نورية الإثنى عشر - باحثة من البحرين
أول دعامة أساسية ثبت بها رسول الإسلام المصطفى محمد صلى الله عليه و آله و سلم دولته بالمدينة المنورة هي بناء المسجد ذلك الأُس العقدي و المُنطلقُ الإيماني الذي ثبت به اللبنة و اللحمة من خِلاله ليعطي بذلك حنكة ساسة و قيادة قادة للأمة الإسلامية فكان الصادر الأول قائدها الأول .
فعرفهم ب ( بيت الصلاة ) بيت بناء الأرواح الإيمانية الطاهرة فالفئة الحقة التي هاجرت مع رسول الله ( ص ) كانت تحمل إيمانها الصادق و تحلق به أينما وضعت أقدامها و نثرت عطرها . فأراد بذلك شرح روح الإسلام الأصيل شارحاً آياته و تفاسيرها إلى جانب شرح الأحكام الشرعية و ما يتعلق بها من شرح لمتطلبات الحياة الإجتماعية الدنيوية فأراد بذلك هندسة عقول نيرة تتطلع إلى ساحة الله ... تتطلع لبناء [ الروح المسجدية المتحركة قلباً و قالباً بخُلقهِ الكريم صلى الله عليه و آلهِ و سلم .
فكان للمسجد حرمته و أحكامه و مثل ساحة قدسية بفنائه بتنزل [ المُقدس ] القرآن الكريم فمثل الطهارة بأعلى مستوياتها فلا دنسٌ مادي و لا دنس معنويٌ يعتريه بالمطلب . فكان القرآن بكل ثقله الإعجازي الرباني الخارق أراد به رسول الله صلى الله عليه و آلهِ و سلم إزاحة الجاهلية الجهلاء إزالة الصنمية و الوثنية و نقل الأمة إلى طاعة المُستحق طاعته . فالتوظيف الإيماني و الحركة الفعلية كان جوهرها العمل بتخريج الثلة المؤمنة التي حملت الجنبة الإيمانية فالساحة المُقدسة تبقى صورتها مُقدسة لا تُدنس لأنها بحقيقتها و أصلها هكذا فمن مزايا المُقدس في قِبال المُدنس إنه لا يقبل التنجس و لا بشائبة و إلا لأرتفعت عنهُ القُدسية و هذا مُحال [ استحالة إجتماع النقيضان ] فالمقدس لا يلتقي بالمدنس فمسجد " قِباء " لا يلتقي بمسجد " ضِرار " . فيمثل المُقدس جانب الحق الصائب و يمثل المُدنس جانب الباطل الخاطئ .
فحمل المسجد شعلة الروح الإيمانية القائمة على التقوى و الصلابة في التمسك بالحق فبانت الروح المسجدية بتماسك المؤمنين فيما بينهم و العمل و التكاتف و وحدة الصف و الكلمة الواحدة و ألفة القلوب و جعل الصلاة حية متحركة بكل وزنها لبناء الدين و الوقوف في الأزمات فالتجمع بحد ذاتهِ ثورة ألم تشكل صلاة الجماعة خطراً على من أراد تمزيق صف المسلمين ؟!!!
و إنموذج ذلك قول الإمام الخميني قدس سره الشريف : " أحيوا الثورة من خلال المساجد التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة " فالمعتدي يرى بالمسجد قوة و إجماع المؤمنين على كلمة واحدة يقض مضجعهم و يفلُ شوكتهم و يُذهبهم أدراج الرياح خائبين مخذولين منكسرين [ فالجماهير أقوى ] فالروح المسجدية المحمدية هي من بنت الخندق حول المدينة حفاظاً على أمنها ، و طهارة علي لم يقبلوها فقتلوها بمحرابها .
فالروح المسجدية التي حملها شهيدنا الصدر قدس سره الشريف كانت متمثلة بإنسان نقل ما بداخل المسجد وفق ما ارتضاه الشارع المقدس لخارجه ... نقل مركز بنائية الإنسان المسلح و المزود بسلاح المعرفة و الفهم النابض بالبصيرة في قبال الحفاظ و التمسك بالمُقدس تاركاً المُدنس لمن هواه و ابتغاه . فلم يكن صوت بلال بقول " الله أكبر " مجرد تأدية شعيرة صلاة خالية الوفاض بل كانت إحياءاً للوجود كله و إحياءاً لروح تعاليم الإسلام بجعله ينبض و ينطق حقاً .
فالروح التي أرادها الشهيد هي هذه الروح التربوية النامية المتعطرة بثوب الشهادة التي لا تموت أبداً الروح القادرة على المواجهة و تحدي العراقيل فكان المسجد عطائه الفكري الأول و المرشد الناصح و العقل الراجح فاجتمع حولهُ طلابه و تزاحمت ركبهم للتعلم من هذه العقلية الفذة فأحوج ما تحتاجهُ أمة اليوم هو الرجوع إلى الروح المحمدية المسجدية روح نبي الإسلام الخاتم .
https://telegram.me/buratha
