( بقلم : المهندس محمد علي الاعرجي )
الكوميديا فرع مهم من فروع فن التمثيل وتحتاج إلى موهبة ومهارة عالية لغرض أداءها وقد يتطلب أيضا وجود عاهة أو علامة مميزة أو شكل معين غير مألوف لدى مؤدي الكوميديا لكي ينجح ويشتهر . كما أن الأداء الكوميدي الجاد يحتاج إلى نص جيد، لأنه بخلاف ذلك يصبح مجرد تهريج وانتزاع للضحك بالقوة .
وقد استفادت الأنظمة الاستبدادية وخصوصا في دولنا العربية من هذا الفن وأشخاصه من اجل التنفيس عن هموم المواطن وإبعاده عن النظر لكرسي السلطة والاكتفاء بقوت يومه هذا إن توفر . وقد ظهر على مر الزمن العديد من مؤدي الكوميديا منهم من اثبت حضورا فاعلا واستمرت أعماله تحظى بالمشاهدة حتى يومنا هذا بالرغم من وفاته .وفي مصر برز الفنان عادل إمام كأفضل كوميدي وبلا منافس لحد الآن، كما برز الفنان دريد لحام أو غوار الطوشي في سوريا وكانت له أعمال فنية راقية استطاعت أن تصل لعموم المشاهدين العرب مثل مسرحية (كأسك ياوطن) .وفي الكويت كان الفنان حسين عبد الرضا كوميديا ممتازا بالرغم من عدم انتشار اللهجة الخليجية وقتها كما هي اليوم .
وحاليا برز بطلا مسلسل طاش ما طاش السعودي واثبتا حضورا من خلال مختلف المواضيع التي يعالجانها، وقد يكون انتشار البث الفضائي قد ساهم مساهمة قوية في انتشار ومعرفة الفنان وبالتالي اشتهاره وهو أمر كان يفتقده السابقون .
والملاحظ على كوميديا الفنان عادل إمام ودريد لحام هو خضوعها لاملاءات السلطة الحاكمة فهي التي تقرر المواضيع التي تعالج أو تنتقد دون الإسهاب أو الارتجال الذي قد يؤدي إلى معاقبة الفنان، والدليل على ذلك هو عدم السماح لغير هؤلاء الفنانين بتوجيه النقد اللاذع للسلطة والسخرية منها على خشبة المسرح أو أمام شاشة التلفزيون .
وعندنا في العراق كانت هناك وجوه كوميدية إلا أن الرقابة الصارمة على النصوص والإعلام بشكل عام أدت إلى عدم اشتهار هؤلاء واقتصارهم على أعمال وقضايا بسيطة مكررة . وقد انتبهت السلطة الصدامية للفن الساخر وقامت بتسخيره لخدمة الديكتاتور والهاء الناس بالفن الرخيص بقصد امتصاص نقمة الجماهير المتفاقمة بسبب الحروب والهزائم والتردي الاقتصادي وغلاء المعيشة الكارثي الذي حل بالعراق أيام حكم صدام الأسود، وهكذا تم تجنيد عشرات الممثلين المغمورين وبعض الرواد مع الأسف للمسرح التجاري وسينما أفلام السكرين حيث أقحمت بعض الفتيات من بنات الريف (الكاولية) إلى مجاميع المسارح في وقت كانت النصوص هزيلة فضلا عن الارتجال والكلمات النابية والسباب والشتائم ومشاهد العري والرقص، كل ذلك ساعد في ازدحام المسارح وصالات السينما وقتها بالمرتادين ومن العوائل في اغلب الأحيان حيث انتشرت الكلمات الساقطة بين الشباب وطلاب المدارس والكليات .
والغريب أن في كل تلك الأعمال لم نجد عملا واحدا يتطرق إلى مظلومية الشعب العراقي أو يوجه انتقادا ولو بسيطا لحاكم بغداد أو زبانيته والسبب معروف طبعا، إلا أن الغريب هو إصرار كتاب النص الهزلي أو الدرامي على استخدام اللهجة الجنوبية وبطريقة تثير الضحك على ابن الجنوب حصرا !!!
وبعد الإطاحة بنظام العوجة الجاهل وتحرر العراق من تلك الوجوه العابسة كنا نأمل أن نرى فنا راقيا يعالج هموم ومعاناة الناس خصوصا بعد رفع كل القيود عن الإعلام والفن ليقول الفنان ما يشاء إلا أننا فوجئنا بهجمة شرسة تبنتها فضائيات معروفة بولائها لنظام صدام واستقطبت معظم مؤدي ادوار الضحك على العراقيين وبنصوص ضحلة تتضمن كلمات وقحة غير مؤدبة الهدف منها تشويه العملية الديمقراطية والانتقاص من رموزها الدينية والسياسية وتحميل مسؤولية الاحتلال وتردي الآمن والخدمات للحكومة الحالية وحدها دون الإشارة ولو بكلمة للفترة الصدامية وللظلم الذي وقع على عموم الشعب وكون هذا النظام هو السبب في كل ما وقع ويقع على الشعب .والآن يقبع اغلب هؤلاء المؤدون أو المرتزقة خارج العراق بعد افتضاح تبعية الكثير منهم لأجندة أعداء العراق، حيث أصبحوا أدوات أو ببغاوات يرددون ما يكتب لهم، وباسم الفن والكوميديا ترى الكثير من التهجم والتصنيف والاستخفاف بالعراق وشعبه وحقيقة هو ليس فنا بقدر ما هو حقدا على هذا البلد وشعبه الذي قبل وهلل ليوم سقوط الصنم .
والمتابع لأعمال هؤلاء المرتزقة سيجدها بعيدة كل البعد عن الفن وأخلاق الفنانين وسيجد الكثير من كلمات وأفعال الزمر الإرهابية والحث على الجريمة والفساد المالي واضحة وجلية في تلك الأعمال فالزعيق والكلام الفاحش ومناظر الاستهتار يصدق عليها القول العامي (يخمش من ط ... يخلي بحلـــ ...) وما يعرض على قناة الشرقية حاليا وخلال شهر رمضان مع الأسف لا يحتاج إلى تعليق .
https://telegram.me/buratha