المقالات

معايير الوطنية والخيانة


( بقلم : كريم النوري )

(من ينسحب من الائتلاف وطنياً ومن يخرج من جبهة التوافق خائناً).. "تلك قسمة ضيزى"

يبدو ان مناخات العراق الجديد المفعمة بالحرية المفرطة قد أفرزت وعياً سياسياً غير متزن يتأرجح بين الافراط والتفريط وبرزت حالات من التعويض للكبت والقمع والاضطهاد بطريقة تسودها الانفعالات والارتجالات فاصبحت مساحات التمدد للمزايدين واسعة تسعفها غياب المراقبة والمحاسبة وفقدان المعايير السليمة في طبيعة الخطابات.التحول المفاجىء من الديكتاتورية وحبس الانفاس وخنق الاصوات وقمع الناس الى اجواء منفتحة من الحرية الكبيرة غير المقيدة بقانون او نظام وفر فرصاً كبيرة للخارجين عن القانون والاخلاق والقيم لكي يتحركوا بسرعة غير منضبطة ويوجهوا الاتهامات بطريقة مزاجية وانفعالية لكل من لا يتفق مع اهوائهم ولا يتماشى مع اهدافهم فصارت الاتهامات بالخيانة والعمالة والكفر قضية سهلة تطلقها الالسن والاقلام بلا وازع ولا مانع اخلاقي او قانوني فتوزيع التهم بالجملة على العراقيين فترسخت ثقافة خطيرة في التكفير والتفسيق والتخوين بطريقة مجانية.هذه الظاهرة من الاهتزازات في الوعي والتوزيع المجاني للاتهامات وتصنيف الناس ضمن خانات الخيانة والعمالة والتفسيق بطريقة مزاجية وذوقية حالة طبيعية تجري في سياقات اية عملية تغيير جذري للانظمة الديكتاتورية وسرعان ما تترشد بمرور الزمن وتراكم الوعي وتذويب الصدمة حتى ينتهي بنا المطاف الى الوعي المستقر المتزن الذي يتعاطى مع الاشياء بشكلها الصحيح.

وقد يتطلب ذلك الوعي الترشيدي زمناً غير قليل وقد يتمخض من خلال ذلك نتائج تحمل معها ضرائب باهضة وتداعيات خطيرة وظهور حالات من الوعي المتدني من التسفيه والتسقيط ولكن سرعان ما تتكامل الملامح الحقيقية للوعي الاصيل والرؤية المتبصرة والفكر الصائب.

ما نراه من هشاشة في الفكر واضمحلال في الوعي وانكفاء في الرؤية عبر التصريحات والخطابات السياسية والاعلامية في العراق الجديد هو حالة طبيعية ونتيجة حتمية لمضاعفات جانبية وتداعيات قهرية لاستحقاقات التغيير الكبير في العراق وهي اشبه ما يكون بالمضاعفات الجانبية التي ترافق عادة اجراء اية عملية جراحية كبرى لاستئصال ورم خبيث عن الجسم. والمتوقع اكثر مما هو واقع والتحسب لكل ماهو طارىء والنظر لكل الاحتمالات يضعنا في المسار الصحيح للعلاج السليم لكل الازمات والاهتزازت الحاصلة في مرتكزات الوعي ويمنحنا الوعي لما هو حاصل رؤية متبصرة تجعلنا في قلب الحدث مؤثرين غير متأثرين بكل هذه المضاعفات الجانبية ونتقدم بخطوات واثقة لترشيد الوعي وتعميق الفكرة الصائبة.

قد نتحمل المزيد من الاتهامات والتشويه بسبب الخطوات المتقدمة التي لا يطيقها الجدد على العمل السياسي ولكنهم سرعان ما يلتحقون بنا مذعنين متناسين كل هذه الاتهامات التي كانوا مولعين بها فيما مضى.كانت لدينا رؤى وتصورات قبل عملية التغيير الكبير للنظام السابق وتقدمنا بمقترحات ومشاريع للتغيير دون التدخل الاجنبي المثير عبر منع ادوات القمع التي يمارسها نظام صدام المقبور بحسب ما نصت عليها قرارات الامم المتحدة بعد هزيمة النظام في حرب تحرير الكويت.

وكانت رؤيتنا للتغيير تحقق لنا القدر الاكبر من الاهداف في اسقاط النظام مع تحفظاتنا على العملية العسكرية الكبرى عام 2003 والتي انتهت باسقاط نظام صدام المقبور، وهذه الرؤية تصب في اساس مبادئنا ولا تخرجنا عن ثوابتنا او تزحزحنا عن قيمنا بل ان هناك الكثير من القواعد الفقهية والشرعية تبيح لنا التواصل مع مشاريع التغيير بالطريقة التي تحقق اهدافنا وتضمن مصالحنا. وكل ما جرى قبل وبعد التاسع من نيسان وتأسيس مجلس الحكم والانخراط في العملية السياسية قد يكون خير الشرين او اقل المفسدتين وهو كأكل لحم الميتة للمضطر حفاظاً على النفس التي يؤدي هلاكها الى مفسدة اكبر من تناول المحرم بالقدر الذي يحفظ النفس المحترمة.وفي مقابل ذلك واجهنا الكثيرون باراء متطرفة وافكار متشنجة وقوبلنا بحشد من الشعارات والمزايدات والاتهامات لاشغالنا عن الاهتمام بالقضايا الكبرى التي تهم مستقبل العراق وترسم ملامح حاضره.وليس من الصحيح التخلي عن مسارنا بمجرد اوهام الجهلة وافكار البسطاء المضللة او نتنزل مداراة لوعي مهزوز او فكر مشوش ونترك الاهداف العليا التي قد يخالطها الغموض والضبابية بسبب التضليل والصخب الاعلامي المزايد.

وقد التحقت بنا هذه الحشود المزايدة والمشوشة منتبهة الى خطل الرهان على الاوهام والاعلام المضلل ونحن كنا نرحب بهذا الالتحاق ولا نرى ذلك مدعاة للشماتة بل بالعكس مؤشر على التبدل الايجابي بالمواقف والتوجهات.وهذا الالتحاق والتخلي من عقدة الثقافة المهزوزة وهجران ظاهرة التخوين بحجة العمل السياسي في ظل الاحتلال كما كان يتهمنا الاخرون هي قضية ايجابية لكن الاصرار على تراكمات ورواسب التثقيف السابق تستدعي المراجعة الفورية لكل الخطاب الاتهامي المعرقل. لكن ما يثير دهشتنا هو المكابرة لدى هؤلاء الملتحقين وطبيعة الخطاب المضلل والتعاطى مع الاشياء بازدواجية مقيتة والشعور بالعصمة ونشوة القوة واوهامها.وبرزت في هذا السياق مغالطات مقيتة تكشف عن طبيعة الاوهام والتضليل في خطاب الاخرين الذين يتعاطون مع الاحداث والمواقف بازدواجية مقيتة فيكون المنسحب من الائتلاف العراقي الموحد وطني ومخلص بينما المنسحب من الكتل الاخرى خائن ومرتشي وعميل!

والمؤسف ان الكثير من الشركاء مازال يتعامل مع هذه القضية بهذه الطريقة المغلوطة فيرى علي بابان خائناً بمجرد انه لم يستجب لنداء كتلته الداعي للانسحاب واضعاف الحكومة او حجب الثقة عنها بينما يصبح المنسحب من الائتلاف العراقي الموحد وطنياً ومخلصاً ومنقذاً للعراق من الشد الطائفي والازمة المستحكمة.نأمل ان يغادر اخواننا الشركاء والفرقاء ثقافة التضليل والتعمية والاتهامات الجاهزة لاخوانهم السائرين على نفس المسار الوطني وان يترفعوا عن ظاهرة التعالي الرخيص والوهم بانهم فوق الاخطاء والخلل والاخفاق فان من كان بيته من زجاج فليتريث في رمي غيره بالحجر.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك