المقالات

ماذا يريد الإنكشاريون منا؟

1440 15:26:00 2007-11-10

( بقلم : ابو مرتضى العسكري )

يتذكر المتذكرون انه إلى جانب الاستفتاء على الدستور في مراكز الاقتراع كانت هناك مراكز موازية في إقليم كوردستان صوت فيها الكورد على سؤال محدد عن رغبتهم بالبقاء مع العراق أو الاستقلال ، وقد نظمت هذا الاستفتاء منظمات غير رسمية وغير حكومية ولا تتبع أي من الحزبين الكورديين الرئيسيين ، هذه المسألة لم تنل حقها من البحث والتحليل في وقتها ليس بسبب عدم أهميتها بل لأنها عمل لم تكن تترتب عليه نتائج رسمية ، غير ان منظموها أوصلوا الرسالة التي يريدون إيصالها إلى الجهات التي رغبوا بإيصالها إليها ، فمن هي الجهات المنظمة؟ وماذا أرادت ان تقول؟ وماذا كانت نتيجة الاستفتاء ؟ ولماذا لم تمنع من قيامها بهذا النشاط؟ وللإجابة يتعين العودة إلى جذور هذه المسألة التي لها اثر كبير بمجمل ما يحصل في كوردستان الكبرى و كوردستان العراق على وجه التحديد . فعندما اندلعت الثورة في مدن وقرى كوردستان العراق يوم 6 أيلول 1961 بقيادة الملا مصطفى البارزاني والتي قد بدأها بتمهيد الأرض لما يريد ان يصيره واقعا دائما ، فحيد العشائر التي كانت على وفاق مع الحكومة آنذاك ، تمهيدا للخطوة الأوسع وهي الانتقال بالعمل المسلح الواسع إلى الثورة ، المهم هو ان الملا مصطفى البارزاني بدأ ثورته تلك دون ان تكون الحدود عائقا او مسالة مهمة وكانت هناك معونة قوية من الأورامانيين وهم كبرى العشائر الكوردية في جنوب تركيا وديار بكر ، فقد تسلل آلاف الرجال في حينها عبر الحدود التركية إلى مدن وقرى كوردستان العراق، وبقي الأورامانيين المعين الذي لا ينضب لإخوانهم كورد العراق ، والأورامانيين هم الفرع الكوردي الرابع من القبائل الكوردستانية الكبرى إلى جانب البحدينانيين والسورانيين واللر الفيليين، ،وعددهم يزيد عن 10 ملايين ، وأيضا وبتبسيط شديد ودون ان نمر على التاريخ نستطيع الأدراك ان منطقة الحدود بين العراق وتركيا لا تملك من المقومات الحدودية شيئا وان حدود هذه الحدود بلا حدود على حد وصف الرئيس مسعود البارزاني في لقاء أجرته ( العربية) معه يوم الثلاثاء الفائت31ـ10ـ2007 ، وهكذا أصبح مفهوما ان تطور الوعي القومي عند الأكراد جعل الكثير من الكورد سواء العراقيين أو غيرهم و بالأخص بعد الدعم الدولي الذي حصلوا عليه في عام 1991 والذي استطاعوا من خلاله تشكيل إقليمهم شبه المستقل في العراق لمدة 13 عاما أسسوا فيها مقومات تقترب من الدولة ، يتصرفون بالواقع وفقا لمفهوم الأمة ، ونشأ حق عام وان كان غير مكتوب لكنه يحظى بمقبولية واعتراف شعبي مؤداه انه للكوردي من اينما كان الحق ان يعيش ويعمل وينشط في كوردستان العراق، ومن بين مظاهر هذا الحق النشاط السياسي ، وحق الملاذ، بل وحق المشاركة في القرار السياسي لكوردستان العراق ، وقد كان حزب العمال الكوردستاني التركي PKK بارعا في هذا الشأن مستغلا الدعم الأوربي فأسس في كوردستان العراق واجهة حزبية له هي بالحقيقة الفرع العراقي له وحزب الحل الديمقراطي الكوردي الذي نمى بسرعة وأسس العديد من مؤسسات المجتمع المدني في محافظات اربيل ودهوك والسليمانية كان تلك الواجهة، وهذه المنظمات وحزب الحل الديمقراطي وأحزاب وحركات أخرى مؤتلفة معها، هي التي أجرت الاستفتاء الذي اشرنا إليه والذي كان غير رسمي لكنه جرى بالتوازي مع ذلك الذي جرى على الدستور وكانت نتيجته [ نعم للاستقلال ] وبنسبة تزيد عن 90% لتوصل عدة رسائل إلى جهات عدة ، منها رسالة للجميع مؤداها ان الكورد امة واحدة وان الشعب الكوردي في العراق الذي أتيح له ان يعبر عن رأيه بحرية يقول ذلك وان باقي الكورد في كوردستان الكبرى لهم نفس الرغبة والحق وأنهم سيعبرون عن ذلك إذا ما أتيحت لهم الفرصة سلميا أو بطرق أخرى إذا لم يكن ذلك متاحا ، وكان PKK وراء ذلك كله بسكوت من الحزب الديموقراطي الكوردستاني، وهي رسالة استوعبتها الحكومة التركية وعملت منذ ذلك الحين بقوة على وأد التطلعات الكوردية بقوة وشراسة في حين ان المشكلة الكوردية في تركيا قديمة ولكنها تحت السيطرة، والكورد في تركيا أكثر من 20 مليون نسمة ومع ذلك لم تثر القضية بمثل هذه الحدة سيما وان العسكر الأتراك يمسكون الوضع بقوة .

وهذا الوضع المعقد إلى جانب نمو فيدرالية إقليم كوردستان نموا مضطردا واقترابها من مقومات الدولة كما أسلفنا، يجد له أعداء كثر أ وأول الأعداء هم العسكر الترك الذين يعتبرون حماة تركيا العلمانية وان دخولهم في معركة خارج الحدود سيلجم الإسلاميين الترك المتمثلين بحكومة رجب طيب اردوغان والرئيس عبد الله غول وربما سيمكن ذلك العسكر من الإطاحة بالإسلاميين الذين دفعوا مرغمين دفعا للتشدد قبالة الـ PKK ، وثاني الأعداء هم ساسة التوافق الذين بنوا علاقة (عمل ) مع حزب العدالة التركي الحاكم تمتد إلى الجذور المشتركة للإخوان المسلمين ، فدفعوا الحكومة التركية باتجاه مهاجمة الشمال العراقي كما يسمون كوردستان العراق لفرملة الفيدرالية الكوردستانية ووأدها بعد ان تحولت إلى مثال حي صالح للانتهاج في بقية أنحاء العراق، فبعد ان فقد أولئك الساسة الكثير جراء السياسات الخرقاء التي تورطوا فيها والتي حولت المناطق السنية في العراق إلى كانتونات معزولة، وبعد ان انتبه أبناء العشائر العربية العراقية إلى المنزلق الخطير الذي ازلقهم إليه من صادر قرارهم، نقول بعد هذا كله لم يبق في أيدي أولئك الساسة إلا ورقة التآمر المكشوف فسلكوها بلا تردد أو حياء، ومن علامات تآمرهم الإيحاء بان التركمان العراقيين هم طابور خامس للأتراك وتمخض عن هذا الإيحاء تأزيم الأوضاع في كركوك ومدن كثيرة يتواجد فيها التركمان واغتيل بأياد مجهولة عددا من الناشطين التركمان خصوصا من الأحزاب القومية التركمانية أو من العاملين في الحقل الإعلامي التركماني القومي ، العدو الثالث أو العامل الثالث هو العامل الأمريكي والذي دخل العراق لأسباب وثبت وجوده لأسباب أخرى غير تلك التي أعلن انه دخل العراق من اجلها ، وإذا كانوا مقبلين على شيْ ما ضد إيران فان من مصلحتهم توريط الأتراك في إقليم كوردستان العراق وهو الذي تشغل حدوده أكثر من نصف الحدود العراقية مع إيران ، وإذا كان الأتراك قد امتنعوا عن المشاركة بالحشد الأمريكي ضد صدام في 2003 فلا مناص أمامهم الآن إلا مشاركة أمريكا في أي جهد مضاد لإيران إذا أرادوا التخلص من مشكلة التمرد الكوردي في جنوب الأناضول وضمان سكوت أمريكا عن توغل واسع النطاق في كوردستان العراق لهذا الغرض.

إذا الصورة كما يلي : ميدانيا وفي كوردستان العراق الـ PKKوالأحزاب الأخرى التي تعمل هناك أكلت الكثير من جرف الحزبين الرئيسيين وكلاهما يرغب بتقليم أظافر PKK ولكن ليس من خلال السماح بوأد التجربة الفتية للفيدرالية الكوردستانية في شمال العراق التي يبدو أنها على وشك ان تجهض عبر مسرحية الـتخلص من الـPKK ، ومطالب العراقيين سيما في الوسط والجنوب بتطبيق الخيار الفيدرالي نظاما للحكم عبر الدستور الذي صوتوا عليه بالملايين على وشك ان تؤجل إلى سنين طوال وربما إلى آجال بعيدة، والساسة التوافقيين الحالمين بعودة الأمور إلى ما قبل 9ـ4ـ2003 كما قال الرئيس مسعود البارزاني بالمقابلة التي اشرنا إليها بالمقدمة باتوا في منتصف الطريق إلى ذلك بعد ان اعتقدوا أنهم نالوا مكاسبا ميدانية باستعداء الأتراك على الكورد عموما.فإذا كانت الصورة كما وصفنا فان مواقف العراقيين تتبع لنمذجتها ، فالكورد كشعب وساسة متوحدين تماما بخوفهم على المكاسب التي حققوها بتضحيات جسام وبإجادتهم الاستفادة من الظروف الدولية التي خدمتهم لأول مرة وليس من المحتمل ان تخدمهم في كل مرة وتغيير الظروف سيعيدهم إلى ما قبل المربع الأول وسيفقدون الفرصة التاريخية ، و باتوا أكثر استعدادا من أي وقت مضى للتخلص من الـ PKK من خلال اتفاق سلمي أو عبر عملية جراحية تحفظ للعسكر الأتراك ماء وجههم وهيبتهم وتؤدي بمدى ليس ببعيد إلى التخلص أيضا من الإسلاميين الأتراك الذين لا ترغب أوربا بهم حكاما في خاصرتها الجنوبية وبسببهم امتنع الإتحاد الأوربي عن قبول تركيا في عضويته وبسببهم أيضا ترسخت أزمة الهوية في تركيا التي باتت كالغراب الذي وقف على قدم واحدة ضنا انه يشبه اللقلق وطار بلا صفيف يحسب انه نسرا فلا صار نسرا ولا وقف كاللقلق .

