المقالات

إتمام تشكيل الحكومة بين المحاصصة وبازار المناصب..!


طيب العراقي


تأخر إتمام التشكيلة الحكومية لوزارة السيد عادل عبد المهدي كثيرا، فقد إستعصت أربع وزارات مهمة جدا، إثنان منها سياديتان، وحينما شرع عبد المهدي بتشكيل حكومته، كان جميع الساسة، يصرحون بمليء أشداقعهم، بأن تكون الحكومة بعيدة المحاصصة، التي يصفونها بالمقيتة، تدليلا على رفضهم لها!
واقع الحال يكشف عن مفارقة تثير القرف والسخرية معا، من أدعياء رفض المحاصصة، فهؤلاء هم أنفسهم الذين أوقفوا عجلة إتمام تشكيل الحكومة، ليس إعتراضا على الأسماء المطروحة، بل لأنهم يريدون الإستئثار بالمناصب التنفيذية المتبقية، ويعتبرونها "حصة" لهم؛ وهذا مقابل ذاك..! 
يلخص أبو العلاء المعري لنا، الوضع في العراق، حين يقول في بيتيه الشهيرين:
مـل المـقـال فكـم أعـاشـر أمـة * حكمت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها * وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
الواضح إن الساسة عموما؛ وعلى جري عادتهم، في كل زمان ومكان، يظلمون رعاياهم مع أنهم أجراء لدى أولئك الرعايا.
الحقيقة أن ليس الظلم؛ ظلم السوط والزنازين فحسب، بل هو ظلم إضاعة الطريق على سالكيه، فبعد ستة عشر سنة، من سلوكنا طريقا كنا تخيلناه، مليئا بالزهر والقداح والياسمين، ما زلنا نتسائل وقد علتنا غبرة الأيام: هل في الأفق أتضاح لمعالم الطريق في بلدنا؟ أم إنه أمر مقضي مكتوب في اللوح المحفوظ، أن نتخبط في غابة ملتفة الأشجار، لا نكاد نتبين شعاع الشمس فيها؟!
هذا التساؤل ينهش عقول العراقيين جميعا، عندما يتأملون العملية السياسية هنا، فالصورة تبدو أننا أزاء "لعبة" وليست "عملية" سياسية، و"اللعبة" أقرب الى الملهاة السمجة منها الى أي توصيف آخر! 
الكائنات البشرية هنا تتسائل عن التالي، وبعدين، والنوب؟! وهل سيكون في مقدور الكائن العراقي؛ وهو يتأمل الواقع السياسي، أن يرى في أمد منظور، نهاية ولو ربع سعيدة؟
يتسائل هذا الكائن العراقي أسئلته الحيرى، وهو يعرف أن أغلب الصراعات السياسية، في بقية العالم تدور حول محورين أساسيين، هما محور اليمين ومحور اليسار، أو محور المعارضة والمحور الموالاة، أو محوري المحافظين والتقدميين..ألخ.
فهل نحن نسير حقا؛ نحو الأخذ بعنصرين جوهريين متضادين في اللعبة السياسية، التي تتمحور حول الديمقراطية ومبادئها؟ وهل سنسير في السنوات القادمة، على النهج الذي أخذ به البشر في بقية العالم؟
إستحقاقنا المطلوب شأننا شأن بقية البشر، أن يكون لدينا تياران، يتصارعان سياسيا، ويتعارضان سياسيا أيضا، ولكن بغاية تدعيم أسس الدولة وخدمة المجتمع؟ أترانا سننعم مثل غيرنا باستقرار سياسي، و"بعملية" سياسية نتقبلها جميعنا، ونخرج في الوقت نفسه من شرنقة المحاصصة؟ فلقد عشنا داخل هذه الشرنقة، زمنا أطول مما ينبغي..؟ 
بعد المحاصصة التي أصبحت"مقبلات" لوليمة"النشاط" السياسي؛ إنتقلنا الى مرحلة "أكثر" تقدما! فاللافت والمستحدث في لعبتنا السياسية، هو فضيحة بيع المناصب وبشكل شبه علني، وهي ضمن الفقرات الأربعين، التي تحدث عنها السيد عادل عبد المهدي، عندما أعلن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد!
القصة لا تقف عند درجات الوظائف الدنيا، التي بات الحديث عن أثمانها إعتياديا، بل أن جميع مراكز الدولة معروضة اليوم للبيع!..وزير،وكيل وزارة، مدير عام، رؤساء الهيئات المستقلة، رؤساء اللجان النيابية، مستشارين في مؤسسات الدولة، محافظين، حتى رئيس قسم في دائرة ما..عسكريا وأمنيا أيضا؛ آمر فوج، أمر لواء، قائد فرقة، قائد عمليات، مدير منفذ حدودي قائد شرطة، بل وضابط مركز شرطة، شرطي، جندي، وحتى القضاة!
كل مراكز الدولة للبيع، بمعنى أن الدولة كلها معروضة للبيع، وما دام البائع عراقي والمشتري عراقي، "شكو بيها"، فالموضوع حلال شرعا ولا إشكال فيه، لأن مرقنا على أزياقنا..!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك