المقالات

التجربة العراقية بين تنازع الاضداد وتوطين عوامل الثقة بين الفرقاء

1404 00:46:00 2007-11-18

( بقلم : طالب الوحيلي )

انتهاء مرحلة سياسية او اقتصادية في زمن ما وفي دولة ما ،لابد ان يخلف ارثا كبيرا من التراكمات النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا يمكن زواله بين ليلة وضحاها او حسمها بضربة سحري كما يقال ، ولو اخذنا بلد كالعراق مثلا يمكن ان نجد فيه انموذجا لتجربة مهمة في العالم، فعلى المستوى النفسي تتنازع الافراد اكثر من نزعة مابين الرضا بالتغيير الحاصل او الرفض القاطع والتشبث بماض غابر املا في عودته ،فيما يكون ثالثهما من يترقب الحدث بانتظار الافضل له ،وهو يتعاط مع الاشياء من باب الاختيار او المراهنة ،وفي كلتا الحالتين فانه سوف يكون اما راضيا بالخلاص من ذلك الماضي بعد ان وجد البديل الايجابي ،او متحسرا عليه بعد ان ياس من ما يرمي او يطمح اليه في المرحلة الجديدة .

وكل هذه النزعات تحكمها فضلا عن العامل السايكولوجي ،عوامل مادية مؤثرة كالواقع الاقتصادي ،حيث تنحسر عنه تلك الامتيازات الرفيعة التي تآلف معها فاولاها انتماءه ...فيما يجد الآخر وقد تنفس الصعداء بعد ان عاش ردحا من الزمن وهو محروم من كل متع الحياة وعاش تحت خطوط الفقر والحضارة ،وهو مستلب القوة والارادة ،محاصر بادوات القتل والتعسف والتنكيل ،لذا فانه حتما سوف ينتصر للعهد الجديد ويجعل من نفسه قاعدة لفعله الشعبي ،وبين هذا وذاك يمكن ان نرى عنصر ثالث يحتاط لنفسه كثيرا فيوازن بين مصلحته الاقتصادية وبين تقبله اورفضه لهذا التغيير الساسي الجديد .

اما بالنسبة للتراكمات الاجتماعية ،فانها اصلا تتماهى مع كافة عناصر التغييير ،ومع مكوناته البشرية العامة ،فلا بد من ظهور اكثر من نزعة في هذه الناحية فيسع الطرف المهزوم الى استثمار الخواص المكونة للمجتمع ،من ذلك التكتلات المذهبية ،لتحيلها الى تجييش طائفي يصل حد الاقتتال الضاري باتجاه انفجار الحروب الاهلية ،مقابل تكتلات مذهبية اخرى او قومية كانت خاضعة لمعادلة الحكم غير العادلة ،وتلك التكتلات تتلمس اهداف معينة وعلى وفق عدد من الخيارات ،فما تنجرف الى ردود الافعال المقابلة ما يؤدي الى احاث فوضى عارمة بدل التطلع الى رغبة البناء الحضاري والقانوني ،لتفتقد فيما بعد سمة الانتصار وطعمة ،بعد ان تجد نفسها وجها لوجه مع الخوف والرعب والضياع واللهفة خلف ابسط مقومات الحياة ،وذلك جوهر اجندة القوى المضادة للشعب سواء كانت في الداخل ومكوناته وتحالفاته ،او في الخارج كحواضن لها اذ ليس من مصلحة الكثير من الانظمة المجاورة التغيير اذا ما كان غير منسجم مع طبيعة تلك النظم وايديلوجياتها ،وحتى التنظيمات الاجتماعية العفوية ،كالقبائل والعشائر ،حتما تقع تحت تلك المؤثرات بل قد تكون ادواتها الخطيرة ،او الطريق الى معالجة عوامل الخوف لتتمكن من ملئ الفراغات الامنية والقانونية التي لا بد ان تتسع بسبب انهيار منظومات الامن والقضاء التي تحتمها تلك المتغيرات الحادة كونها كانت تمثل الوجه النظامي لحماية المؤسسة الحاكمة ،وتقمصها صورته بما فيها القضاة وقواعد الضبط القضائي وادوات تطبيق القانون الذي سخر تماما لخدمة مصلحة النظام ،ولا غرابة في ذلك انطلاقا من كون السلطة التشريعية هي مركز القيادة التنفيذية وراسها ، حيث الحاكم الديكتاتور او الرمز المقدس المغرق بصنميته الدموية .

