( بقلم : المهندس محمد علي الاعرجي )
ساقني حظي العاثر لشراء سيارة حديثة بعد طول معاناة مع سيارات (المنفيس) ذات العطلات المتكررة، فضلا عن التحوير الميكانيكي لمعظم تلك السيارات كون اغلبها وردت إلينا من دول شرق آسيا التي تعتمد المقود الأيمن فراحت تفرغ قمامتها في شوارعنا بعد ترقين قيد تلك السيارات في بلدانها لتقادم موديلاتها، كما إن السبب الآخر الذي جعلني كغيري الجأ لشراء السيارات الحديثة (مع ارتفاع أسعارها) هو للخلاص من المسئولية التي تثقل كاهل مقتني سيارة المنفيس لوجود أكثر من مشتري ومع تعدد الوكالات وعدم العثور على مالك السيارة الأصلي أحيانا، هذا إن لم يحصل أي تزوير أو تلاعب في الأوراق الثبوتية للسيارة .
إلى هنا والموضوع طبيعي، ولكنك ستصعق وستلعن الساعة التي جعلتك تقرر شراء سيارة حديثة عندما تعلم إن عليك ضريبة باهظة لابد من تسديدها وإلا تكون سيارتك الجديدة مجرد قطعة أثاث داخل البيت فقط !والضريبة هي ترقين (تسقيط) سيارة قديمة (سكراب أو خردة) ليتم تحويل أرقام سيارة الخردة لسيارتك المصون وعندها فقط تتمكن من قيادتها ورصفها ضمن طابور محطات الوقود القديمة خارج مراكز المدن، فمحطة الكرار الحديثة في مدينة النجف لا تستقبل سيارتك الجديدة لكون أرقامها قديمة !!!!!!! وكل ذلك ليس مهما، فالآن يتوجب عليك اللطم والنوح بعدما تقرر شراء سيارة الخردة، فهذه غير موجودة أو مباحة أو مرمية في زبالة أو مستنقع كما كنا نراها سابقا، لأن سيارات الخردة اليوم تقبع في معارض ومساكن ومزارع محتكري هذه التجارة الذين أجرموا بحق عباد الله، حيث وبعد صدور هذا القرار المجحف تمكن هؤلاء الحيتان من جمع اغلب سيارات الخردة من المحافظات والمناطق النائية وبأسعار بخسة من أصحابها الأصليين وراحوا يبيعونها اليوم بأسعار خيالية تتراوح بين مليون وخمسة ملايين دينار وحسب لون رقم المركبة إن كان ابيض أو اصفر أو احمر .
وعندما تبدأ بتسجيل سيارتك الحديثة في مديرية المرور، ستقوم بإفراغ آخر دينار بقي في جيبك (هذا إن بقي)، في هذه المديرية العامرة بالحدائق وأول ما تفعله هو تسديد رسم اعمار المحافظة البالغ ربع مليون دينار فقط لا غير !!!!!!!!!!!!!!!!!!! والبقية تأتي تباعا ... فمحافظتنا بحاجة للاعمار وجيوبنا أولى بتسديد هذه الفاتورة، وبعدما تنتهي من تسجيل سيارتك المصون ستجد في مديرية المرور من يقول لك مبروك فلا تعبس في وجهه بل قل له (يوم الالك) . بربكم أفتونا وقولوا لنا ماهي الفائدة التي جنتها الدولة بعد إصدارها لذلك القرار الغريب المبهم، ولماذا يتحمل المواطن هذه الضريبة فيما كان الأجدر تخفيف القيود على اقتناء السيارات الحديثة رأفة بالبيئة العراقية المستباحة .
وبدلا من وضع رسوم محددة ومعقولة على تسجيل المركبات الحديثة تكون كواردات للدولة راحت تلك الأموال لجيوب أناس محتكرين وجشعين يسومون الناس العذاب ويفرضون المبالغ التي يشتهونا خصوصا بعد اختفاء سيارات الخردة من شوارعنا وتكديسها عند هؤلاء المنتفعون وقديما قالوا (نصيب البزازين على المعثرات) .وأتذكر حادثة غريبة حصلت في عهد النظام القرقوشي السابق وخلال فترة الحصار الظالم عندما استطاع احد أزلام ذلك النظام من الحصول على كمية كبيرة جدا من الأنابيب الحديدية الخاصة والتي لم يستطع بيعها بسبب ندرة استخدامها وهكذا شعر هذا المعتوه بالإحباط والخسارة، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حتى صدر قرار إجباري وفوري بإلزام جميع أصحاب مركبات النقل العام بإطالة أنبوب العادم (الصالنصة) وجعله يمتد أعلى من سقف المركبة والحجة هي المحافظة على البيئة، وكانت مواصفات هذا الأنبوب تتطابق مع أنابيب صاحبهم، وهكذا تمكن اللعين من بيع بضاعته الكاسدة وبالسعر الذي أراده نظرا للإقبال الشديد على شراء تلك الأنابيب .والمفارقة كانت قيام بعض السائقين بتركيب أنابيب طويلة أكثر من اللازم لقطع الحبال المزدانة بالأعلام وصور صدام التي كانت معلقة في الشوارع، كنوع من الاحتجاج والتذمر وبدون إثارة الانتباه طبعا .
ولا أريد الطعن بنزاهة مسئولينا اليوم ولكنني أردت تسليط الضوء على هذا القرار الذي لم ولن تجني الدولة منه فائدة تذكر، وان قلنا نظافة البيئة فان اغلب سيارات الخردة كانت مركونة ولا تستطيع السير بسبب فداحة أعطالها ولا توجد جدوى من تصليحها ثم إن الكثير من سيارات المنفيس المستعملة والمستوردة حاليا أضرت بالبيئة العراقية ضررا فادحا بسبب أعدادها الهائلة وكون معظمها قديمة ومستهلكة أصلا، وآلاف منها لا يزال مكدسا تغص به معارض السيارات، والحقيقة إن هذه المركبات هي التي يجب ترقينها ومنعها من السير في الشوارع وابتلاع الوقود وخلق الأزمات المرورية فاغلبها لا يتوافق ومتطلبات السلامة خصوصا تلك التي خضعت لتحوير مقودها الأيمن وما يعني ذلك من أعمال ميكانيكية وهي قطعا لن تكون ضمن المواصفات المطلوبة والدليل عدم موافقة الشركات المصنعة لهذه السيارات عن أعمال التحوير في العراق، وكيف سيتم إجازة هذه المركبات مستقبلا في فحص المتانة والأمان ونحن نرى العديد من الحوادث التي ذهب ضحيتها الأبرياء من أصحاب وراكبي السيارات المحورة . أملنا كبير بان يعاد النظر بقرار الترقين هذا ووضع آلية جديدة تعود بالفائدة على المواطن والدولة وتحرم المتاجرين بالسحت الحرام من محتكري سيارات الخردة والوقود وغيرهم الكثير من تجار الحروب والأزمات الذين لا يختلفون عن الإرهاب في زيادة معانات أهل هذه البلاد المبتلاة .
المهندسمحمد علي الاعرجي
https://telegram.me/buratha