( بقلم : محمد الوادي )
تثار في هذه الايام ضجة قديمة جديدة ومفتعلة حول خطورة انهيار سد الموصل والذي كان يسمى سابقا قبل سقوط الصنم ب " سد صدام " . هذا السد تم بنائه في النصف الثاني من عقد الثمانينات , ومنذ بداية انشائه كانت الدراسات المحلية والعالمية تشير الى عدم صلاحية الموقع لبناء السد بسبب نوعية التربة المقام عليها اضافة الى اسباب فنية اخرى . لكن نظام الصنم وماعرف عنه من غباء وجهل في التاريخ و الجغرافية اصر على اقامة هذا السد وغيره من السدود في خلال فترة حكم الزمرة الطائفية وفي مناطق ومحافظات معينة على وجه الخصوص وذلك لحسابات ضيقة الافق ليس هنا مجال الخوض فيها , لكن بالتاكيد تسجل نقطة سوداء اخرى في سجل هذا النظام الاجرامي والطائفي .
الغريب العجيب في عراق اليوم عندما يراد تحميل حكومة السيد المالكي وهي عمرها حوالي فقط خمسة عشر شهر , كل سلبيات وجور التاريخ في العراق , والتي امتدت في حاضرها القريب الى ثمانية عقود من الحكم الطائفي والعنصري المتفرد دون وجه حق شرعي او قانوني او حتى واقعي على الارض من خلال حكم الاقلية السكانية الى الاغلبية الساحقة . فالصنم قبل ان يدخل حفرته الحقيرة في نيسان 2003 لم يسلم العراق وكانه مثلا جنيف او باريس او روما او حتى دبي او الكويت وغيرها من دول الخليج . بل انه انه ترك بلدا مخرب ومدمر ويعاني من ضعف شبه مميت في البنى التحتية في الكهرباء والماء والاتصالات وحتى التربية والتعليم والصحة والمواصلات والاهم من ذلك البنية التحتية لنفوس العراقيين كانت اكثر تدميرا والمآ . لكن للامانة الصنم ترك اكثر من 200 قصر ومئات البيوت التي كلف بنائها مليارت الدولارات من ثروات العراقيين خاصة في وقت الحصار وهذه القصور والبيوت حقيقة الامر ورغم كل هذه المليارات فهي تعبر عن ذوق غاية في الفاشية والنرجسية والديكتاتورية وغاية في البذخ والفقر الذوقي المفرط . وللامانة ايضا ترك الصنم قبل ان يدخل حفرته مئات التماثيل والاصنام وملايين الصور واللوحات لشخصه في الشوارع والمدن العراقية . لكنه ايضا وللامانة ترك العراق وهو بحاجة كبيرة ل 8000 مدرسة ابتدائية ولعشرات الكليات . ناهيك عن بعض المحافظات لم تكن فيها اصلا كلية او جامعة مثل العمارة والناصرية والسماوة مع مفارقة بسيطة ان كل ثروات العراق النفطية تقع في هذه المدن الجنوبية !!
وبعد كل هذا وغيره الكثير ياتي من يفقد بصيرته او من اصاب العمى ضميره ويطلب من السيد المالكي ان يحول العراق الى جنة الله في الارض . والرجل استلم اصعب مهمة في الكرة الارضية حيث الارهاب وبقايا حثالات الصنم اضافة الى الذين خسروا السلطة الباطلة والذين ارعبتهم نتائج الانتخابات . ناهيك عن وجود فساد مالي واداري في داخل اجهزة الحكومة نفسها مع معضلة توخر اي علاج مضاد لان هولاء الفاسدين مدعومين من كتلهم البرلمانية التي حولت الحكومة الى جمعية خيرية اكثر منها حكومة " وطنية " واصبح البعض الاخر مثل حصان طروادة يحاول ان يهدم البناء من داخل الحكومة نفسها , ناهيك عن وجود قوات التحالف وشركات الامن وغيرها من الامور المصيرية الصعبة . فهل يعقل مثلا رئيس وزراء ينتمي الى اكبر قائمة برلمانية غير قادر على اختيار وزرائه او اقالتهم , بسبب هذا الشعار البائس الذي اسمه " حكومة الوحدة الوطنية " !! كل هذا بالاضافة الى التدخلات الاقليمية والعربية في العراق وبشكل مباشر من خلال المال او دعم الارهاب . ان في عراق اليوم الكثير من المشاكل المستعصية والجوهرية وقد يكون سد الموصل احدها وتستوجب هذه المشكلة الكبيرة بالذات الرصد والمتابعة الدائمة , لكن لايمكن تحميل كل مشاكل العراق التاريخية الى شخص المالكي فحسب واعفاء الاخرين تحت اعذار في اقل وصف لها انها مضحكة . لان مثل ذلك ان حصل وهو فعلا حاصل الان . فانه يؤدي الى نتائج غير متشابهة حيث يكون الجميع في المناصب والامتيازات لكن في تحمل نتائج اعمال الصنم والارهاب و غيرها تكون فقط من حصة المالكي . وهنا تبرز الحاجة الكبيرة والقوية للبحث عن الحلول الستراتجية لتعديل ليس مسار الحكومة فحسب بل كل البلد . فاما الجميع يتحمل مسؤوليته في المركب او كلا ينزل في الميناء الذي يناسبه . فالانتهازية والاستهداف الموجه الى شخص السيد المالكي سوف لن ينتهي حتى بعد ان ياتي من يخلفه , طالما كان رئيس الحكومة هذا وغيره من الفئة التاريخية من المظلومية التي مورس بحقها اشد انوع القتل والبطش والاقصاء الطائفي على مدى كل تاريخ العراق والزمر التي حكمته . وهذا ايضا يضيف مسؤوليات اخرى على المالكي من خلال اصراره الذي يجب ان يكون واضحا على اختيار وزراء ومستشارين اكفاء له بغض النظر عن حزبيتهم او غيرها من العوامل الاخرى . ولان التاريخ يتعامل مع النتائج وسوف لن يبحث الكثيرين حينها عن مثل هذه التفاصيل والاشخاص والجبهات التي تسبب عوق للعملية السياسية في البلد .
ان في عراق ماقبل وبعد سقوط الصنم الف والف مشكلة مثل مشكلة سد الموصل . ومثل هذه المشاكل في الوقت الذي يجب التعامل معها بحرص وجدية كبيرة من الحكومة العراقية الحالية . فانه بذات الوقت على اصحاب الاصوات الانتهازية الشاذة التي بدات تنعق وتتباكى على سد " صنمهم " ان يتذكرون جيدا وبشكل مستمر ان هذه واحدة من بركات وخيرات " قائدهم الضرورة " الذي حطم العراق وحوله الى خربة اسمها بلد . وقبل ان يذرفون دموع التماسيح ان يتذكرون جيدا ان هذا ليس سد المالكي . بل هو سد صدام الذين يتباهى البعض ببنائه وانجازاته العظيمة في العراق . وهذه نكته اخرى تضاف الى النكات المسخة التي تعودنا على سماعها بعد نيسان 2003 .
محمد الوادي
https://telegram.me/buratha