( بقلم : المهندس محمد علي الاعرجي )
لو كان هناك وصفا تعيسا آخر للجامعة العربية لكنا أطلقناه عليها ... إلا أننا نعتقد إنه حاليا يليق بها أكثر من أي وقت آخر، والسبب هو لعدم وجود حياة في هذه المؤسسة المصرية بامتياز .. بالرغم من عنوانها العربي الكاذب .. فرئاسة الجامعة هو منصب ثابت لوزير خارجية مصر بعد إحالته على التقاعد أو بعد أن يصل إلى درجة الامتياز في خدمة المشروع الصهيوني .. عندها يأتي القرار من أعلى سلطة عالمية لتعيين هذا الوزير أمينا عاما لجامعة العربان التي بدأت بقضية وانتهت بقضايا .
ونحن نعلم أن الدول التي تتفق تنضوي تحت عنوان منظمة أو اتحاد وترجو من وراء ذلك أن ينعكس عليها بفائدة أو قوة أمام الآخرين، كحلف وارشوا سابقا وحلف الأطلسي أو الناتو وعدم الانحياز أيام الحرب الباردة والاتحاد الأوربي وغيرها من أمثال هذه التجمعات .. وفي حالة عدم تنفيذ ما اتفق عليه، ينخرط عقد هذه التحالفات كما حصل لحف وارشوا وعدم الانحياز في تسعينات القرن الماضي .وقد يكون احد أسباب تأسيس الجامعة العربية هو مسالة (الدفاع المشترك ضد أي خطر يداهم احد أعضائها) وتثبيت حدود الدول العربية وعدم المساس بها كأمر واقع للتجزئة وطرح مظلومية العرب باراظيهم المغتصبة من قبل إسرائيل وغيرها أمام المنظمة العالمية وباقي المحافل الدولية دون أن تنسى الجامعة أن تأخذ معها علب الكلينس ليمسح بها أعضاء الوفد دموعهم التي ستنهمر أثناء شرح قضية فلسطين فيما يغط باقي الحاضرون في نوم عميق بعد أن ملوا سماع هذه الاسطوانة المشروخة أو لعلهم علموا أن أعضاء الوفد العربي كانوا ضيوفا على حكومة تل أبيب قبل حضورهم المحفل الدولي .. فهي إذن دموع التماسيح التي تنطلي على السذج من الذين لا زالوا مصدقين بكذبة الأمة العربية ووحدتها والبطل القومي الذي سيصلوّن خلفه بالقدس .ففي بداية الصراع العربي الصهيوني وما حل من نكسات على هذه الأمة التي لم تجد هويتها بعد، نتيجة التجاذبات القومية والدينية التي تحولت إلى عرقية وطائفية بالرغم من التعتيم والنفاق المفضوح .. كل ذلك جعل البسطاء من أبناء العرب يتطلعون إلى صورة البطل القومي الذي سيقهر الأعداء وسيبني مجد الأمة الغابر بجماجمهم، وهكذا التفت لهذا الأمر بعض السياسيون أو مدعي السياسة من ضباط المؤسسة العسكرية وسيطروا على السلطة في بلدانهم بانقلابات دموية أو بيضاء لا تلبث أن تتحول إلى دماء قانية بعد يوم أو يومين من ثورة البساطيل ... وأنتجت لنا ثورات البساطيل هذه شخصيات حفرت أسمائها بمخالب دامية على أجساد الرعايا الذين صفقوا لهؤلاء الانتهازيين وجعلوا منهم قادة وأبطال تحرير وزعماء لا يشق لهم غبار في ساحات بلدانهم ولكن ليس مع العدو طبعا !
