كاظم الخطيب
عندما تكون الديمقراطية غير محمية، وعندما يكون الدستور غير محترم، وتكون السلطة حكراً على بعض المتنفذين والمتسلطين- بمال أو سلاح- أو من الذين يقبضون أجورهم من ما وراء الحدود؛ حينها لا يمكن القول بأن الديمقراطية هي الحل، وخصوصاً في بلد مثل العراق.
إن الديمقراطية التي أطاحت بدكتاتورية صدام وسلطة البعث؛ قد جاءت للعراق بدكتاتوريات متعددة وبأحزاب متسلطة عديدة أيضاً، وقد أمسكت هذه الأحزاب بتلابيب الحكومة والبرلمان والقضاء معاً.
الخطير في الأمر هو أن هذه الأحزاب لم تك متفقة في ما بينها، والأخطر من ذلك بكثير؛ هو أنها لم تجعل من خدمة البلاد معياراً للمنافسة فيما بينها، ولم تجعل من الشأن الوطني، أداة للتفاضل والحصول على المقبولية لدى الشارع العراقي- الذي كان يتوق إلى نظام ديمقراطي عادل- ولم تحرص تلك الأحزاب على بناء قواعدها الشعبية، على أساس حب الوطن والمواطنة، والحرص على قيام حكومة وطنية نزيهة، بل على العكس من ذلك، فقد أشاعت روح الفرقة والتحزب، والتخوين والإستئثار بالسلطة، والنفعية، ورعاية الفساد.
دعى ذلك كله، بعضاً من أبناء الشعب العراقي إلى المطالبة بقيام نظام رئاسي، ومطالبة بعض آخر بالعودة النظام الدكتاتوري والحزب الواحد، بدعوى إن القوة ووحدة القرار، كفيلان بأن يجعلا من الحكومة، حكومة مبسوطة اليد في إدارة البلاد، كما أنها سوف تمتلك القدرة الكافية على إتخاذ القرارات الحاسمة وتفعيلها دون اللجوء إلى التفاوض المحاصصاتي، أو التوافق الكتلوي.. فيما ذهب بعض آخر إلى التصريح الواضح للمطالبة بعودة نظام البعث المقيت، وعودة العراق لدوره السابق كشرطي للخليج، لما يراه من إنتقاص لسيادة البلاد، وتطاول دول الجوار عليه، وسلب حقوقه وإمتهان كرامة أبنائه.
ما كان لذلك كله أن يحدث، لو أننا لم نصادق على قرارات بريمر، ولم نتعامل على أساس تحامل بعض السياسيين على بعض، وبعضهم على الجميع، ولو إننا تعاملنا مع قانون المسائلة والعدالة، وقانون إجتثاث البعث كما يجب، وكما تقتضيه مصلحة البلاد، ولم تؤخذ الرشا، ولم يساوم بعض الساسة المجرمين على إعادتهم- بغض النظر عن ممارساتهم الإجرامية بحق الشعب والوطن- إلى مراكز القيادة في جميع مفاصل الدولة، بشرط أن يكونوا داعمين لأحزابهم، ومنفذين لأجنداهم، حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن ومصلحة المواطن.
لقد تنافست تلكم الأحزاب على ضم رموز البعث، ودعاة الطائفية، وقادة الإرهاب إلى صفها، بدعوى المصالحة تارةً، والعبور على الطائفية تارة أخرى، في ذات الوقت الذي يُحرَم فيه موظفاً بسيطاً من وظيفته بدعوى أنه كان بعثياً، أو إنه كان ضابطاً في الجيش السابق، ممن لم يحصلوا على تزكية من أحد الأحزاب- التي لا تستطيع تزكية نفسها- أو أنه لا يملك المال ليدفع رشوة، أو قل هدية أو تبرعاً- كما يحلو لبعض الملتزمين دينياً تسميتها- كي يعود إلى وظيفته، وخلافاً لذلك؛ فإنه سوف يكون عاطلاً عن العمل وأنه في أغلب الأحيان- وفي أقل تقدير- سوف يكون كارهاً لوطنه، ناقماً على مجتمعه، مهيأً بدرجة قصوى، للعمل في أي مجال حتى وإن كان مشروع فساد أو خيانة أو إرهاب.
لا يبنى العراق اليوم إلا بإحترام المواطن، وتوفير سبل العيش الكريم له ولعائلته، وبتوفير بيئة أمنة، وتنمية شعوره بالإنتماء الحقيقي لوطنه، والعمل على إقامة العدل والمساواة، وفوق ذلك كله بناء دولة مدنية، تجعل من الوطن والمواطن مصلحة عليا، وهدفاً سامياً.
لا بأس في أن يكون في الأداء الحكومي مسحة من الدكتاتورية الحميدة، ولا ضير في أن يكون النظام الديمقراطي حازماً، ولابد من شمول أحزاب الفساد والطائفية، بقانون إجتثاث البعث، بعد تعديله وإعادة تسميته بقانون إجتثاث الأحزاب وذلك؛ لأن (البقر تشابه علينا)
https://telegram.me/buratha