( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
لم يحظ الشعب العراقي طيلة تاريخه السياسي بفرصة التعبير عن نفسه، كالفرصة التي سنحت له في هذا العهد، وقد تجلى ذلك اكثر من غيره خلال انتخابه للجمعية الوطنية التي كتبت له أول دستور دائم شهدته البلاد على وفق تجربة ديمقراطية لم تشهدها المنطقة العربية من قبل ،وقد تأكد له هذا الدور خلال عملية الاستفتاء العام على هذا الدستور حيث كان الفعل المعبر عن الفهم والإدراك العميق لأهمية ان يشعر بأنه قد كتب دستوره بيده حقيقة وحكما،وانه من متطلبات بناء دولة القانون التي حرمته منها أنماط الأحزاب الشمولية والأحكام العرفية القاهرة له فكان أسير أهواء زمر طائفية الغرض الأول منها تهميش الأغلبية وإبقاءها مجرد تابع ووقود لمحرقة الحروب والموت غيلة والقتل الجماعي،وتلك الأنماط مازالت لم تنفك تلاحقه عن طريق الحرب المباشرة في أيامه الغابرة،ومن خلال الجرائم الإرهابية التي ضلع بها في الوقت الحاضر والتي استهدفت وجوده وشخصيته المعنوية، بعد ان تحالفت كافة مكونات تركة المؤسسات الأمنية للنظام المقبور و بقايا حزب البعث الصدامي مع قوى التكفير المحلي والوافد من خلف حدود وحواجز الجغرافيا والتأريخ .
تلك القوى لم تأل جهدا في التصدي لقوى الشعب المجاهدة عبر مسارات ومكامن متعددة أهمها استخدام وسائل القتل والدمار ضد الأفراد والممتلكات العامة والخاصة إضافة الى الدخول القلق في المحاور السياسية المتاحة له من العمق العربي ،علها تتمكن من إعاقة تقدم العملية السياسية بتهويل بعض الظواهر المفروضة، وتشويه الحقائق ،والتباكي على وهم العودة لظلم العراقيين ،فكانت تجاهر بالطعن بالقوى المجاهدة والمناضلة وتحاول النيل من تأريخها المعارض لصدام ونظامه ،او تطعن بطبيعة تكوين هذا الشعب الذي أثبتت الأيام والوقائع مستوى تكويناته وحجم كل منها بما لا يقبل اللبس والإيهام ،او تدخل العملية السياسية بازدواجية ممنهجة قوامها الرفض الإعلامي لكل شيء من جهة ،والسعي الحثيث من اجل الحصول على أغلى المكاسب الإدارية او القيادية ..كل ذلك يقف حائلا دون تطور الشعور بجدوى المنجزات الديمقراطية التي تحققت في مرحلة ما بعد سقوط الطاغية ،بما في ذلك مصير الدستور الدائم الذي استفتى عليه الشعب بأغلبية اكثر من ثلثي الناخبين،مما يمنحه قوة وشرعية قانونية لا نظير لها في العالم ،الا في العراق وما عشعش من غربان سود في ذاكرة الذين لا يتصورون عراقا بدون حرابهم وسيوفهم التي تقطر بالدماء وراياتهم المشؤومة، فتجد سياسييهم وهم يبحثون عن بدائل الاستحقاق الانتخابي مرة او يرفضون أي خيار عادل او يبحثون عن إنشاء مؤسسات الغرض منها النيل من صدقية الدستور الدائم بعد ان كثر تلويحهم بالمطالبة بتعديله او تغيير اهم مبادئه،الأمر الذي اعتبرته المرجعية الدينية خطا احمر لا يجوز التجاوز عليه،وحين نقول ان زمان الدساتير المؤقتة قد ولى الى الأبد ،فلنا في الدستور الدائم ما يمتاز به من إقراره لاستقلال السلطات الثلاث وعدم التدخل بقدسية هذا الاستقلال مهما كانت الظروف ،فإذا كان مراد الكتل السياسية في تشكيل لجان وطنية من أي نوع ،فان عليها ان تحترم هذا الدستور جملة وتفصيلا ابتداءا،وان تكرس كل طاقاتها من اجل صيانة وحماية وفرض الإرادة الدستورية لان الدستور هو أساس البلاد وهو مصدر السلطات وهو الكتاب الذي خط بدماء ملايين شهداء العراق الأبرار.فيما تعد من بشائر الخير توجهات البعض ممن هم خارج العملية السياسية في التمسك بمبادئ الدستور مما يعني قبولها به ،والحقيقة هي ان هذا الدستور وضع وصادق عليه الشعب بأغلبية ثلثي المحافظات ،ينتظر عددا من القوانين المكملة والتي تمنحه شكله النهائي ،ولا يتم ذلك الا في تظافر الجهد الوطني و تجاوز لخلافات باتجاه ترصين هذا الدستور ليكون أساس بناء دولة القانون ..
https://telegram.me/buratha