المقالات

ألداء العضال (القومية)


( بقلم : عدنان الخفاجي )

هناك قصة قديمة فيها درس مهم حصلت في الصدر الاول من الاسلام وبوجود النبي صلى الله عليه وآله ، حيث ان التآلف الكبير الذي حققه الدين الانساني الاسلامي بين اكبر قبيلتين متصارعتين لعقود من الزمن الاوس والخزرج ،فقد الف الاسلام مابين قلوبهم وامات اضغان الجاهليةوالتعصب الاعمى بعد تأريخ دموي طويل بين القبيلتين اريقت فيه الدماء وانتهبت الاموال وسبيت النساء  وألف مابين  قلوبهم ،لو أنفقت مافي الإرض جميعاً ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم

اغتاظ اليهود اشد الغيظ من هذا والتآخي الذين طالما غذوا هذه الخلافات وساهموا في إطالة امدها لتبقى لهم اليد الطولى في يثرب ،ولكن آمالهم تحطمت على صخرة الاسلام فأصبح القتال فيما بين القبيلتين محرما وتوجه سلاحهم إلى قتال اعداء الاسلام من المشركين واليهود وغيرهم وشرعوا يدا بيد ببناء المجتمع الاسلامي الجديد وإرساء قواعد هذا الصرح العملاق وشعرت اليهود إنها تفقد قوتها شيئا فشيئا بوجود هذا الدين الجديد الذي الغى في فترة وجيزة كل الخلافات والحميات الجاهلية ،فذات مرة كان احد رجال اليهود وهو شيخ طاعن السن ممن يكنون للاسلام الحقد الدفين كان مارا في المدينة فرأى حال فتية يثرب الجديد من الصفاء والاخاء والأُلفة فغاظه ذلك ولم يستطع ان يخفي غيظه فقال بحرقة (لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لاوالله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار فأمر رجلا يهوديا ان يدخل بينهم ويثير مادفن من النعرات القبلية ويذكرهم بحروبهم السابقة والدماء التي سفكت بينهم ،ففعل ذلك الرجل ماأمره ،فأخذ  يذكرهم بأشعارهم وماقيل من الطرفين ضد الآخر في يوم بعاث والسرارة وغيرها حتى وثب الرجل منهم على الاخر وتطاير الشرر من عيونهم وقال احدهم لصاحبهإن شئت رددتها جذعاً فغضب الفريقان حتى قالا إرجعا السلاح السلاح ٠٠ فتواعدوا في مكان وحملوا السيوف والرماح وكادت ان تكون وقعة جديدة تلغي كل جهود النبي صلى الله عليه وآله واصحابه فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله فأسرع إليهم ووقف بين الفريقين مناديا

يامعشر المسلمين اتدعون الجاهلية وانا بين اظهركم بعد إذ اكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم امر الجاهلية والف بينكم فترجعون الى ماكنتم عليه كفارا الله الله فرجعوا إلى انفسهم وادركتهم رحمة السماء فجعل يعانق بعضهم بعضا ٠يتضح من هذا المشهد التاريخي إن اخطر مرض يصيب جسد الامة الاسلامية ويفتك بها هو العصبية القبلية او القومية ،وقد عرف اعداء الاسلام هذا الامر وشرعوا منذ فترة طويلة بحقن الافكار القومية والعصبيات في جسد الامة الاسلامية ،طالما حاربها الاسلام منذ فجر بزوغه ياأيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم

