فازت "كلينتون" بالنقاط، بحصولها على ٦٠.٨ مليون مقابل ٦٠.٢ مليون صوتاً، وفاز "ترامب" بالضربة القاضية بحصوله على ٢٩٠ "مندوباً"، وحصولها على ٢٣٢ مندوباً، حسب اخر الارقام المعلنة. فجاءت النتيجة صدمة لمؤسسات الاستطلاع، وللدول.. فكما حصل في "البريكزت" وقررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، فان "الترامبية" انتقمت من الطبقة السياسية الامريكية بجناحيها الديمقراطي والجمهوري، ولمنهجيهما، ومن "الليبرالية المغالية". صوت لـ"ترامب" ٨٪ من السود، و٢٩٪ من "الاسبانيك" (امريكا اللاتينية)، و٤٢٪ من النساء، و ٥٣٪ من الرجال، ، مقابل ٨٨٪ للسود و ٦٥٪ للاسبانيك و٥٤٪ للنساء و٤١٪ لـ"كلنتون".. وصوت لـ"ترامب" ٣٧٪ لفئة (١٨-٢٩سنة)، و٤٢٪ (٣٠-٤٤سنة) و٥٣٪ من (٤٥-٦٤سنة)، وما فوق. وحصلت "كلنتون" على ٥٥٪ (١٨-٢٩) و٥٠٪ (٣٠-٤٤) و٤٤٪ (٤٥-٦٤ سنة) و٤٥٪ وما فوق. ففي ٢٠٦٠ سيصبح البيض غير "الاسبانيك" أقلية (٤٣.٦٪) مقابل ٦٢٪ اليوم.. وبين ٢٠١٤-٢٠٦٠، سترتفع اعداد "الاسبانيك"، والسود، والاسيويين من ١٧.٤٪ و١٣.٢٪ و٥.٤٪ الى ٢٨.٦٪ و ١٤.٣٪ و٩.٣٪ على التوالي. فالخوف الابيض صوت لـ"ترامب"، وللعودة برؤية جديدة لمبدأ "مونرو" (عزلة امريكا منذ منتصف القرن ١٩ ولمنتصف ٢٠)، خلافاً لما صرح به وزير الخارجية "كيري" في تشرين الثاني ٢٠١٣ امام "منظمة الدول الامريكية" ان "عهد مونرو قد انتهى".. وحافظ الجمهوريون اغلبيتهم في مجلس الشيوخ بحصولهم على ٥١ مقعداً مقابل ٤٨ للديمقراطيين.. وفي مجلس "النواب" بـ٢٣٨ مقابل ١٩٣.
يجب عدم الاستهانة بالزخم "الترامبي".. فنتائجه تبين انه يعرف من اين تؤكل الكتف.. فاستغل فوضى وقلق الاغلبية البيضاء غير "الاسبانيك".. فاخطأت استطلاعات الرأي، وفشلت سبر اغوار النفوس الخائفة والمتمردة على ساستها، والتي عاقبتها بورقة الانتخابات السربة. فكثيرون لا يجاهرون بعنصريتهم وخوفهم، فهناك من تجرأ وصار لسان حالهم، وكشف الكثير من الاوراق ضد خصومه.
داخلياً وللفترة الاولى، قد يستطيع "ترامب" ادامة زخمه، وتعزيزه اذا ذهب لامور اساسية مقبولة، وابتعد عن الخلافيات الشديدة. يستطيع مثلاً تعديل النظام الضريبي.. وسيؤيده الجمهوريون وبعض الديمقراطيين. وستحظى دعواته –العنصرية- في موضوعات الهجرة استجابة من الغالبية لما توفره من فرص عمل.. وسيجد تأييداً لشعاره "اجعلوا امريكا عظيمة مجدداً".. "امريكا اولاً" Make America Great again .. America First في اعادة بناء البنية التحتية والقدرات التكنولوجية. وقد يساعده التقدم -ولو النسبي- في الممكنات، وصياغة خططه كرئيس دولة في طروحاته الاكثر جدلية، معدلة، او بحكم المؤجلة، بمقاسات الدولة والمؤسسات، وليس كمرشح في حملة انتخابية.
خارجياً، رحبت التيارات اليمينية المتطرفة الاوروبية و"نتنياهو" بالفوز، واصاب الاخرون القلق. فـ"ترامب" يطالب اوروبا (واليابان وكوريا الجنوبية) ودول الخليج تحمل نفقات حمايتها. لكن هؤلاء جميعاً يعيشون صعوبات اقتصادية معقدة. وبدون الوصول لتوازنات جديدة محددة فان تداعيات مهمة قد تحصل، خصوصاً ان تخلت امريكا عن التزاماتها في "مؤتمر المناخ"، واتبعت سياسة متفردة خارج مصالح الاخرين.
بالمقابل قد تتحسن العلاقات الروسية الامريكية بعد غزل الحملة الانتخابية ومساعدة روسيا لـ"ترامب" بتسريبها معلومات "الانترنيت" ضد "كلنتون"، وموافقته على مصالح روسيا في القرم. فاذا استطاع "ترامب" و"بوتين" اعادة دور الدولتين العظميين لضبط الفوضى العالمية والاقليمية، ومواجهة الارهاب، فان سياسة "ترامب" قد تنظم البوصلة مع اوروبا وحلفاء امريكا، وسيكون للصين دوراً لتحالفها مع روسيا، والعلاقات المتجذرة مع امريكا. وقد ينجح "ترامب" في ضبط صراعات الشرق الاوسط، عبر توافق روسي امريكي، يؤسس لتوافق ايراني/تركي/خليجي.. اما اذا استجاب لـ"نتنياهو" بنقل السفارة الامريكية للقدس ودفن مشروع الدولتين، وتنصل عن الاتفاق النووي مع ايران، فهذا سيعني تداعيات جديدة، والمزيد من التدخل، وهو بالضد من مبدأه الرئيس بتخفيف اعباء امريكا.
صرح السفير الامريكي في بغداد ان السياسة الخارجية الامريكية في العراق لن تتغير.. اذ اتجهت هذه السياسة زمن بوش للتدخل الواسع، وتنصلت عن اية التزامات في فترة اوباما الاولى، وعادت للاهتمام منذ عامين. هذا اولاً، والامر الثاني هو اهتمام "ترامب" بالطاقة "الاحفورية" (النفط، الفحم والغاز) الامريكية، مما سيعني المزيد من النفط.. وتخمة الاسواق وانخفاض الاسعار. فلندرس مجمل الاحتمالات والتطورات على ضوء الافعال الحقيقة وليس كلام الحملات، فنحن اصحاب علاقة ومصالح مباشرة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha