( بقلم : محمد علي الاعرجي )
بعد الإطاحة بنظام صدام الأسود عام 2003 وهروب اغلب قياداته المجرمة إلى دول الجوار وبالأخص الأردن، حيث الأحبة أصدقاء الأمس والأرصدة المليونية في مصارف عمان والفلل والقصور الخيالية المبنية حسب الطلب، فهذه القيادات لم تنسى وهي تغادر قصور صدام ودوائره الأمنية أن تنهب كل ما وقعت عليه عيونها من أموال وتحف وآثار، تحولت إلى قصور وضياع وأرصدة وشركات تعمل وتنهض بالاقتصاد الأردني الذي كاد أن يهوى بسبب توقف ضخ النفط العراقي المجاني بعد السقوط عام 2003.
وبما إن العاصمة الأردنية عمان قد استضافت عائلة المقبور صدام وعلى رأسها الدلوعة (رغد) كنوع من رد الجميل وليس من باب الضيافة العربية، فالضيافة هنا غير معمول بها ما دمت (فاضي) الجيوب .واستطاعت هذه الفتاة (الحالمة) أن تستقطب جميع رموز سلطة أبيها من قيادات بعثية وضباط الأجهزة الأمنية والمخابراتية كونها تعرف المستور وبالتالي لا يمكنهم رفض مطالبها، وهكذا سولت لها نفسها أن تظهر أمام فضائيات معروفة كمحللة وناقدة وسياسية تهتم بالشأن العراقي وليس بعيدا أن تكون مرشحة لقيادة العراق كخليفة لوالدها !
وكما احتضنت عمان مرتزقة صدام وأيتامه فقد كانت خير مأوى لوعاظ السلاطين وأئمة صلاة جمعة صدام كالضاري والكبيسي وابن هميم والسامرائي وغيرهم، وكان هؤلاء يمثلون الغطاء الشرعي والفتوى الجاهزة لتكفير الأغلبية ونعتهم بالصفوية والعمالة للمحتل، وتحريم الانتماء للشرطة والحرس الوطني .وبعد التمادي الواضح لرغد صدام خصوصا في لقائها مع قناة العربية أثناء محاكمة أبيها، طلبت الحكومة الأردنية (بمنتهى الأدب) من ماجدة العوجة أن تتجنب التصريحات الصحفية وتحترم سيادة المملكة وحسن الضيافة، لان ذلك سينعكس سلبا على الموارد الأردنية القادمة من العراق، حيث أمسى العراق سوقا حرة لكل البضائع الأردنية الفاسدة في معظمها ومستهلكا لآلاف سيارات السكراب(المنفيس) والتي يفخخ قسم منها قبل دخولها العراق، كما إن الأردن هي المنتجع ومحطة الاستراحة والإقامة لبعض رجالات الدولة الجدد وعوائلهم، فضلا عن مؤتمرات الاعمار الوهمية ودورات التدريب الأمنية والعسكرية لقوات الشرطة والجيش وغيرها الكثير الذي استنزف أموال العراق دون أن يكون هناك اثر ايجابي ملحوظ يبرر تلك النفقات الباهظة التي تذهب بسهولة ويسر لخزانة الأردن وجيوب أثريائه.
ومنعا للإحراج والمسائلة التي قد تتعرض لها ابنة الطاغية، أصبح العمل سريا ومن وراء الكواليس حيث اجتمعت القوى التي خسرت الحكم في العراق عام 2003 ونظمت خطابها وأفعالها تحت مسميات متعددة كهيئة العلماء وأهل العراق والتوافق والمصالحة والحوار وأخرى غيرها، والجميع كان له هدف واحد وهو تخليص رأس الطاغية من حبل المشنقة ومهما كان الثمن أو الوسيلة والعودة بالعراق لحكم الطغاة، فلم يكن هناك بد من دخول العملية السياسية بعد الانتخابات الثانية، هذا الأمر الذي كان حراما وارتدادا عن العروبة والإسلام كون العراق لا زال محتلا حسب قولهم أثناء الانتخابات الأولى ولا ندري ما الذي تغير حتى تبدل الجماعة رأيها بين ليلة وضحاها !ودخل الجماعة البرلمان وحصل التزوير وفازوا بمقاعد ليست لهم ولم تكن تتناسب مع حجمهم وتعداد نفوسهم، على أساس أنهم يمثلون أهل السنة في العراق وحقيقة هو ليس ذلك مطلقا .
