المقالات

(( بعد حرب الأمن تبدأ حرب الشعارات والدولة في العراق .... الخطوة الثانية !.))

1325 00:41:00 2007-12-15

( بقلم : حميد الشاكر )

-( رب أجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات )-

***********

اتذكر انه وبعد ايام من سقوط وهروب الدكتاتورية الصدامية بكامل كوادرها الحكومية من بغداد أمام اول دبابة دخلت الى العراق ، وبعد فترة من تنامي الموجات الارهابية التي ضربت العراق من شماله الى جنوبه ، ذكرنا في ما مضى معادلة متكاملة للوضع الجديد نبهنا من خلالها الى الامر الاهم الا وهو : ان الوضع العراقي الجديد المراد اقامته على الاسس الديمقراطية ينبغي ان يؤخذ كحزمة واحدة لاتجزيئ لاي مفردة من مفرداتها المتعددة ، وهي الوضع السياسي والوضع الامني والوضع الاقتصادي ومن ثم الوضع الاهم في المعادلة الجديدة الا وهو الوضع الاجتماعي !.

وقد ذكرنا فيما مضى : ان الامن في الوضع الجديد هو ليس مسؤولية حكومية بالكامل ، بل الجزء الاكبر منه يقع على عاتق المجتمع باعتبار ان معادلة الوضع الجديد تقوم على مبدأ مشاركة المجتمع في الاستقرار الامني اكثر منها ارغام المجتمع على الانصياع للامن كقوة ارهاب وحديد ونار في المعادلات السياسية الدكتاتورية التي كانت قائمة في زمن الطغيان والظلم الصدامي البعثي انذاك !.

ويبدو ان تعليم وارشاد المجتمعات الحديثة الولادة مسؤولياتها الامنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لم يكن بالامر النظري فحسب ، ولابد من تجربة تفرض على المجتمع لينضج ذهنيا وفكريا ويتقبل نفسيا فكرة (( مسؤولية الجماعة في بناء الوطن )) ولا طريق لهذه السبيل الا خوض التجربة المؤلمة والغالية الثمن حتى يصل المجتمع والفرد نفسه الى قناعة تامة بضرورة مشاركته الفعلية في حفظ الوصايا الاربع ، وليس مهما ماهي الدوافع اكانت وطنية او دينية او ايدلوجية او اقتصادية ، ولكن المهم ان يقتنع الفرد والمجتمع ان حماية نفسه وشخصيته ووجوده الفعلي في هذه الحياة يبدأ من مساهمته والتزامه بالقيام بواجباته السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية ، وهذا ماكان بالفعل للتجربة العراقية الحديثة ، وبعدما وصل الفرد العراقي الى قناعة تامة بان حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية مهددة بخطر الارهاب الذي ضرب العراق يمينا وشمالا وصل الى قناعة ضرورة مشاركته هو في صناعة الامن وليس الاتكال على الدولة واجهزتها الحكومية فحسب مايوفر له الامن والاستقرار والحياة النظامية في وطنه الجديد !.

نعم بعد خراب البصرة وصل العقل العراقي الجمعي الى هذه الحقيقة وبدأ يفهم - مرغما - ماتعنيه مقولة المثقفين انذاك في (( الامن الاجتماعي في الوضع الديمقراطي )) ولكن وعلى اي حال ليس كل شيئ بالامكان فهمه من خلال الثقافة فحسب ، بل هناك اشياء لاتصل مطلقا بلا تجربة حية يكون ثمنها باهضا جدا في البداية حتى الوصول الى النتيجة وهي مختمرة تماما في عقل الاجتماع بصورة واضحة ، وهذا ما حصل الان في داخل النفس والعقل والروح العراقية عندما وصلت الى حقيقة : ان المجتمع في الوضع العراقي الحر الجديد هو المسؤول في الدرجة الاولى عن بناء وطنه سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا اخلاقيا ، وهذه اول خطوة في الانتصار على الفوضى والارهاب الذي يضرب العراق كل يوم على جرحه النازف !.

ان الانتصار الحقيقي اليوم هو ليس في صحوة هذه القبيلة العراقية او تلك ، وانتقالها من مكمن للارهاب الى طاردة لضيافته الجاهلية ، وانما الانتصار الحقيقي في فهم عقل هذه القبيلة ان مصالحها الوجودية تحتم عليها المساهمة مع الدولة في بسط الامن وتطبيق القانون على كل شبر من ارض العراق ، وكذا الفرد في المدينة العراقية اليوم هو يؤمن ويفهم حيوية ان يكون مواطنا صالحا يساهم في دحر الارهاب اينما وجد لتكون عائلته بمأمن عند خروجها من البيت !.

تمام : عندئذ تحقق الامن في العراق ، وبدأ طريقه يأخذ بالصعود ولانكسة لهذه الطريق بعد اليوم باعتبار ان الفرد والمجتمع فهم الدرس بكل ألم ، ووعى الموضوع بكل انتباه ، وبقي للدولة واجهزتها التنفيذية ان تقوم بالباقي وهي تطارد بؤر ارهابية بحاجة الى وقت يسير لتصفيتها وطردها من العراق نهائيا !.

ان الخطوة الاخرى التي ينبغي ان يلتفت لها الاجتماع العراقي العام ، والذي هو ليس بحاجة الى مزيد تنبيه اليها بعدما قام بواجبه الامني بأمانة ، هي خطوة (( المطالبة بالرزق )) او ماتعنيه هذه المطالبة من : ان تقوم الدولة بواجباتها امام مجتمعها بعدما قام المجتمع بواجبه الاول في حفظ النظام والامن والاستقرار في المجتمع ، وهيئ الارضية المناسبة لامتحان شعارات الحكم والدولة والتي على اساسها انتخب الشعب هذه الهيئة المسماة حكومة للقيام بواجب خدمته وتوفير لقمته وبناء مسكنه ، وهذه الخطوة هي بامتياز من واجبات الحكم تماما الذي رشحته القوى الاجتماعية ليكون جهاز سلطة قائم على توزيع الثروة وتنظيم الامر وردّ المظالم والعمل على الخدمات العامة ، وهنا تبدأ الخطوة الثانية في حرب الشعارات بعدما تطوى عمليا حرب الامن الذي فرض على الامة والشعب والوطن العراقي في اوقاته الصعبة !.

ان حرب الشعارات معركة يخوضها الجهاز او الهيئة الحاكمة في الدولة باعتبار انها الجهة التي رشحت نفسها لخدمة المجتمع ، وطرحت لهذه الخدمة مشاريع وخطط وبرامج سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية على اثرها ارتأى المجتمع ان يقدم هذه الحكومة ببرنامجها الخدمي لتطوير الحياة الاجتماعية ، واي تقصير من قبل الهيئة الحكومية في واجباتها الخدمية او الدفاعية او الامنية او الاقتصادية او الاجتماعية ، يعتبر نكسة وقصور غير مغتفر وادانة للجهاز الحاكم واتهامه بالغش السياسي ، مما يتطلب فعل اجتماعي قانوني يطيح بهذا الجهاز الحاكم العاجز او الفاسد في خدمته السياسية بأن لايعيد الاجتماع انتخاب هذه الهيئة الحكومية من موظفي الدولة الى الحكم مرة اخرى ، ولايعير اهتمام حقيقي لرموز هذا العهد السياسي لفقدهم المصداقية العامة وتفريطهم في امانة الحكم والقيام بالواجب !.

نعم : الدولة العراقية اليوم وبجهازها التنفيذي الحكومي ، وبعد ملاحظة التطور الامني الصاعد مدعوة الى خوض حرب تطبيق الشعارات السياسية والبرامج العملية والوعود الانتخابية التي على اثرها كان للشعب العراقي الطيب كلمته في انتخاب هذه الحكومة الشرعية ، ولايعتقدن مطلقا احدا من هذه الحكومة المنتخبة انها معركة صورية ولااساس لها من الواقعية !.

لا ... انها وبحق معركة لاتختلف عن المعركة التي خاضها الشعب العراقي ضد قوى الارهاب الصدامية والتكفيرية الارهابية في وضعه الجديد ، بل هي ثمرة طبيعية لمعركة هذا الشعب ضد ظالميه ، وعندما يقدم هذا الشعب الكريم كل هذه التضحيات في معركة الامن الاجتماعي ، فهو ينتظر بعد اعلان النصر ثمرة هذا الانتصار الكبير والذي ينبغي ان تكون - هذه الثمرة - هو التقدم الملموس على كافة الصعد الخدمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الوظائف التي انيطت مسؤوليتها على عاتق السلطة والدولة العراقية مجتمعة !.

نعم صحيح تمام : كانت المعركة الامنية على عاتق المجتمع وهاهو المجتمع ينجز عقده مع الدولة ، تتبقى معركة الخدمات والارزاق وباقي الشعارات الانتخابية على عاتق الحكومة التي ينبغي ان تسارع في الايفاء بعهودها السياسية ليكون العمل تكامليا بين المجتمع والدولة ، وان لاتكون هناك انتكاسة حكم بعدما تحقق التقدم الامني ، فأن هذه الانتكاسة وان لم تكن مضارها جذرية على المجتمع باعتباره صاحب العقد وبامكانه فسخه وانتخاب حكومة جديدة تطيح بهذه الحكومة العاجزة عن القيام بوظائفها الخدمية ، ولكن مع ذالك وباعتبار ان الحكومة هي اختيار الشعب فيجب علينا ان نقوّم من هذا الاختيار ونحافظ عليه ونقدم له النصح والمشورة وان لم نكن من المنخرطين داخل جهازه الحكومي !.

على الحكم الرشيد في العراق الجديد اليوم ان يدرك ان معركته اكبر بكثير من معركة المجتمع العراقي مع الارهاب ومدمراته الانية ، فهي معركة تقوم بها الحكومة العراقية وكخطوة ثانية ضد الدمار الذي خلفته حقب الحكم الظالمة البائدة من جهة ، وضد الانهيار التام الاقتصادي للفرد وللعائلة العراقية من جهة اخرى ، فهي معركة بناء من جهة ، ومعركة الكيفية التي من خلالها نرفع من دخل الفرد والاسرة والمجتمع العراقي الاقتصادي من جهة ثانية ، وهذه معركة كما ينظر لها اي منصف محب للعراق واهله لاتنتهي عند مرحلة ولاتقف عند زمن ، فالتطوير الخدمي وبناء الطرق والمساكن واعادة اعمار الوطن ....... مسؤولية لاتنتهي عند حدود معينة بل بحاجة الى ادامة مستمرة وعلى طول الفترة لاي حكومة عراقية منتخبة ، وكذا مسؤولية رفع مستوى دخل الفرد العراقي اقتصاديا ووضع الخطط والبرامج الاقتصادية التي تساهم على استقرار النمو الاقتصادي لهذا الفرد العراقي هي ايضا مسؤولية بحاجة الى متابعة ومراقبة مستمرة من قبل اجهزة الدولة ومؤسساتها الاقتصادية وهكذا حتى يؤدي كل منا واجبه امام الله وامام المجتمع وامام هذا الوطن العزيز ، وليأخذ فيما بعد ذالك كل منا حقه في هذه الحياة !.ان هذه النظرة وان كانت تنظر من زاوية مصالح الدولة والسلطة وماينبغي عليها ان تقوم به لتستمر المسيرة العراقية بالنمو ، الا انها ومن زاوية اخرى تنظر للموضوع من زاوية ان الدولة والسلطة والحكم في العراق الجديد هو الابن الشرعي لهذا الشعب ، وليس هو الجسم الغريب والمفروض بقوة الحديد والنار على الامة حتى ننظر بسلبية لهذه الدولة ، بل ننظر بايجابية لسلطة الدولة والحكم في العراق الجديد على اعتبار انه جهاز شرعي وله رصيد شعبي يوفر له الاهلية والقانونية بان يمارس دوره بايجابية ، ومن هنا كان التعبير السياسي في العراق الجديد مختلفا بين ان نكون من الساعين الى اسقاط الحكم اللاشرعي وباي وسيلة وبين ان نكون من المساندين لهذه الدولة وبكل قوة على اعتبار انها خيارنا الشعبي وربما تكون شعاراتها هي نفس شعاراتنا التي نتطلع اليها في بناء الوطن السعيد !.

يذكر في علم السياسة انه : ان اردت اسقاط دولة وسلطة وحكم ، فلاتذهب بعيدا لتقيم حربا ربما تفشل في اسقاط هذه الدولة ، ولكن يكفي لك ان تحاول اسقاط شعارات هذه الدولة فحسب ، بان تحرف مسارها عن الوصول الى اي من شعاراتها المعلنة ، وسوف تنهار هذه الدولة من الداخل وهذا هو الانتصار الحقيقي !.

نعم الدولة والحكم في العراق الجديد رفع شعارات كبيرة تبدأ في اعمار العراق لتنتهي عند اعمار الانسان ، وهناك الكثير من اعداء العراق الجديد سيبذلون الكثير في سبيل اسقاط شعارات العراق الجديد لتسقط الدولة العراقية الجديدة عند مواطنيها ومن الداخل ، فعلى جهاز الحكم في العراق ان يلتفت الى هذه النقطة وليبدأ بالخطوة الثانية خطوة الاعمار ليفشل محطط الارهابيون الجدد !.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك