بقلم: فارس حامد عبد الكريم نائب رئيس هيئة النزاهة العامة
مهمة القضاء الاساسية تحقـيـق الــعـــدل فـى المجتمع وتطبيق وتفسير القوانين على الحالات التى تعرض امامه ، ويتمتع القضاء في الدولة القانونية بأستقلال عن باقي السلطات في الدولة حتى يتمكن من تحقيق مبدأ المساواة امام القانون ، ويباشر عمله بحيادية ومن دون تردد أو ضغط ، بما يضمن حسن سير العدالة . وتتكون هذه السلطة من الهيئات القضائية من المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وهيئات الادعاء العام والاشراف العدلي . ويمارس القضاء رقابة بموجب الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال المحكمة الاتحادية العليا (المحكمة الدستورية كما تعرف في اغلب دول العالم ) ومحكمة القضاء الاداري ، التي تختص بالنظر في مشروعية القرارات الادارية الصادرة من مختلف الجهات الادارية ، ويمارس القضاءكذلك الرقابة على ذاته من خلال رقابة محكمة التمييز على القرارات والاحكام الصادرة من مختلف المحاكم .ان من أهم الضمانات الاساسية لقيام مجتمع مدني ، يقوم على مبدا سيادة القانون ، وجود سلطة قضائية مستقلة في عملها عن السلطتين ، التنفيذية والتشريعية ، بحيث يكون القاضي في ممارسته لوظيفة القضاء حرا ومحايدا في اتخاذ قراره . ونقصد بأستقلال القضاء استقلاله كمؤسسة ويتجسد ذلك في استقلال القضاء اداريا وماليا وفي سلطة اتخاذ القرار ، وأهم مظهر لأستقلال القضاء هو انشاء مجلس للقضاء يتولى ادارة شؤون العدالة وشؤون القضاة من حيث التعيين والنقل والعزل دون تدخل من السلطات الاخرى . ان استقلال القضاء عامل اساسي من عوامل مكافحة الجريمة والفساد ورد المظالم . ولكي يكون القاضي مستقلا ، يتوجب توفير ضمانات اساسيه له ، منها ،ان يكون هناك نظام قانوني خاص لتعيين القضاة ، ونقلهم ،وترقيتهم ،ويتولى ذلك مجلس يتم تشكيله من هيئات قضائية يتم تحديدها وفقا لأحكام القانون وأن يكون مرتبه كافيا .كما انه يتوجب تحصين القاضي من النقل والعزل ، الا وفقا للقانون ، حتى لايكون ذلك وسيلة ضغط على القاضي ، كما ويجب اختيار من يتولى القضاء بعناية خاصة ممن شهد لهم بالكفاءة العلمية والنزاهة والاستقامة ، لان جهل القاضي بالقانون وبمبادئه العامة وعدم نزاهته مدعاة للظلم وضياع الحقوق .واذا كنا نتحدث عن استقلال القضاء، أواستقلال اية سلطة عن الاخرى ، فأننا لانقصد الاستقلال المطلق ، فمثل هذا الاستقلال سيؤدي في النهاية الى انهيار الدولة وعجز مؤسسات الدولة عن اداء واجباتها بشكل طبيعي، ، اما الاستقلال النسبي فهو الذي يتيح امكانية الرقابة المتبادلة ،( فالسلطة توقف السلطة ) كما يذهب مونتسكيو ،على ان تكون هناك رقابة متبادلة بينها منعا لتعسف اي سلطة من هذه السلطات في استعمال الصلاحيات المقررة لها، ان الرقابة المتبادلة بين السلطات في الدولة لا تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، لان مبدأ الفصل بين السلطات لايعني في صورته القانونية الحديثة ، الفصل المطلق بين السلطات كما فهم في تطبيقاته الاولى ، اذ تحكمه حاليا فكرة النسبية ، فلا يوجد فصل مطلق ولا استقلال مطلق لاية سلطة من سلطات الدولة عن السلطات الاخرى ، واستقلال القضاء محكوم بهذه الفكرة ايضا فالأصل انه لا يجوزالتدخل في شؤون القضاء او التأثير على احكامه بأية