ضرب الإرهاب مرّة اخرى عاصمة أوروبية اخرى صباح هذا اليوم الثلاثاء (22 آذار/ مارس 2016), إذ استهدفت ثلاث تفجيرات مطار العاصمة البلجيكية بروكسل ومحطة مترو الإنفاق فيها, مخلفة عشرات القتلى والجرحى. وتأتي هذه الموجة من التفجيرات في اعقاب العمليات الإرهابية التي اجتاحت العاصمة الفرنسية باريس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي,وأدت الى سقوط مئات القتلى والجرحى وتبنّى مسؤوليتها تنظيمداعش الإرهابي.
ولايبدو أن مثل هذه العمليات الإجرامية في طريقها الى التوقف, ولايبدو كذلك ان الأجهزة الأمنية الأوروبية المزوّدة بأحدث التقنيات, بالقادرة على الحيلولة دون وقوعها ولأسباب مختلفة, ومنها إنتشار عشرات الخلايات الإرهابية النائمة في مختلف دول الإتحاد الأوروبي, والتي يتم تحريكها وفقا لمخطّط مرسوم تروم اطراف مختلفة تحقيق عدة اهداف عبره, ولعل أحد اهم تلك الاهداف هو تحميل الدين الإسلامي مسؤولية هذه الأعمال وبالتالي تشديد الضغوط على المسلمين في اوروبا وفتح الباب واسعا امام نمو وازدهار الحركات العنصرية المتطرّفه في أوروبا.
لكن اللافت في الحملات الإعلامية التي تعقب مثل هذه العمليات في أنها لا تبحث عن جذور هذه الجماعات الإرهابية, بل وتتحاشى التطرق الى خلفيتها الفكرية, وتكتفي وسائل الإعلام الغربية في الإشارة الى انها جماعات إسلامية متطرّفة. وإذا ماستثنينا تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين ومقالات بعض الكتّاب, فإن تلك الوسائل وكذلك المسؤولون الأوروبيون يتحاشون ربط الجماعات الإرهابية بالسعودية ويصرّون على النأي بانفسهم عن أي إنتقاد للسعودية على هذا الصعيد.
ومما لايخفى على القاصي والداني ان العقيدة الوهابية الرسمية في السعودية تتبنّاها الجماعات الإرهابية الإسلامية في العالم, وفي طليعتها تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي. كما وان ممارسات هذه التنظيمات وخاصة على صعيد حزّ الرؤوس وفرض تعاليم متزمّتة لا تختلف عن مثيلتها داخل السعودية.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الإرهابيين السعوديين لهم حضور قوي في الجماعات الإرهابية ومنهم الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن, كما وان 16 شخصا ممن نفّذوا التفجيرات الإرهابية في مركز التجارة العالمي عام 2001 هم سعوديون, فضلا عن مئات إن لم نقل آلاف الإرهابيين السعوديين الذين ينشطون في سوريا والعراق. وتشير تقارير العديد من مراكز الأبحاث الدولية وتصريحات مسؤولين أوروبيين الى أن السعودية تعتبر مموّلا رئيسيا للإرهاب ومن هؤلاء نائب المستشارة الإلمانية ميركل.
ولايقتصر الدعم السعودي للجماعات الإرهابية على هذا الصعيد, بل تعدّاه ليصل الى حد إعداد وتربية الإرهابيين. فالسعودية تموّل عشرات المساجد المنتشرة في مختلف انحاء العالم وخاصة في اوروبا, وهذه المساجد تروّج للفكر التكفيري المتطرّف الذي يستحل دم كل مخالف للعقيدة الوهابية, ولقد تربّى على هذا النهج المتطرف الآلاف من الشباب المسلمين ممن يعيشون في اوروبا وفي انحاء مختلفة من العالم, بل وشمل حتى أولئك المتحولين من المسيحية الى الإسلام, الذين تلقفتهم تلك المساجد التي تنشر التعاليم الوهابية المتطرفة وبدعم مباشر من السعودية تحت ذريعة الترويج للإسلام.
كل هذه الحقائق يعرفها الأوروبيون قبل غيرهم وخاصة الحكومات الأوروبية, الا انها وللأسف تصرّ على تجاهلها وعلى عدم الجهر بالأسباب الحقيقة التي أدّت الى نشوء هذه الموجة الإرهابية والأفكار التي تقف خلفها ومن يمولها ويروّج لها. واما السر في ذلك فهي المصالح الإقتصادية التي تربط تلك الدول بعائلة آل سعود الحاكمة. فالسعودية هي واحدة من اكبر مستوردي السلاح في العالم, وان سياساتها النفطية تخدم مصالح الدول الغربية بالمقام الأول, كما وان الحروب التي تشعلها السعودية في المنطقة لا تخدم سوى الشركات المصنّعة للسلاح.
لكن هذا الصمت الغربي الذي يقف خلفه التحالف الوثيق مع نظام آل سعود العائلي والذي ينتهك أبسط حقوق الإنسان, ستكون له تداعيات خطيرة على اوروبا. فالإرهاب مستمر بضرب قلب أوروبا التي تقف متفرجة وتحاول صرف الأنظار عن المسبّب الحقيقي لبروز هذه الجماعات الإرهابية ومن يموّلها ويمدها بالرجال والمال. ويوما بعد آخر تثبت قوانين وطرق مكافحة الإرهاب فشلها , لأنها لا تمسّ جوهر المشكلة بل تتعاطى معها بشكل سطحي. فحل قضية الإرهاب يبدأ من الغرب وعبر فكّ تحالفه الإستراتيجي مع السعودية, وعبر موقف دولي حازم يعتبر فيه الوهابية فكرا إرهابيا محظورا, وكذلك عبر فرض عقوبات على السعودية وحتى تكف عن دعم تلك الجماعات, وبغير ذلك فإن أوروبا ستدفع ثمناً غاليا لمحاباتها للسعودية, ولإعطائها اولوية لمصالحها الإقتصادية وعلى حساب الدماء التي تريقها الجماعات الإرهابية وعلى حساب أمن المجتمعات الغربية.
https://telegram.me/buratha