فانظر الى مقولة السلطان عبد الحميد الثاني ( علينا ان نعترف ـ بكل اسف ـ ان الانجليز استطاعوا بدعايتهم المسمومة ان يبثوا بذور القومية والعصبية ان اول بادرة قومية رسمية ظهرت في عالمنا الاسلامي عام ١٨٧٥م على يد جمعية بيروت العربية التي اسسها خمسة من المسيحيين خريجي الجامعة الاميركية في بيروتولهذا يقول (مايلز كويلاند) احد اعمدة المخابرات الاميركية في الخمسينيات في كتابه (لعبة الامم) ان فكرة القومية العربية ولدت وترعرع دعاتها في الجامعة الاميركية في بيروت٠فدعمت الحكومة البريطانية الحركات العربية ضدالحكم التركي مثل الشريف حسين في الحجاز والشام عام ١٩١٦م بما يسمى الثورة العربية وكان لها ما ارادت ولكن بعد ذلك ازاحة عائلة الشيف حسين عن الحجاز وجاءت بعائلة آل سعود لاسباب غير واضحة آنذاك ،وقد توضحت فيما بعد٠ ٠اما في تركيا فقد تمخضت المخططات البريطانية عام ١٨٨٩م بتأسيس الحزب القومي الترك(حزب تركيا الفتاة) وتوجت اعمال هذا الحزب بانقلاب عام ١٩٠٨م والذي غير مجرى النظام الاسلامي في تركيا بخلع السلطان عبد الحميد الثاني من الحكم عام ١٩٠٩م وبذلك طويت صفحة الحكم الاسلامي التي دامت لقرون،وحل محلها الحكم القومي والدساتير الاوربية الجديدة (التنويرية!) التي من اهم اسسها هو وضع الاسلام كنظام حكم ودستور على الرف على يد كمال  اتاتورك

فعندما وقف كرزون ـوزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم ـ يستعرض ماجرى في تركيا ،احتج بعض النواب الانكليز بعنف عليه واستغربوا كيف اعترفت انجلترا باستقلال تركيا التي يمكن ان تجمع حولها القوى الاسلامية مرة اخرى وتهجم على الغرب ،فاجاب كرزون لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم،لاننا قضينا على قوتها المتمثلة في امرين الاسلام والخلافة فصفق الحضور وسكتت المعارضة٠يقول المستشرق جبالاسلام دينا لم يفقد الاّ القليل قوته ،لكن الاسلام من حيث هو الحكم الفاصل في شؤون الحياة الاجتماعية في العالم الحديث يزاح عن عرشه الآن،اذ ان قوى جديدةالى جانبه او فوقه تمارس سلطة هي احيانا مناقضة لتقاليده وقواعده الاجتماعية،لكنها مع ذلك تشق طريقها عنوه

اذن فإن اخطر الاخطار واكثر الاسلحة فتكا في جسم الامة الاسلامية هو القومية،وقد حقن الاستعمار الغربي البريطاني او الفرنسي هذه الجرثومة قبل رحيل قواته عن الاراضي الاسلامية فابتليت الشعوب بحكام خونة،القومية هي اول شعاراتهم وهي مرتكز حكمهم فهم ذيول الغرب بدأً من عبد الناصر ومرورا بصدام والقذافي وغيرهم وكلهم يلوك نفس الكلمات وينادي بالقومية ووحدة الامة العربية التي لم تتوحد يوما تحت شعار قومي ،نعم ربما توحدت فترة من الزمن في ظل راية الاسلام التي قام هؤلاء بتمزيقها ٠

فما ان يبدأ بلد ما بالاستقرار واستجماع قوته ،حتى يبدأ معه خلق ودعم حركات واحزاب تحت مسميات وطنية او دينية وشراء نفوس رخيصة من البلد او ذاك ،فمثلا من الحركات الوهابية والسلفية والبهائية والقيدانية والاحمدية فهي حركات قومية بغطاء عقائدي تقوم بنفس دور الاحزاب القومية كحزب البعث العفلقي الذي هو آخر جراثيم المختبر البريطاني٠ وما يحصل الان في العراقخير مثال على ذلك ،فما  لبث ان شم هواء الحرية الحقيقي بعد زمن طويل من القمع وتكميم الافواه حتى تكالبت عليه الاحزاب القومية (لااقصد كل الاحزاب تقوم بدور سلبي) والحركات الدينية التطرفة كالوهابية والسلفية لتقوم بدورها المهيأة له ،بتمزيق الشعب وزرع العداوةوالكراهية فيه فهذا مجوسي وآخر صفوي وفارسي وهندي ٠٠٠ على اساس عرقي وتصدر فتاوي القتل الجماعي ( في سبيل الله)٠اما الشخصيات الحزبية كالضاري والدليمي وعلاوي فدورها الدعم الاعلامي والمادي وغير ذلك، وكلما خمدت نار الفتنة ،قلبوا الرماد بحثا عن لهب طائفي قد يكون تحتها ٠٠٠٠نفس الاسلوب والاحداث تتكرر عبر مئات السنين في الامة الاسلامية ،فهل نستيقظ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك