محمد الشمري
تفصح الاحداث الاخيرة التي حصلت في العاصمة بغداد، عن عمق الازمة التي يعيشها العراق عبر سنوات، والتي هي في جوهرها ناتجة عن سعي البعض من القوى السياسية الى ابتلاع الدولة العراقية او اجزاء منها، تحقيقاً لتطلعات واهداف، البعض منها اقتصادي، أو قومي، أو طائفي، أو عائلي، واحياناً شخصي.
ان تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ نشوئها عام ١٩٢١، يؤكد ان تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولعل اقرب تجربة مريرة حصلت هي تجربة النظام السابق، التي وصل خلالها العراق الى ان عائلة واحدة ارادت ابتلاع العراق بالكامل، واصبحت النهاية معروفة للجميع.
المشكلة دائماً في تلك المحاولات انها لا تدور في نطاق النخبة السياسية، على الاقل كما كان عليه الحال في العهد الملكي، ولكنها تستغل التعدد الاجتماعي والفكري الذي يتصف به الشعب العراقي، وتستثير التناقضات الكامنة فيه، لايجاد مرتكزات قوة لتلك القوى في ازاء الاخرين، ولعل ذلك كان واضحاً في اللعب على الثنائيات، شيوعي-قومي، اسلامي-علماني، عربي-كوردي، بعثي-لا بعثي، سني-شيعي، ومؤخراً فوضوي-نظامي، دون أدنى مراعاة لحدود المصلحة الوطنية ولا لحرمة الدماء والاعراض.
لعل البعض يرى أن تلك النتيجة هي من ارهاصات غياب الهوية الوطنية، والبنية الهشة لمؤسسات النظام السياسي، وتمكن الفساد منها، وغياب النضج لدى الفاعلين السياسيين، وهي وغيرها كلها عوامل جوهرية، ولكن ينبغي النظر الى تلك العوامل في ضوء اعتبارين اساسيين:
الاول: ان بناء الهوية الوطنية وتقوية مؤسسات الدولة واقتلاع جذور الفساد هي ليست قرارات سحرية يمكن ان تتحقق بين ليلة وضحاها، وانما هي عملية بناء مستمرة كان ينبغي التأسيس على تراكماتها عبر سنوات طويلة.
الثاني: ان انجاز تلك المتطلبات هي نتاج سلوكيات القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المشهد العراقي، وعلى نحو تكاملي، مع امتلاك رؤية وطنية مشتركة.
لقد شهد العراق عام ٢٠٠٣ تحولاً جذرياً عن مجمل المراحل السابقة، وكان يمكن أن يمثل الدستور الحد الادنى للرؤية المشتركة المطلوبة، الا أن انقسام القوى السياسية الفاعلة افضى الى ما نحن فيه اليوم.
الانقسامات اصبحت معروفة وعميقة، ولكن الانقسام الابرز هو بين معسكرين، الاول معسكر استحواذي لم يستوعب دروس التاريخ وتصور أنه يستطيع ان يبتلع الدولة العراقية، وآخر واقعي ادرك ان التنافس بين مشاريع عدة لبناء الدولة هو المدخل لبقاءه وتحقيق اهدافه، أي أنه يوازن بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة.
ان استمرار المعسكر الاول بنفس سلوكياته سيقود البلاد بلا شك الى مستوى من الفوضى يتجاوز بمراحل الانتكاسات التي حصلت منذ عام ٢٠٠٦ وحتى الان، وهو ما لن تقف القوى الاخرى الاجتماعية والسياسية مكتوفة الايدي ازاءه، ويبقى القرار بيد الاغلبية الصامتة من الشعب العراقي خصوصا انها ستكون الضحية الاولى له، ولات حين مندم.
https://telegram.me/buratha