قد نتندر بحادث صادف حكم احد الساسة في العالم بعيد ان القت الحرب العالمية الثانية اوزارها ،اذ كان الفساد الاداري قد عم ذلك المجتمع ،سال عما اذا بلغ التربية والتعليم والقضاء ،ولما كان الجواب بالنفي ،تفاءل كثيرا واعلن قدرته على استعادة البلاد من تلك المخلفات القاتلة ،ما دامت هاتان المؤسستان سالمتان من تلك الافة البغيضة ،لذا فينبغي تقصي حقيقة سلامة هذين المرفقين ، اما السلطة التشريعية فانها تحتكم ايضا الى طبيعة النظام الجديد ،وهي في جميع الاحيان انعكاس للمجتمع الجديد الذي يقتضي وضع قوانين مناسبة لبناة الفوقية والتحتية ،والقيام بثورة شاملة لتصحيح او تعديل او الغاء تلك التشريعات الظالمة للاغلبية والراعية لديمومة النظام السابق وخدمته ،لان بقائها يعد حالة نشاز تضر المرحلة وتتقاطع مع المتغيرات ،فالقانون هو انعكاس لفلسفة النظام السياسية ، بغض النظر عن التفاوت في التعددية البرلمانية ،لان مصلحة الفرد تنصهر في مصلحة الجماعة ،ومصالح الاكثرية قطعا اهم من المصالح الفؤوية مع ان المجتمع العراقي مثلا لم ينقسم الى مجتزءات حادة بل تنسجم فية الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية ،الا اذا اريد من التعددية السياسية اللعب على وفق اجندات حزبية تراهن على تبني التقاطع المذهبي او القومي وذلك محل المشكلة العراقية في المرحلة الجديدة رغم سعي القوى المتصدية والتي تفوقت في المعركة الانتخابية ،لمحو تلك التقاطعات عن طريق بذل ما يوفر الثقة المتبادلة مع القوى التي لم تنتصر على نفسها في انتزاع هواجس الماضي ،حتى بعد تاسيس النظام الدستوري الجديد ،حيث يقول السيد عمار الحكيم بهذا الصدد : من المعلوم ان الدستور قد وضع الأساسيات العامة، ولكننا نتحدث عن مواقف يومية، وهذه الآليات التفصيلية قد لا تكون واضحة في مجمل الصورة التي رسمها الدستور العراقي في ادارة البلاد، هذا من جانب ،

ومن جانب آخر لايمكن ان نتجاهل طبيعة الهواجس والمخاوف التي تعيشها كل الأطراف ، فهناك من يعيش هاجس الماضي وهناك من يشكك بجانب من الدستور لأجل توسيع صلاحياته ، وهناك من يعيش هاجس المستقبل من بعض المواد الدستورية ظناً منه انها لم تلبي كافة الاحتياجات والمتطلبات ، وبالتالي قد لاتكون كل الأطراف تنظر نظره متوازنه تجاه الدستور وهذا ما نلاحظه حتى في الأداء الحكومي وفي البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية ، فالجميع أجمعوا على هذا البيان والكل وقعوا عليه ودخلوا في حكومة الوحدة الوطنية على أساس برنامج محدد فلماذا يشعر البعض ان هذا البيان لم يلبي احتياجاته ، وأنا اعتقد ان الحل الحقيقي يحصل حينما تزرع الثقة بشكل صحيح وواسع بين كل الأطراف العراقية وحينما ندافع عن مطالب الآخرين ونحولها الى مطالب وطنيه كما ندافع عن مطالبنا وهذه الفكرة التي يعبر عنها القرآن بالأيمان ببعض والكفر ببعض وهي واحدة من المشاكل التي تواجهنا ، فنحن نستند الى فقرات وندافع عنها ونتمسك بها وكأنها كل الدستور والاخر يستند الى فقرات اخرى وكانها كل الدستور والحقيقة ان كل هذه الفقرات هي الدستور.من هذا المنطلق ينبغي ان تسود فلسفة عراقية جديدة تستطيع تحكم الواقع وتؤسس لعلاقات انسانية تحل محل ذلك تلك الهواجس التي تتشعب بتشعب الرؤى والنزعات التي تتنازع الافراد والجماعات ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك