كاظم الخطيب
قناعات خاصة، بتأثير جمعي شامل، وتصورات فردية جريئة، بردود أفعال واسعة النطاق، قد ينكرها بعض، ويستهجنها بعض، ويطرب لها بعض آخر.
عندما يحلو لأحدهم أن يتلاعب بالألفاظ، وأن يتصور الورقة التي أمامه هي قطعة شطرنج- مثلا - فيحرك الحروف عن مواضعها كيفما شاء، وليس كما إتفق، بل وفق آلية إعادة ترتيب الحروف بترتيب آخر، كأن يكون قلب تسلسل الحروف لكلمتين قهقريا من حيث تنتهي إلى حيث بدأت، ومن الشمال إلى اليمين، أو بإعادة ترتيب الكلمات لجملة ما؛ للحصول على معنىً مغايراً أو رديفاً لهذه الجملة، أو لتلك الكلمات.
لا أعلم إن كان من سوء حظي إم حسنه، حين أمسكت قلمي، وأنا في حالة من الشرود الذهني، شرود أمارسه بين الفينة والأخرى، كي أسمح لمخيلتي بأن تتخطى حدود الواقع المرير، وأن تتحرر من قيود كل ما هو مفروض وبديهي، وإذا بي أمارس لعبة الشطرنج التي تتخذ من الحروف بيادقاً، ولشد ما شغلت ذهني حينها، فكرة الحكمة الإلهية التي جعلت من جهورية إيران الإسلامية، جارة للعراق من جهة الشرق، ولم تكن الجزائر أو الإمارات أو حتى مصر، ولم أجد حينها- في الواقع- إجابة مقنعة، ولكنني وفي حالة الشرود الذهني ، والتحرر المخيلاتي، وألية التلاعب بمواقع الحروف، وجدتني أخط حروف عبارة (إيران عراق) ولكن بتقديم العراق على إيران، كونه بلدي؛ ولا يمكن لي أن أقدم أي بلد عليه، حتى وإن جعلت الغرب شرقاً، وأنرت الشرق بضياء الغروب.
كتبت تلك العبارة، بإسلوب مخيلاتي حر، قلبت حروف عراق، فكان قارعاً، وقلبت تالياً له حروف إيران فكانت نارياً، وإذا بي أعود إلى واقع قد فارقته لحظات معدودة، عندما سمعت ولدي وهو يردد.. "بلاد العرب أوطاني"، أفقت من شرودي لأجدني مكبلاً بواقع حتمي، يعيب علي أن أتغنى بمن إحب وأهوى، أو أن أبدي به إعجاباً حتى.. واقع يفرض علي أن أقدس السيف الذي يحز منحري، وأن أكفر باليد التي إنتشلتني من الغرق، وفي خضم القيود، وندرة الشرود، وقعت عيني على عبارة قد خطتها أناملي، حينما كانت مخيلتي مطلقة، وأناملي حرة، قرأتها- العبارة- وأنا ناكر لها، لم تعنِ لي شيئاً مطلقاً، أعدت قراءتها لكن هذه المرة كانت بجوارها عبارة كنت قد كتبتها قبل شرودي، وهي عبارة( إيران عراق)، عجباً..!!
كيف أصبحت هذه العبارة (قارعٌ نارياً)؟.
سألني ولدي عن معنى هذه العبارة، عندما وجدني مسمراً عيني مطالعاً إياها بذهول، فأجبته وأنا أشك في أن يكون جوابي له حظاً من الإقناع، لأن الواقع لا يعترف بالإفتراض عندما يتعلق بالحق، قلت:
- يا ولدي إن لكل شئ وجوه عدة، وكل هذه الوجوه قد تعبرعنه بصور شتى، وقد يكون لبعضها معنى أبلغ من بعضها الآخر.
- وما هي وجوه هذه العبارة؟
- كان وجهها الأول – الأصل- (إيران عراق )، وهذا هو وجهها الثاني الإفتراضي المقرون بأحقية الأمر( قارعٌ نارياً).
- لم أفهم..!
- أنا على يقين إنك لم تفهم.
- إذاً؟
- أنا أيضاً في بداية الأمر لم أفهم.. ولكن كي تفهم؛ لابد لك يا ولدي من الشرود بذهنك، والتحرر بمخيلتك، والهرب من كل قناعاتك المفروضة، وتتبع كل الحقائق المرفوضة، وإطلاق فكرك الخصب، وذهنك الوقاد، لترتيب الحقائق من خلال التلاعب بالحروف والكلمات، كي تصوغ قناعاتك الخاصة، وأن تفرضها على الواقع، وأن ترفض كل ما كان مفروضاً عليك.. فأنتم يا ولدي، مستقبل أمة، وعماد دولة، لا يمكن أن ترَ لها حدوداً؛ إلا في مخيلتك، ولا أن تتمتع برفاهيتها؛ إلا بصفاء سريرتك، وسمو عقيدتك.
بني: عندما قارع الشر بلادنا، وذبح الغزاة أولادنا، كانت حدود الواقع المفروض مفتوحة للغزاة، وموصدة بوجهنا، وكانت بلاد العُربِ، منطلقاً لموجات الموت، ورياح الدمار التي عصفت بنا.
بني: لم يكن حينها أمامنا خيار سوى الموت بشرف، ولكن عندما كانت الحدود من الشرق آمنة، وكان التهديد مشتركاً؛ أصبح التحالف واقعاً، والمعركة واحدة، والمصير واحد، وقد قارع العراق العدوان نارياً، فكان وبحسب قناعتي الشخصية؛ تحالف العراق إيران هو مقلوب الرفض على الفرض، وسمو الحقائق على الأكاذيب، وسر حكمة الله؛ بأن تكون إيران جارة للعراق
https://telegram.me/buratha