المحامي طالب الوحيلي
لم يعاني شعب في العالم من حكامه بقدر معاناة الشعب العراقي الذي كابد اشد حالات القتل والتعذيب والتغييب في السجون والإعدام دون محاكمة ،او عبر محاكمات صورية تعقد في دهاليز المؤسسات الأمنية وتصدر أحكاما غريبة لا ترقى الى أحكام (قرقوش) الأسطورية ،ناهيك عن الإعدامات الكيفية التي تقوم بها ما تسمى بزمر مكافحة المتسربين اثناء سنوات الحرب الطويلة التي خاضها الجيش العراقي ،حيث كان مصير الكثير من الجنود وحتى الضباط من ذوي الرتب العالية بايدي افراد مكلفين بقتل من يشاؤون بتهمة التخاذل او التقاعس عن تنفيذ الأوامر العسكرية او غير ذلك من الاسباب الغير منطقية ..
اما كوارث الإبادة الجماعية التي ضلع بها النظام البعثي طيلة عقود حكمه فقد تركزت ضد ابناء الشعب العراقي في كردستان ،وفي الدجيل وعند قمع الانتفاضة الشعبانية وغير ذلك من الكوارث التي أصابت الإنسانية بالصميم ونتج عنها هذا العدد الكبير من المقابر الجماعية التي تشير الى حجم المأساة الانسانية التي عاشها ابناء وادي الرافدين ،امام صمت العالم المطبق وتجاهل القريب والبعيد ولاسيما الأنظمة العربية وشعوبها لحمامات الدم اليومية التي صبغت أديم العراق بتلك الدماء الطاهرة ،لكي يسعى اليوم البعض من المنظرين والمحللين البحث عن مبررات للحيلولة دون تطبيق العدالة بحق الجناة الذين ارتكبوا تلك الجرائم ،او الانتقاص من القضاء العراقي الذي استقل اليوم اكثر من أي نظام قضائي في العالم عن بقية السلطات الاخرى في العراق الجديد ،ومن بين المواقف الغير عادلة لهؤلاء المنتقدين ،تضامنهم مع مجرمي الابادة الجماعية اثر وقوفهم في أقفاص الاتهام لدى المحكمة الجنائية العليا التي اصدرت احكامها العادلة بحق المجرم صدام حسين وشركائه في جريمة الدجيل ،واليوم نجد البعض يطعن في قرارات الحكم الصادرة بحق الجناة في مجازر ما يسمى بالأنفال التي راح ضحيتها الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ من القومية الكردية العراقية ،حيث كان المدان هاشم سلطان وزيرا لدفاع النظام السابق والذي كان يشغل قمة الهرم القيادي في المؤسسة العسكرية القمعية ،وكان رأي هذا البعض هو تبرئة الجاني تحت عنوان المهنية ..
فاي مهنية هذه يقود فيها هذا الرجل الجيوش ويرسم الخطط ويخلص في النصيحة للطاغية صدام من اجل قتل ابناء بلده ،وهو يعلم يقينا ان ما يقوم به هو بعيد عن المهنية وعن شرف الجندية التي تستمد اصولها من مبادئ الشريعة الإسلامية التي توجب عدم الإجهاز على الجرحى او قتل الأسرى والعزل والنساء والاطفال والشيوخ ،ولا تبيح حرق المساكن اواتلاف الزرع او قتل الانعام ،وغير ذلك من القواعد السامية التي تحرم العقوبة دون حكم شرعي وتحرم تعدي العقوبة (ولا تزروا وازرة وزر اخرى) وكل ذلك في ساحات الحرب ضد عدو كافر ،فما بالك بكون المستهدف هم ابناء الشعب العراقي وهم مسلمون ،لا لشيء سوى ارضاء لشهوة طاغية استمرأ اراقة الدماء ووجد في القتل ديمومة لبقائه ؟!
السوابق القضائية الدولية هي مصادر اساسية للقانون الدولي ،وقد تشكلت المحكمة الجنائية العليا في اطار تلك السوابق ،فضلا عن كونها محكمة عراقية أنشأت بقانون عراقي وأقرت دستوريا عبر الدستور العراقي الدائم الذي حظا بتصويت اكثر من ثلثي الشعب العراقي ،وفي هذا السياق لابد من الرجوع الى محاكمات (نورمبرغ) حين قامت المحكمة العسكرية الدولية بمحاكمة 22من مجرمي الحرب الرئيسين في الفترة من 18 تشرين الأول/أكتوبر 1945 إلى 1 تشرين الأول/أكتوبر 1946 بتهم التآمر وجرائم ضد السلام وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. عرفت المحكمة العسكرية الدولية الجرائم ضد الإنسانية على أنها "الإبادة والاستعباد والنفي أو الاضطهاد بسبب سياسي أو عرقي أو ديني." وقد حكم على اثني عشر من هؤلاء بالموت ومن هؤلاء "هانز فرانك" و"هارمان جويرينج" و"ألفريد روزنبرج" و"يوليوس شترييشر". وحكمت المحكمة العسكرية الدولية على ثلاثة من المتهمين بالسجن مدى الحياة وعلى أربعة من المتهمين بأحكام سجن تتراوح بين 10 إلى 20 عامًا. وأطلقت سراح ثلاثة من المتهمين.