صورة من الصور ، الا ان استقلال القضاء ليس مقصودا لذاته ، بل هو شرط لضمان تحقق العدالة ، ولذا تتيح فكرة الاستقلال النسبي امكانية الرقابة المتبادلة والتعاون بين هذه السلطات ، و يتيح الاستقلال النسبي صلاحيات قانونية لاي سلطة من السلطات تجاه السلطات الاخرى ، كسحب البرلمان الثقة من الحكومة او حل البرلمان من قبل الحكومة واعادة الانتخابات وصلاحية القضاء في الغاء القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المخالفة للدستور وصلاحيته في الغاء القرارات الادارية المخالفة للدستور او للقانون . ولكي لايتحول القضاء بدوره الى مؤسسة دكتاتورية تؤدي الى تخريب العملية السياسية ودون ان تراعي في احكامها، ولو كانت عادلة وموافقة للقانون، المصلحة العامة وطبيعة العلاقات الدولية ، فأن رقابة السلطة التنفيذية والتشريعية على سلطة القضاء تمثل صمام الأمان لذلك ، ومن مظاهر هذه الرقابة اشتراك السلطة التنفيذية والتشريعية في تعيين وعزل رئيس مجلس القضاء بعد ان يرشحه مجلس القضاء وكذلك الامر في حالة تعيين اعضاء المحكمة العليا ، وفي حق رئيس السلطة التنفيذية في اصدار العفو العام او الخاص وفي التوقيع على احكام العقوبات القصوى ، وفي استئذان وزير العدل بشان اتخاذ الاجراءات القضائية بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة الدولية ، وهذه الامثلة تعبر عن مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطات المختلفة ، فالاستقلال نسبي لامطلق ، وهذا يمثل افضل الحلول ، ذلك ان الاستقلال المطلق لاي سلطة من السلطات يقودالى الفساد والى نشوء نوع من الدكتاتورية المؤسساتية التي تفقد التعاون اللازم بين هذه السلطات مرونته بعدم اخذ اي سلطة من هذه السلطات الاعتبارات التي تهم السلطة الاخرى بنظر الاعتبار. فالرقابة المتبادلة تمثل الحد النسبي لاستقلالية اي سلطة ، فقد يصدر القضاء، مثلا ، حكما عادلا ولكنه يتعارض مع مصلحة الدولة السياسية، كأن يؤدي الى ازمة اجتماعية أو ازمة دولية ، وهنا يأتي دور رقابة السلطة التنفيذية من خلال اصدار العفو وغير ذلك من اساليب الرقابة المتبادلة .وجاء في الفقرة (1) من المادة (11) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ( نظرا لأهمية استقلالية القضاء وماله من دور حاسم في مكافحة الفساد،تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمباديء الاساسية لنظامها القانوني ودون مساس بأستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين اعضاء الجهاز القضائي. ويجوز ان تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز القضائي . )وبما ان استقلال القضاء ليس مقصودا لذاته ، بل هو شرط لضمان تحقق العدالة ، لزم الامر وجود ضمانات اجرائية ومباديء موضوعية ينص عليها في صلب الدستور تضمن تحقق العدالة ، ومن الضمانات الاجرائية : مبدأ شخصية الجريمة والعقاب ، مبدأ عدم جواز المحاكمة أو العقوبة مرتين على ذات الفعل ، مبدأ علنية المحاكمة ، حق المواجهة بين الخصوم ، حق الطعن في الاحكام ، مبدأ أن لايضار الطاعن بطعنه ، مبدأ أن تجري المحاكمة من دون تأخير ... .ومن المباديء الموضوعية : قرينة براءة المتهم حتى تبت المحكمة في الدعوى ،لاجريمة ولاعقوبة الابنص قانوني يحدد بدقة ووضوح السلوك محل التجريم ، عدم رجعية القانون الجنائي ، تطبيق القانون الاصلح للمتهم ، ضمان الحق في الدفاع وحرمته ، مبدأ تناسب العقوبة مع جسامة الفعل .... .مظاهر الرقابة على اعمال السلطة القضائية في القانون العراقي:سبق البيان بأن استقلال القضاء ، وفقاً للفكر القانوني الحديث ، ليس استقلالاً مطلقاً بل هو استقلال نسبي حاله حال استقلال السلطات الاخرى ، والرقابة المتبادلة بين السلطات المختلفة هي التي تمثل الفرق بين الاستقلال المطلق والاستقلال النسبي . ومن مظاهر هذه النسبية والرقابة في القانون العراقي نص المادة (136/ ب) اصول التي توجب استئذان الوزير المختص بشأن احالة الجرائم المرتكبة اثناء الوظيفة او بسسبها الى القضاء . واستئذان وزير العدل قبل تحريك الشكوى الجزائية بشأن الجرائم الواقعة خارج العراق (المادة 14) عقوبات ، وصلاحية رئيس الجمهورية بالعفو عن مرتكبي الجرائم (المواد 153-154) عقوبات . وتعيين القضاة بمرسوم جمهوري وغير ذلك من مظاهر الرقابة المتبادلة .يتضح مماتقدم أن الرقابة المتبادلة لاتتعارض البتة مع استقلال القضاء ، فلا علاقة لهذه الرقابة بتقرير البراءة او الادانة . ، لانها تتعلق بأجراءات قانونية تمثل نقطة توازن مشتركة بين اعمال السلطات المختلفة حيث يبقى تقرير الحكم ( البراءة او الادانة ) في النهاية بيــــد القضاء .موقف الدستور العراقي من استقلال القضاء :كان نص المادة الثالثة والاربعون فقرة ( أ) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد حصر مفهوم استقلال القضاء في تقرير ( براءة المتهم او ادانته وفقاً للقانون من دون تدخل السلطتين التشريعية أو التنفيذية ....) بالقضاء . الا ان المادة (88) من دستور جمهورية العراق قد وسعت من نطاق هذه الاستقلالية حيث نصت على انه ( القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولايجوز لاية سلطة التدخل في القضاء او شؤون العدالة ) والحال ان هذا النص قد وسع من مظاهر استقلال القضاء العراقي بحيث منع السلطتين التشريعية (مجلس النواب ) والسلطة التنفيذية من التدخل في القضاء او شؤون العدالة، وهذه تعبيرات مرنة تقبل تفسيرات واسعة عند تنفيذها على شكل تشريعات.ويلاحظ ايضا ان رئيس مجلس القضاء الاعلى هو ايضا رئيس المحكمة الاتحادية العليا ، وهذا بخلاف ماموجود في كل دول العالم ، حيث تكون المحاكم الدستورية مستقلة عن السلطات الثلاث في الدولة ، لانها مسؤولة عن النظر في مدى دستورية تصرفات هذه السلطات .كفـاءة نظـام العدالـة :لايعمل القاضي بمفرده في سبيل تحقيق العدالة أذ يقوم نظام العدالة اضافة للقضاة على جهود المحامين والمحققين والاعوان والخبراء . وترتبط مهنة المحاماة بحماية الحريات العامة وحقوق الانسان وتأمين الحق في الدفاع . وينبغي ان تتمتع الاجهزة المعاونة للقضاء بمستوى عالي من الكفاءة والخبرة والنزاهة ، فالفساد الذي يصيب مهنة المحاماة او اعوان القضاء ستكون له نتائج سلبية على امر تحقيق العدالة في المجتمع .ومن المهم ايضا ان تأتي العدالة في وقتها المناسب ، فالتأخير والبطء في التقاضي من شأنه ان يترك اثارا سلبية على الاقتصاد والمجتمع ، اذ يعتبر القضاء البطيء عائقا في وجه نمو الاستثمار الوطني والاجنبي ، ويساهم في استشراء ظواهر العنف والانتقام الفردي وقلة استعداد الناس للجوء الى القضاء .
https://telegram.me/buratha