ولأن مصر أم الدنيا وليس الآخرة .. وهي الأخ الأكبر لدول العرب بعد أن مات أبوهم ولا ندري من هو .. فبالتالي لابد من تسليم القيادة لهذا الأخ الذي اخذ ينوء بالوزر الثقيل، فهو لا يملك مالا أو ثروات كما لدى إخوانه الآخرين .. لذلك فقد كانت عيونه دائما على مافي يد إخوانه وهم الذين لم يبخلوا عليه حتى بأقراط نسائهم فالموضوع يتطلب التضحية ولابد من تقديم الغالي والنفيس لتحرير الأخت المغتصبة لدى العدو (لا يسلم الشرف الرفيع .... ) .ولأن كيس الأخ الكبير أصبح مليئا خصوصا بعد تنامي عائدات النفط لدى الأخوة الآخرين، فان ذلك شجع باقي الأخوة ممن تبرع وأشهر خنجره لتحرير الأخت المغصوبة وهكذا ظهر لنا ما يسمى دول الصمود والتصدي ... وحقيقة هي كالقربة المثقوبة التي لا تمتلئ .. فلا الأخوة يشبعون ولا الأخت تحررت من الغاصب .وبما إن مقر جامعة العرب يقع في عاصمة أم الدنيا .. لذلك لم يدخر أمناؤها جهدا في إقامة مؤتمرات القمة التي يعقبها جمع الهبات والعطايا لدعم صمود وتصدي الأخوة المطالبين بشرف أختهم وكذلك لمد المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح ... ولم يكتفوا بذلك بل انشئوا صناديق لهذه الأموال التي تحولت بقدرة قادر إلى أسلحة لقمع الشعوب وانتخابات مزورة يتمتع على أساسها أبو البسطال بالسلطة وبنسبة 99،99% ولا ندري هل سقط هذا العشر سهوا أم هو أبو البسطال نفسه إذ ليس من المعقول أن يصوت لنفسه ولا يوجد من ينافسه بل لم يولد بعد من ينافس أبو البسطال، أما الأخوة في المقاومة فقد كانت الأموال التي يحصلون عليها بماء وجوههم تتحول إلى مكاتب للمنظمات التي نعجز عن عدها والى قصور وفلل وسيارات فاخرة وأرصدة بمصارف غربية يتمتعون بها بعد إتمام مهمات خطف وقتل الرهائن على متن السفن والطائرات وبعد تبديل أسماءهم وعناوينهم وجوازات سفرهم المعدة سلفا ليستقروا في بلدان أخرى أو ينشئوا عصابات للقتل والاغتيال ويكونون طوع إمرة هذا الحاكم أو ذاك ولينتهي بهم المطاف برصاصة واحدة على يد مجهول أو بيد أخوة العقيدة .
وبعد أن علم باقي الأخوة حقيقة الأمر وان الموضوع كله كذبة كبيرة أو لعلهم أيقنوا إن أختهم لم يترك بها العدو عرض إلا أنتهكه ... أصبح الهدف ليس تحرير الأخت بل غسل العار وإطلاق النار على الأخت المنهوبة ووضع حد لهذه المهزلة .. فاخذوا يقترون أموالهم وعطاياهم على الأخ الأكبر الذي انتفض ضد الواقع الجديد وضرب بكل العهود والمواثيق المبرمة مع باقي الأخوة عرض الحائط .. وما كان منه إلا أن شد الرحال إلى دار الغاصب ليتشارك معه في اغتصاب الأخت وليقبض الأثمان على فعلته، وهنا هب باقي الأخوة وقرروا أن يعلنوا البراءة من أخيهم الكبير بالرغم من وجود من يشتاق للزنا بالمحرم بينهم ولكن لم تحن له الفرصة بعد . وصدر القرار بهدر دم الأخ الأكبر ونقل مقر العشيرة إلى دولة أخ آخر ... وفعلا تم قتل الأخ الأكبر أمام أبناءه وبناته بعد أن تم تامين كل أدوات ومنفذي القتل من قبل الغاصب نفسه، لإقناع باقي الأخوة أن أخوهم العاق قد نال جزاءه وليطمئنوا إن أم الدنيا لم تخرج عن إجماعهم وبالتالي لا بد من إرجاع مقر العشيرة إلى ارض الكنانة حاليا على الأقل .. وهذا ما حصل فعلا .. حيث أنجبت ارض الكنانة أخ اكبر جديد مفتول العضلات وتم إعادة مقر العشيرة وأخذت الأموال تنهمر كالمطر على الأخ الكبير الجديد وبادر البلهاء من باقي إخوته في مساعدته بان تبّنوا الملايين من أبناءه اللقطاء والمتسولين ليخففوا من حمل أخيهم الكبير ... ولكن المصيبة كانت أعظم وأمر فهذا الأخ بدأ المناورة فمن جهة يشارك الغاصب بمعاشرة أخته كمن