كاظم الخطيب
تتراً تعاقبت الحكومات، على بلد مركوم بالتناقضات، وتباعاً تلون شعب بجم كثير من المسميات، حتى إستحال فيه التسلط حاكماً، والوطنية عبودية، واللصوصية شأناً عظيماً.
أفق مشحون بالكراهية وبغض الآخر، أجواء ملوثة بأحاديث فئوية، طائفية، أنوية ضيقة، أحداق لا تكاد تبصر من الحقيقة شيئاً.
واقع سياسي موبوء بكل هذا؛ لا يمكن مطلقاً أن يبني وطناً، ولا يتأتى له أبداً أن يمنح أمناً، وليس له حظاً من الشأن في أن يصنع إنساناً.
العراق، هو من أعني، وشعبه من أريد بمقالتي، فلم نر فيه حكومة تعرف قدراً لوطن أو معنىً لوطنية، ولم نجد به شعباً سعى يوماً لبناء دولة.
شعب طالما إمتهن التصفيق، وإعتنق ديانة تمجيد الحاكمين وإن بغوا، والظالمين وإن تجبروا، حتى وإن تألهوا، فحرارة التصفيق للقائد الضرورة؛ مازالت تلهب أكف العبيد، وهتافات التمجيد مازالت تصفر من حناجر المنافقين.
لا أريد أن أتجنى أو أن أكون ظالماً لأحد، ولا أن أكون كمن يطلق الحكم عفواً، ولا ممن يرمون الناس بالتهم جزافاً؛ إنما أردت أن أضع إصبعي على جرح طالما تحاشاه كثير من السياسيين، وجمهور الكتاب والمحللين، إلا وهو الدور السلبي للشعب في خلق دوامة الزعامات الزائفة.
شعب- بغالبيته- لا يرى إلا ماتراه وسائل الإعلام، ولا يعتقد إلا ما يعتقده الحاكمون، يرى في عدوه ما لا يراه في نفسه، متناسياً صرخة الإمام علي بن أبي طالب-عليه السلام- فيهم( إنما القوم رجال أمثالكم).
تسري الإشاعة فيهم كالنار في الهشيم، فهم إنما يرون الحقائق بآذانهم، برغم العيون التي وهبها لهم خالقهم، وما هم إلا أمة إنقسمت فرقاً، وكل فرقة منهم تظن بأنها أمة( وكل حزب يما لديهم فرحون).
شعب ظالم لنفسه- إلا ما رحم ربي- جاحد لتضحيات قادته ومقاتليه، مضياع لكثير من فرص النجاة التي توفرت له، يلوذ في حمى رهط ضال لا يؤمن بالنتائج، ولا يفكر بالعواقب، ويذر وراءه تأريخاً مجيداً حافلاً بالتضحيات، وحاضراً مشرقاً ملؤه الأمل؛ بوجود رجال حشد الله الذين وضعوا أرواحم على أكفهم، ونذروها قرابيناً لكرامة وطنهم، وسلامة وأمن شعبهم.
أنه الأمل بحشد وطني- وإن تخلل صفوفه بعضاً من اللصوص، ونزراً من المنحرفين- يحمل من الصفات ما من شانها أن تجعل منه الفرصة السانحة، والعلامة اللائحة، لبناء دولة وفق معايير المساواة، والعدل، والحداثة، والشمولية، تيار يمتلك القوة الرادعة للعدوان، والوسيلة الصالحة للتواصل، والإسلوب الأمثل لٌلإفهام المعتدل، كما يتوفر على فلسفة فريدة في التعاطي مع الآخر، فلسفة تنطلق من قوة اٌلإقتدار، وملكة العفو.
إنه تيار له صفة الإمتياز عن غيره من التيارات السياسية الأخرى؛ كونه يمتلك مساراً مستقيماً، ومبادئ ثابتة، لم يطرأ عليها حدث أو تغيير، ولم يتلون بتلون الأحداث.
لقد أثبت تيار الحشد منذ إنطلاق الفتوى المباركة وحتى يومنا هذا؛ إنه تيار كل عراقي شريف، وكل وطني واع ِحصيف، كما أثبت قدرته على بناء دولة بعيداً عن التخندقات الطائفية، وأنه قادر فعلاً على إدارة الأزمات بشكل موضوعي، والوصول إلى نتائج مرضية بأنجع المعالجات والحلول.
نعم.. إن لكل شيء شوائبه، وأن لكل قاعدة شواذها، وأن لكل واجهة كواليسها؛ فقد علقت بالحشد بعضاً من شوائب النفعية، وشذ عن قاعدته بعضاً من النفوس العاشقة لصولجان الحكم، وحاكت في كواليس واجهته بعضاً منها المؤامرات وقدمت التنازلات على حساب الوطن وحساب الأبطال من مقاتلي وشهداء هذا الحشد.
إنه حشد قدر له أن يكون حامياً لوطنكم، وراعياً لحقوقكم، وصائناً لحرماتكم، فلا تولوه ظهوركم، ولا ترموه بالتهم، ولا تكيلوا لرجاله السباب والشتم، فإنكم إن فعلتم ذلك؛ فإنكم والله لنادمون.
حشد لم تبرد دماء شهدائه وبعد لم تجف، حشد لم يعرف معنى الآخر، وكان ينظر الى جميع العراقيين بعين واحدة، وكان يبذل الأرواح في سبيل شرف بنت الموصل وأخت الأنبار وأم صلاح الدين، وكأنهن أمه وإبنته وأخته، ولم ينتظر من أحد رداُ لجميل.
إن الذي يزهد بتيار يقوده الشرفاء، من الذين بذلوا ومازالوا يبذلون لأجله الأرواح والدماء، وحققوا نجاحات ملموسة على الصعيدين العسكري والسياسي، وأصبحوا شوكة في عيون الأعداء؛ لا يمكن أن يكون مالكاً لأدنى درجات التمييز والفهم والإدراك.
https://telegram.me/buratha