( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين )
يصاب الزائر لمحافظات الوسط والجنوب بالذهول وهو يرى هذا التخلف الذي يعيش فيه ابناء اغنى مناطق العراق.. ويحار في تفسير مفارقة في غاية الغرابة وهي ان الفقر موجود بكثافة لا مثيل لها في اغنى بقاع الكرة الارضية!. ومأساة الفقر والتخلف العمراني في محافظات الوسط والجنوب لم تكن وليدة اليوم بل هي نتيجة للسياسات الاجرامية للنظام البائد الذي عمل كل جهده من اجل افقار اهل الوسط والجنوب وابعادهم عن كل مظاهر الحضارة وثمرات عقول المخترعين لاسعاد البشرية.
ولم يكن النظام الصدامي البغيض قد فعل هذا كرهاً باهل العراق في تلك المناطق فحسب، فقد كان يخطط لجعلهم محرومين من كل نعم الحياة، وكان الطاغية يهدف من وراء ذلك الى امرين رئيسيين، الاول: اجبار اهل الوسط والجنوب على الهجرة لكسب العيش في مناطق اخرى بعد ان حرمهم من الصناعة ومنعهم من الزراعة.. والثاني: افقار من يبقى منهم في منطقته الى حد يجعله لا يهتم بما يجري في بلده وبذلك يأمن الطاغية جانبهم كما يتوهم.ومع ان كل حسابات الطاغية وخططه في هذا الشأن قد تبددت وطاشت، فقد ظل ابناء الوسط والجنوب صابرين على فقرهم وتهميشهم من جهة، ومن جهة اخرى واصلوا جهادهم ضد الحاكم المستبد والنظام المتوحش وقد اعجزوه في ان يقهرهم، ولاكثر من ثلاثة عقود من الزمان عانت محافظات العراق الوسطى والجنوبية اشد حالات القهر والفقر والتهميش.. وما ان سقط النظام الصدامي المجرم حتى بدأت تطلعات ابناء تلك المحافظات تتجه نحو الانصاف والمساواة مع باقي المحافظات التي ركز النظام الطائفي على اعمارها خصوصاً وان اهل الوسط والجنوب يعيشون فوق بحار من النفط وكنوز من الثروات المعدنية الاخرى. ولم يطلب اهلنا هناك غير المساواة مع المحافظات الاخرى العامرة ومع محافظات كردستان التي بدأت بعد سقوط النظام البعثي تشهد حركة عمرانية مذهلة.. ثم جاء الدستور الذي ثبت للمحافظات المحرومة في العهد البائد الاولوية في الاعمار والبناء.الا ان سنوات اربع قد مضت والحال ما تزال سيئة الى حد كبير، فالحكومات المتتالية لم تلتفت الى انصاف اهل العراق في وسط البلاد وجنوبها، وكانت الاعذار في كثير من الاحيان هي الاضطراب الامني او عدم وجود التخصيصات المالية، وتلك الذرائع مردود عليها بان الامن مستتب هناك وان الميزانية الحالية قد رصدت مبالغ هائلة للاعمار.
نعتقد ان الاسراع بتنفيذ خطط الاعمار في المحافظات المحرومة لابد ان يكون جدياً وحقيقياً، فاهل هذه المحافظات لهم استحقاق فرضه الدستور، وكل من يحرص على الدستور عليه ان يضعه موضع التطبيق، ولن يفيد كل كلام آخر بخصوص الحرص على خدمة العراقيين المتضررين بالدرجة الاولى اذا لم يتحول هذا الحرص الى فعل وعمل وبناء واعمار وبمعنى اكثر دقة ووضوحاً اذا لم يخضع العراق باكمله لنظام اداري دستوري واحد اساسه الفيدرالية واتجاهاته الحرص على وحدة العراق ولعل المحافظات التسع الواقعة جنوبي بغداد باتت تمثل اليوم الاستحقاق الاقرب لاعلان الاقليم الثاني في البلاد.
https://telegram.me/buratha