سبقه ومن جهة أخرى يحبب هذا الفعل لباقي الأخوة ممن لديه الرغبة في اغتصاب المحارم بعد أن يطلعهم على تفاصيل الليالي الحمراء التي قضاها مع غاصب أختهم ... وبدلا من أن يثوروا ويستنكروا... سال لعابهم وبدؤا يحسدون كبيرهم الذي علمهم السحر على الأمان والنعم التي عمت بلاده وما كادت الأيام تمر حتى انفرط عقد الصمود والتصدي واخذ أخ آخر يهرول لاهثا باتجاه الغاصب حيث سقط التاج من على رأسه وبدلا من مواساة الأخت المستباحة راح يحتضن الغاصب ويعتذر له عن كل سنوات القطيعة مطمئنا شريكه بان تكون مملكته كأرض الكنانة مرتعا لبني قريضة والقينقاع متعهدا له بعدم السماح وقطع رقبة كل من يحاول تعدي الحدود والعبث بأمان الجيران الجدد الأعزاء ومذكرا إياه بعدم نسيانه عند توزيع المساعدات أو أجرة اغتصاب شقيقتهم الجميلة الغالية مازحا معه بأننا أصبحنا كالقوادين ... وما هي إلا أيام قلائل حتى يأتي آخرون من إخوتنا ليرتعوا هنا ... ضحك الغاصب وناوله حزمة من الدنانير الملكية المرسوم صورته عليها .. تعجب الأخ واستفسر عن كيفية وصول نقوده لأرض الغاصب .. لم العجب .. رد عليه الغاصب .. ألا تعلم أننا نحن من نسك لك النقود ونرصع لك تاجك، تحسس تاجه فلم يجده على رأسه .. فاضطرب وصاح ...سخر الغاصب منه، وقبل أن يعطيه التاج سأله ألا تريد السلام على أختك ... وضع تاجه على رأسه وانسل راكضا باتجاه مملكته قبل أن يأخذها منه أخ آخر ولسان حاله يسأل كيف وصلت النقود والتاج لبني النضير .بدأت حلقة الأخوان الذاهبون إلى الغاصب تكبر شيئا فشيئا وصارت الزيارات المتبادلة السرية والعلنية تتناول كافة مجالات التعاون .. فمن الاقتصاد والسياحة إلى الأمن وتبادل المطلوبين .. تصوروا !وفي إحدى جلسات السمر .. اقترح احد الأخوة على الغاصب أن ينضم إلى جامعتهم فقد أصبح أخوهم وان كان لقيطا .. وهنا وقف الغاصب ممتعضا صائحا بوجوههم أن يتركوا الشراب وينصتوا لما يقول .. انتم بجامعتكم من يجب أن ينضم إلي وإلا ......... نهض احد الأخوة بعد أن أعاد ترتيب عقاله وتقدم نحو الغاصب وقبله بأنفه طالبا منه الرحمة والرأفة وان يمهلهم بعض الوقت حتى يقنعوا بلدانهم هامسا بإذنه .. لقد جلبت لك مجموعة من الإبل البيض محملة بالقطران .. هدأ الغاصب قليلا وراحت يداه تداعب ألكاس والكل ينظر إلى فمه ماذا سيقول ..لا أتراجع عن كلامي ... قال الغاصب وأنت بالذات يا راعي الإبل من سينفذ ما أريد .. وعلى جميع إخوتك أن ينصاعوا لك بعد الآن، فأنت طويل وجيوبك منفوخة ومن الآن فصاعدا أنت أخوهم الأكبر....ترك الأخ الأكبر كأسه معترضا والزبد يسيل من شدقيه وهو يرتعش ويقول أنا أخوهم الأكبر وعليهم طاعتي ... وقبل أن يكمل كلامه قاطعه الغاصب .. أنت كبرت وخرفت وأيامك معدودة وقد جهزنا البديل .ساد الصمت برهة .. قبل أن يبادرهم الغاصب قائلا :وعليكم أن تنقلوا مقر جامعتكم لدار أخوكم الجديد .. وهنا علا التصفيق والزعيق لهذا الرأي السديد .. فتعجب الغاصب واستفسر عن سر ترحيبهم وموافقتهم السريعة .. فجاءه الرد سريعا من احدهم ( حتى تصير اجتماعاتنا بموسم الحج ويصير هو اجتماع وهو حجة .. خاف نسوينة شغله زايدة ناقصة ...) ضحك الجميع .. وانبرى احدهم صائحا ( لا وبعد نخلص من الفلافل اللي شككت مصارينة وخلت صوتنة يوصل لسابع جار ) اعترضه الثاني وهو غاص بضحكته قائلا ( ولك صوتنه لو ضرا ...) صاح الغاصب : نفس الشي، نفس الشي ... يله بعد ما تخلصون اغسلوا الماعين ونظفوا المكان زين وروحوا ناموا... حيث غادرهم وهو يتلمس طاقيته الصغيرة على قحفة رأسه .
المهندسمحمد علي الاعرجي
https://telegram.me/buratha