اعتبرت أن كسب ساعة من الزمن أمر مهم  لكل الناس سيما الموظفين والطلبة، وهذا إنجاز يُحسب لحكومة عادل عبد المهدي حيث سيسهم في تعميق الوعي الإجتماعي بأهمية عنصر الوقت في مرحلة إعادة بناء الدولة.

سررت كثيرا لوجود موظفة حريصة على الوقت وتعمل على استثماره إلى أقصى حد ممكن بدلا عن تضييعه في التشكي وإيهام الذات بوجود مبررات للعجز عن تحقيق إنجاز، وأشاركها الرأي بشأن أهمية الزمن كقيمة حضارية، فالبلدان المتحضرة تتميز عن سواها بإحترام الوقت وتنظيمه في كل شؤون الحياة.

وفضلاً عما تركه فتح المنطقة الخضراء من أثر إيجابي على إنسيابية حركة السير في بغداد وكذلك على المزاج الشعبي العام، فهناك رمزية ثقافية لهذه الخطوة لما تثيره في اللاوعي الجمعي العراقي من تداعيات، وهذا هو الأهم في تقديري.

على أن أكثر ما يؤلمني هو أن اسمع آراءاً من البعض تقلل من شأن هذه الخطوة وتصفها بأنها مجرد إجراء حكومي لتقليل الزحام في عاصمتنا الحبيبة، فهل نسيّ هؤلاء ما كانت ترمز إليه المنطقة الرئاسية (الخضراء)  قبل ٢٠٠٣؟، وكيف كان مجرد المرور اضطراراً بالقرب منها يثير الخوف والرعب من أمن ومخابرات النظام السابق؟.

بالنسبة لي ستبقى سنوات الرعب تلك تلهب ذاكرتي بالحسرة على زمن لم يكن جميلا بالمرة..وكلما مررت هذه الأيام بالقصور الرئاسية وساحة الاحتفالات في (المنطقة الخضراء) تذكرت حقبة القسوة والوحشية وشهوة الدم اللامتناهية.. أمعن النظر في كفيّ صدام البرونزيتين اللتين قام النحاتون بتكبيرهما مئات المرات لتصبحان كفيّن أسطوريتين للبطش تمسكان بسيفين يخنقان بلاد الرافدين..أراد صدام يومها إحضار مئات الآلاف من جماجم ضحايا جنونه وحروبه العبثية ووضعها بطريقة ( فنية ) تحت كل كف يميناً ويساراً في ساحة الاحتفالات لإرهاب العراق وأجياله على مر الزمن..أخبره النحاتون باستحالة ذلك..وربما كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي استمع فيها إلى رأي آخر !.

اشاهد آلاف الناس تمر يوميا بسياراتها الخاصة من جنب السيفين..وأتساءل في سري: هل باتوا يدركون رمزية سقوطهما السياسي المدوّي..وهل يشعرون بالنعمة التي جلبتها تضحيات الشهداء  للنجاة منهما؟.

لحسن الحظ  لم يتم تدمير نصب السيفين بعد إنطلاق مارد الحرية عام 2003، فالكثير مما يرمز إلى  العهد السابق ودمويته يجب أن يبقى شاخصاً للعيان حتى نعتبر من تأريخنا المعاصر،.. نعم نريد أن نتجاوز جروح الماضي وآلامه وأن نسامح بروح جديدة، لكن لاينبغي أن ننسى الأهوال التي جرت علينا  قبل أن تدخل البلاد مخاض التغيير بين زمنين، فالشعوب الحية لن تُصاب بداء النسيان أبداً.

 

 

 

 

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك