( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين )
عرف العراق سابقاً بأنه بلد الثروة المائية فاخذ من هذه الثروة عنوانه التاريخي كبلد اصطلح على تسميته ببلاد الرافدين او بلاد ما بين النهرين، وفي جانب آخر أُستدلَّ على العراق باسم آخر كونه بلد النخيل والثروة الحرجية فاصطلح عليه ايضاً بأرض السواد باعتباره البلد الذي كان يحوي وحتى قبل ثلاثين عاماً على ما يقرب من الاربعين مليون نخلة وبعددها من الشجر المختلف شكله ولونه وطعمه والوانه.
وبعد الاكتشافات الحديثة التي رافقت الثورة الصناعية كان العراق من أول البلدان الذي اظهر كنوزه المخفية في باطن ارضه كما افصح عن ذلك البئر النفطي الاول في كركوك (بابا كركر) وليحتل العراق بعد ذلك وضعاً مادياً مغايراً، واقتصادياً لا يشابهه احد فيه من دول المنطقة ولعل تسميته (بلد الذهب الاسود) جاءت على أساس أنه بلد النفط الأول بالمنطقة.
وبما اننا تجاوزنا اصطلاحات ونواحي اخرى كاصطلاحات بلد الابجدية والحضارة والتأريخ والفتوحات والخلافة الراشدة وعاصمة الدولة العباسية وبلد الفنون والثقافات الى غيرها من عشرات المصطلحات التي بجميعها ترفع من شأن هذا البلد في المجالات تلك، لكننا نحاول كما حاول اهل صناعة المصطلحات ان ننسب العراق الى مصطلحه الجديد استنادا الى ثروته الجديدة المكتشفة.
ما حصل في العاصمة الاردنية عمان قبل شهر ونصف لا ينبغي ان يمر على عقولنا الاقتصادية والنخبوية واعلامنا بمختلف اتجاهاته وايدلوجياته مرور الكرام ففي عمان ادخل وزير المالية العراقي السيد باقر جبر الزبيدي والوفد المرافق لمعاليه ثروة جديدة واستراتيجية لبلادنا تفوق قيمتها ما نبيعه من التمور بعشرة اعوام ومن الكبريت بـ (12) عاماً ومن الفوسفات بثمانية بل ويعادل ما تبيعه بعض البلدان النفطية المتوسطة الانتاج المنتمية الى منظمتي اوبك واوابك خلال عام.
لكن هذه الثروة التي وصلت قيمتها الاربعة مليارات دولار هي ليست ماءً يجري على الارض او بترولاً يستخرج من باطنها او منشآت انتاجية كمعامل الاسمنت او النسيج او الصناعات التحويلية او منظومات طاقة كهربائية او أي صنف مشابه. بمعنى آخر هذه العائدات الضخمة التي حلت ضيفاً على اقتصادنا لم تأخذ من ميزانية الدولة ديناراً واحداً، بقدر ما انها ضمير وطني مخلص يتحرك في الوجدان قبل ان يجد طريقه في الارض، هذا الضمير اكتشف ان فضاءنا ثروة حقيقية لا يمكن ان تمر فيه الذبذبة دون ان تدفع ضريبتها كما تدفع ناقلات النفط او البواخر والسفن ضرائبها لاصحاب القنوات المائية كما هو عليه الحال في قناة السويس التي تدر على مصر بحدود الملياري دولار سنوياً وكما تفعل دولة مالطا بمضيق فالنتيا على الابيض المتوسط وكما تتقاسمان المغرب واسبانيا عوائدهما عند مضيق جبل طارق.
اربعة مليارات دولار تعادل ميزانية المملكة الأردنية ولبنان وثلاثة ارباع ميزانية سوريا واصبحت منذ الان لدينا ثروة جديدة ربما يصح لنا ان نصطلح عليها بثروة الذبذبة وصارت بحكم العائدات الثابتة التي نوعت من اقتصادنا الذي بات لا ينام الا على وسادة سلة الاوبك.
هذه الثروة يجب ان ندرك بعدها الآخر عندما استطاع معالي وزير المالية ان يفرض على الشركات التي استأجرت فضاءنا ان تدفع من عائداتها 18% الى الخزينة العراقية ومن ارباحها 36% ومن اسهمها 45% لصالح المواطن العراقي الذي يبحث عن الميادين الاستثمارية التي سبقتنا اليها الشعوب بما فيها المجاورة والتي غادرت منذ زمن بعيد اعمالاً افضلها ان تكون موظفاً في الدولة او سائقاً لسيارة اجرة.45% من الاسهم ستجعل من العراقي مواطناً مستثمراً وسيجد هذا المواطن نفسه بزمن قياسي انه بات يمتلك ثقافة الاستثمار وفي أسوأ الظروف فان هذا الاستثمار سيكون البوصلة التي ربما ستوصلنا الى مؤشرات نيكي وناسداك وداو جونز التي لم يسمع (80%) من ابناء شعبنا باسمائها.بقي ان نقول شيئاً أخيراً، وكما يقال ليس آخراً، بأن هذه الثروة كانت قد بيعت قبل أربع سنوات باقل من اربعة ملايين دولار وهنا بات عنصر المقارنة ليس من مسؤوليتنا إنما مسؤولية المواطن في تحليل كيفية إيجاد الفرق بين الاربعة ملايين والاربعة مليارات، ونحن متأكدون من حصافة هذا المواطن.
https://telegram.me/buratha