وقد عقدت المحكمة العسكرية الأمريكية تحت رعاية المحكمة الدولية العسكرية في نورمبرخ 12 محاكمة أخرى حاكمت فيها ضباطًا ألمان ذوي رتب عالية. ويتم الإشارة إلى تلك المحاكمات بوجه عام باسم محاكمات نورمبرخ اللاحقة. وتمت محاكمة أعضاء الجستابو (الشرطة الألمانية السرية) وأعضاء جهاز المخابرات الألماني ورجال الصناعة الألمان وفقًا لقوانين نورمبرغ ونظير أدوارهم في القتل الجماعي لليهود في محتشدات الاعتقال النازية والقتل بواسطة وحدات القتل المتنقلة والنفي والسخرة وبيع "زيكلون ب" الذي استُعمل في القتل بالغاز وإجراء التجارب الطبية على البشر.
مما ورد اعلاه يتبين ان محاكمة اركان النظام البائد لما ارتكبوه من جرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة عرقية واستخدام الأسلحة الكيمياوية والغازات السامة وغيرها من الجرائم،تأت تنفيذا لقواعد القانون الدولي وشرعيته ،فيما نجد ان القانون العراقي العادي أي النافذ قد اعتبر الضباط والقيادات التابعة لذلك النظام تقع تحت اطار المساهمة الجرمية ،فاذا كان صداما قد اصدر اوامره بقتل المجنى عليهم ،فان المنفذين لهذه الجرائم هم اركان ذلك النظام اولا والقيادات التي تأتمر بامرتهم ،ووزير الدفاع هو اول الجناة ان لم يكن مساهما في تلك الجرائم.يقصد بالمساهمة في الجريمة او المساهمة الجنائية بان يتعاون اكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة ولا بد من تحقق هذه المساهمة من توافر امرين وهما:
1. تعدد الجناة لارتكاب الجريمة ويتحقق ذلك باشتراك عدة اشخاص بالتهيئة والتخطيط والتنفيذ سواء كان ذلك مباشرا او غير مباشر لتحقيق النتيجة الجرمية.2.وحدة الجريمة المرتكبة ويعني ذلك وحدة الركن المادي ووحدة الركن المعنوي ويقصد الاول ان تكون النتيجة الجرمية التي حققها الجناة واحدة سواء كان ذلك بفعل مادي واحد او افعال مادية متعددة والمقصود بالنتيجة الجرمية الاعتداء الذي يقع على حق يحميه القانون ففي جريمة احدهم على الجريمة ويقدم الاخر السلاح ويترصد الاخر واخر يقيد المجني عليه والاخر يجهز على الضحية واخر يخفي معالم الجريمة...الخ وبذلك يتعدد الجناة من هذه الناحية.
اما الركن المعنوي الواحد فان النية والرابطة الذهنية الموحدة التي تتوفر لدى المساهمين في الجريمة تلك يجب ان تتحقق حتى يمكن ان يتحقق الاشتراك او المساهمة في الجريمة وحتى لو لم يكن هناك اتفاق مسبق كما لو شاهد شخص واحد الجناة يهم بقتل اخر واسهم بالامساك بالمجني عليه بدافع الكره له فان هذه المساهمة تتحقق فعلا اما اذا لم يكن هناك قصد للتدخل في الجريمة كما لو ان الجاني الاول قد اصاب المجني اصابة لا تودي بحياته وجاء اخر فاجهز عليه فان كل فاعل يعاقب على فعله اذ لا وجود للمساهمة في هذه الحالة والمهم في الوحدة الذهنية لدى جميع المساهمين هي ان يدرك المتدخل بانه لا يستقل عن الاخرين بارتكاب الجريمة المعنية والمتفق على ارتكابها بعد استيعاب جميع تفاصيلها ونتائجها.
وقد تناول القانون العراقي المساهمة الجنائية في الفصل الخامس من الباب الثالث من الكتاب الاول في المواد من 47-54 حيث حدد في المادة 47 الشريك وبني في المادة 50 عقوبة الفاعل وجعلها عقوبة الشريك حيث اخذ بمبدأ وحدة الجريمة وعد الجاني والمساهم بحكم الاستعارة للفعل الجرمي من ادى به الى فرض ذات عقوبة الجاني على المساهم ومع ذلك فانه ترك للمحاكمة حق تقرير العقوبة بالنسبة للجاني والشريك اي انه فرق بين عقوبة الجاني وعقوبة الشريك شرط ان لا يكون حاضرا في مسرح الجريمة بل ان المحكمة تحكم في بعض الاحوال بعقوبة للمساهم اشد منها للفاعل الاصلي.
الخلاصة ان وزير الدفاع سلطان هاشم احمد وان كان ضابطا وتصرف بمهنية فان ذلك يؤكد ضلوعه بجرائم الابادة الجماعية او الاشتراك فيها وكل ذلك يؤكد استحقاقه لعقوبة الاعدام ..
https://telegram.me/buratha