على كل حال اكتمل البرلمان بعد مخاض عسير وجاءت الحكومة بعد مخاض أعسر ولم تُحترم نتائج الانتخابات، وإنما شكلت حكومة ضعيفة مقيدة بسبب المحاصصة والوحدة الوطنية التي لم نراها مطلقا، حيث بدا الجدال والتشكيك والعرقلة من قبل التوافق في كل خطوة تخطيها الحكومة أو البرلمان، فالطائفية والتهميش كان عنوانا جاهزا للتوافق ضد كل فعل تقدم عليه الحكومة، أما الدستور وإلغاء اجتثاث البعث وإطلاق سراح المجرمين فهي مطالب التوافق الرئيسية، ولم يعد تحرير العراق من المحتل مطلبهم الأساسي كما أوهموا به الكثيرين سابقا .وبسبب العراقيل الكثيرة وزعل التوافق المتتالي ولجوئهم للمحتل للضغط على الحكومة والبرلمان، لم تتمكن الحكومة من تفعيل برنامجها الذي أقرته وتعهدت به أمام البرلمان، فعدم الموافقة والاعتراض كان السمة البارزة لنواب التوافق وهو ينعكس أيضا على أداء وزرائهم في الحكومة، أما ضلوع قسم من أعضاء ووزراء التوافق بالإرهاب فهو أمر معروف ولا نريد أن نخوض فيه الآن .وقد لاحظنا تصريحات التوافق الإعلامية ومواقفهم وقنواتهم الفضائية وإذاعاتهم وصحفهم كيف كانت أثناء محاكمة الطاغية، فالعراق في واد وهم في واد آخر !وازدادت الفجوة بين الشعب وهؤلاء كثيرا بشكل عام وبينهم وبين الشارع السني العراقي بشكل خاص، هذا الشارع العراقي الأصيل الذي أنتج الشيخ صبحي إلهيتي والشيخ عبد الله السعدي والمرحوم ألبدري والبطل محمد مظلوم وراجي التكريتي والكثير من أحرار العراق الذين وقفوا بوجه الطاغية أيام حكمه الأسود وبعضهم لا زال حيا وهو خير من يمثل سنة العراق لا غيرهم .وبعد إعدام الطاغية توضح للكثير ارتباط اغلب زعامات التوافق والمصالحة والحوار بأجندة إقليمية معادية للعملية السياسية الجديدة في العراق، كالانظمة العربية الطائفية ومنظمة مجاهدي خلق الإرهابية، وكانت تصريحاتهم النارية تصب الزيت على النار وسببا في إبادة الآلاف من الأبرياء وتهجير العوائل الآمنة على خلفية أفكار طائفية عقيمة وفتن قذرة يأنف الشرفاء عنها كفتنة (صابرين الجنابي) والتعذيب في سجون الداخلية وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وحرق الجوامع المتعمد وتدنيس القران وغيرها الكثير مما كان يمتهنه ضباط امن صدام ويمارسونه اليوم مستغلين الجوامع والمزارع وأقبية المنازل .وقد لاحظنا والعالم اجمع تمادي أعضاء قائمة التوافق ومعارضتهم لكل خطوة وكأنهم حجر عثرة أمام مسيرة العمل السياسي، وبدا للمواطن العراقي بطء الأداء الحكومي وتعثر العملية السياسية وكثرة الخلافات داخل قاعة البرلمان، وسيستمر ذلك ولن تنجح حكومة فيها قائمة التوافق تلك ونبقى في دوامة تدور حول نفسها وهذا ما يريده من قبلوا بتمثيل هؤلاء لسنة العراق متجاهلين كل الشخصيات الدينية والسياسية والعسكرية السنية الوطنية التي تأبى أن تكون ألعوبة بيد آل سعود ومصر والأردن .
وعليه فعلى السيد رئيس الوزراء أن يكون حازما وجادا مع هؤلاء ويتوجه لتشكيل حكومة جديدة تخلو من وزراء التوافق إذا أراد أن يجنب البلاد والعباد الأهوال والمصائب، فالسنة بالعراق كما الشيعة يريدون العيش امنين متحابين بعيدا عن أطماع جياع العرب وافتاءات ابن جبرين اللعين التي فتكت بهم قبل غيرهم، حيث أصبح الأمر معروفا وبانت خيوط المؤامرة والحلف الشيطاني بين القاعدة وزمر صدام، ولذلك انتفض أهل المناطق التي عشعشت فيها القاعدة وشهروا السلاح بوجه حثالات العرب القادمة من حارات اليمن والسعودية ومصر والسودان وكل بؤر الرذيلة والإدمان والشذوذ، فلم يعد أمام تلك الزمر غير الانتحار أو الهروب والتخفي الذي لن يطول أبدا، وعلى الدولة أن تدعم كل المحاولات المخلصة التي تساهم في تخليص العراق من الإرهابيين وحواضنهم النتنة، بنفس الوقت الذي عليها أن تضرب بيد من حديد على كل الرؤوس التي يثبت تعاونها مع الإرهاب ولا تدع لها فرصة الهروب إلى الخارج أو اللجوء وطلب الحماية من المحتل، واعلموا أن العراق سوف لن ينجوا أو يعمه الأمان طالما تقدم التنازلات تلو الأخرى لجبهة التوافق فهذه الجبهة لن ترضى بثمن اقل من عودة الصداميين لحكم العراق، وعندها ستختفي جبهة التوافق والمصالحة والحوار وهيئة العلماء ويظهر الجميع على حقيقتهم بزيهم العسكري وأنواط الشجاعة تزين صدورهم ويعود العراق لحقبة سوداء أخرى لا ينجوا من أحرارها احد حتى الجنين في بطن أمه .
https://telegram.me/buratha