والأحزاب القومية التركمانية،متهمة من القيادات الكوردية العراقية بأنها صنيعة للحكومة التركية وتتلقى تمويلا من المخابرات التركية لا تخفي تعاطفها مع العسكر الأتراك ويجدون في هجوم تركي مرتقب على كوردستان العراق فرصة لتقوية وضعهم، وجولة في صحافتهم ومواقع الانترنيت التي تتحدث باسمهم تفصح أنهم ليسوا على وفاق مع الكورد العراقيين على طول الخط وان النزعة الطورانية تجد مساحة مهمة في هواهم، بعكس التركمان الشيعة الذين حسموا خيارهم بالوقوف مع إخوانهم الشيعة العرب والكورد معتبرين ذلك الموقف هويتهم الوطنية الحقيقية وهو ما أكدوه من خلال الكثير من الممارسات التي لم تنل استحقاقها من البحث والتشخيص والتوجيه والتغطية الإعلامية

أما الصف الشعبي وبعد ان أفاق على هول الحماقات التي أوصله الساسة التوافقيون الذين تصدوا للعملية السياسية أو الذين عارضوها على حد سواء ومع انه منشغل الآن بترتيب أوضاعه فان ما يحصل على الحدود الشمالية يعيد إلى ذاكرته آلاف التوابيت الملفوفة بعلم الثلاث نجوم الذي يصر القومجية على بقاءه رمزا لطغيانهم ووطنيتهم الجوفاء ، وإذا سمعنا كلاما من هنا أو هناك في وسائل الإعلام ، فهو هواء في شبك وزوابع في فنجان لا يترتب عليها أي موقف ، والمهم لديه هو الخلاص من الطغمة التي تسللت إلى القرار الوطني وسرقت تمثيل شريحة مهمة من العراقيين والبحث عن البدائل القيادية غير الموجودة الآن بالساحة الرسمية والتي فقدت مصداقيتها تماما ولم يعد لها تأثير إلا بالأوساط التي تعمل معها لدوافع مادية ليس إلا. و الأصوات النشاز التي مازالت تسمع في الساحة العراقية وهي منطلقة على الأعم الأغلب من الراسب ألبعثي.

غير ان المشكلة تكمن في الوسط والجنوب ، فلم يع البعض حجم الخطر الذي ينتظره، وعلى الرغم من ان الهدف الثاني للغزو التركي إذا حصل هو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء كما يعمل على ذلك الساسة التوافقيين بلا كلل مدعومين من محيط عربي وإسلامي وبقبول أمريكي بدافع المصالح، ويعزى سبب ذلك إلى ان رواسب الـ 35 سنة من الفكر الشمولي ما زالت تعشش في كثير من العقول التي لم تهضم بعد فكرة ان ينال الآخرين استحقاقاتهم الإنسانية ومن بينها الحق الخاص باختيار أسلوب الحكم المناسب لهم في إطار الوطن الواحد، إلا انه ما زال الكثيرين مع الأسف لا يفهمون ما الذي يحاك ضدنا ؟ وما زالت جهات متعددة تثقف بالاتجاه المضاد للفيدرالية مع أنها الطريق الأقصر للوحدة الوطنية ، مرتكبة بذلك آثاما بحق مستقبلنا لن يغفرها لها التاريخ ، وبديهي ان ينتج عن ذلك التثقيف موقفا رجراجا من مسالة الحشود التركية وما سيتبعها من عمل عسكري محتمل ، وبعض الجهات التي تعمل بالوسط و الجنوب تخلط بين الفكر القومي و إسلاميتها المفترضة ، وتريد ان تقف على مسافة متساوية من كل الاتجاهات والمصالح والرغائب ، والنتيجة أنها تبقى واقفة في ذات المكان بلا تقدم ، مما يعتبر بالحسابات السياسية نكوصا مادام الآخرين يتقدمون باضطراد نحو أهدافهم ، وهم أيضا بذلك يساهمون وعن عمد بإضاعة الفرصة التاريخية التي تبدو كحفنة رمل في أيدينا، ونسمع من بعض تلك الأوساط خطابا تعبويا يذكرنا بالخطاب التعبوي ألصدامي الأجوف الذي قاد البلاد إلى كوارث الحروب ومآسيها يزعق بالوحدة الوطنية وصيانة البلاد وحرمة ارض العراق دون ان يضع هذه الدعوات موضع العمل الميداني.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك