( بقلم : طالب الوحيلي )
اتخذ النظام البائد من اصدار القوانين الجائرة وسيلة سهلة لقهر أبناء شعبنا العراقي ،ولاسيما منهم ابناء الجنوب والوسط ،فاصدر العديد من القوانين العقابية القاسية ،ناهيك عن منهجيته في تنفيذ اشد الوان العقوبات عبر محاكمات صورية او بدونها في اغلب الأحيان ،وما يهمنا في هذا الشأن القوانين ذات الصلة بحق الملكية وخصوصا الملكية الزراعية ،فاستثمر قانون الإصلاح الزراعي على غير الأهداف التي صدر من اجلها ،فيما اصدر قانون تنظيم الملكية الزراعية في مشاريع الاستصلاح رقم 42 لسنة 1987 ،وهو في ظاهره قانون ايجابي يسعى الى معالجة الأراضي الزراعية غير المستصلحة والاستيلاء عليها بعد دفع بدلات يرى انها مجزية ،او بدائل من عقارات اخرى ،بيد ان حقيقة الامر هي ما شاع من فشل متجذر في معالجة ذلك النظام للمشكلة الزراعية وعلى لسان المقبور صدام نفسه حين اعترف امام وسائل الاعلام بما معناه بانه اكتشف بعد اكثر من عشرين عاما بفشل سياسته الزراعية بمناسبة حصول ازمة البصل التي حدثت في العراق في بداية التسعينيات من القرن الماضي .
لقد تدخلت سياسات ذلك النظام كثيرا في تفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة لأبناء الوسط والجنوب بما تتصف به أراضيها من خصوبة قل نظيرها في العالم ،فهي موطن الخصب والثراء البيئي والطبيعي ،وقد اتخذ تلك السياسة دون أي وجه حق لتتحول الى معسكرات للجيش ومناطق محرمة عسكريا بعد ان اقتطع أفضل تلك الأراضي ليضع عليها مراصده ووحدات مقاومة الطائرات والسواتر الهائلة الحجوم ،فيما كانت قضية الاهوار اشد تلك السياسات هولا و تجنيا على البيئة وعلى نمط الحياة وخصائصها في المجتمع الجنوبي الذي تماهت عاداته وتقاليده مع تلك البيئة الغارقة في عمق التاريخ والشاهدة على فجر سلالاته وأساطيره ،كونها كانت موطن (اتونا بشتم) الاسم الذي يقترن بالنبي نوح (ع) حسب الأساطير العراقية القديمة ،وقد يطول بنا المقام كثيرا لو اردنا سبر اغوار تلك الاهوار وما تضمخت به من دماء المجاهدين وثورتهم على طاغية العصر ،مما اجبره على محاولة تجفيفها وتسويرها بأرض قاحلة شوهت معالمها بسبب طبيعة الإجراءات التي أريد منها تغيير معالم الطبيعة فيها .
وعودة لقانون تنظيم الملكية الزراعية في مشاريع الاستصلاح رقم 42 لسنة 1987 ،فهو يمنح وزير الزراعة وبالتنسيق مع وزارة الري بتحديد الاراضي التي يشملها حكم هذا القانون مهما كان وصفها بما فيها أراضي الإصلاح الزراعي الموزعة والمتعاقد عليها ،ويجري ذلك ببيان ينشر مرتين في احدى الصحف اليومية في بغداد وفي الإذاعة العراقية ويعلن عنها في مراكز الوحدة الإدارية التي يقع فيها المشروع (مادة 2) .
عين التعسف ان تنتزع املاك وحقوق المواطن قسرا ودون رغبته ،حتى ولو كان في ذلك ترضية له ،كون تلك الحقوق تتعدى الماديات لترتبط معنويا بمالكها ووجوده فيها . نجد ان المادة (4) من هذا القانون تنص على ما يلي (تعتبر الأراضي المملوكة للأشخاص او المثقلة بحق تصرف لهم أو الموقوفة المشمولة بأحكام هذا القانون مستولى عليها بتاريخ أول نشر للبيان بالجريدة اليومية وتستثنى من ذلك البساتين التي تتوفر فيها شروط البستنة وفق قانون الاصلاح الزراعي إلا إذا تعارض ذلك مع تصاميم المشروع).فيما جاءت المادة (5) مؤكدة لهذا التعسف بحيث تكون حاكمة لتصرفات المزارع او مالك الارض .فتوجب على على الجهات المنفذة للمشروع وعند البدء بتنفيذها اعمال الاستصلاح تنبه ذوي العلاقة بعدم زراعة الاراضي او غرسها او احداث اية منشآت فيها ، ولها ان تسمح لا أصحاب الأراضي المستولى عليها والمزارعين فيها بالاستمرار باستغلالها بما لا يتعارض مع تنفيذ اعمال الاستصلاح ، كما يحق لها إتلاف اية مغروسات او مزروعات او قلع اية منشآت تحدث بعد التنبيه خلافا لتصميم المشروع ،ولا يستحق صاحبها أي تعويض .وبذلك تتحول يد المالك الشرعي الى يد غاصب فيما تبقى رقبة الأرض وتصرفاته محكومة بذلك القانون ومنن استولى به عليها .
التعويضات التي اوجبها القانون المذكور وان كانت مجزية بعض الشيء ،للكنها في حقيقة الامر بنيت على الغصب ،لتخلف ركن الارادة للطرف الثاني وهو مالك الارض ،فهي من عقود الإذعان ،كون المزارع او الفلاح لا ارادة له في رفضها اوفرض شروطه فيها ،وحين ينتفي ركن الرضا يتحول ذلك الى غصب .لذا ينبغي مراجعة هذا القانون ،وبحث الجدوى الاقتصادية والاجتماعية له ،وايجاد البدائل المنطقية في احداث ثورة زراعية حقيقية تنطلق من مالك الأرض والمغارس والمزارع على وفق إرادته التامة ،فيما يجري التدخل من خلال تسخير كافة الإمكانات الحكومية من مكننة ودراسات بحثية وإعلام مدروس لخدمة الارض وزارعها كونها مصدر الخير والثروات جميعها..
https://telegram.me/buratha