التاريخ يعيد نفسه على طول امتداده مراراً وتكراراً وها نحن نعيش الحالة ذاتها حيث الطواغيت وحكام الزور والفراعنة من أبناء الطلقاء يتوارثون السلطة نسلاً عن نسل في بلادنا الاسلامية ويسيرون على النهج ذاته في قمع الحرية ونحر الاصلاح وتقطيع أوصال التغيير واللعب بالدين وعقائد الأمة وكم الأفواه والتعتيم على الحقيقة وتحريف الواقع وتزييف الاحكام السماوية وتزوير الأحاديث النبوية وما أوصى به خاتم المرسلين (ص) للأمة للالتزام به كي لا تضلُ من بعده أبداً فأبعدوا من نصبه الله سبحانه وتعالى وبنص صريح ولي للأمر وابتدعوا ولايتهم على الأمة إستناداً لما عهدوه في عصر الجاهلية، فتوارث الأحفاد من الأجداد الخدعة والمكر والحيلة والعنف والقمع وتسابقوا وتدافعوا زوروا وزيفوا الحقيقة لفرض سلطتهم وتعميمها على ربوع البلاد الاسلامية عودة منهم الظلمة والظلامة التي كانوا تعيشونها قبل بزوغ شمس الحرية والعدالة والمساواة والعلم والنور بظهور الاسلام دين المحبة والحرية والسماحة والمودة والاستقرار والأمن والعيش السليم والأمان بين مختلف طبقات وأديان وطوائف وقوميات المجتمع البشري .
"انقلابهم على أعقابهم" كما ذكره الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه أخذ مسيره نحو الانحراف النفاقي والخلقي وبغطاء ديني يدعمه قوة السيف والتكفير وهي ذات الحالة التي نشاهدها في عالمنا الحاضر عبر أحفاد بني أمية وبني العباس من الوهابيين والسلفيين وغيرهم من الارهابيين التكفيريين الذين يعبثون ببلاد المسلمين ويعيثون الفساد في الأرض والعباد ويريقون الدماء البريئة والزكية التي حرمتها أكبر من حرمة البيت العتيق وينتهكون الأعراض ويسبون النساء ويستهدفون المقدسات على شالكة أبناء عمومتهم من بني صهيون؛ حتى بلغت الحالة ذروتها ببلوغ حاكم فاسق فاجر مثل "يزيد بن معاوية بن أبي سفيان" السلطة التوريثية كما هو حال غالبية البلاد العربية في تاريخنا المعاصر، فما كان لسبط الرسول (ص) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام مناصاً سوى القيام والنهوض بوجه الأعوجاج الذي أتسع نطاقه والأمة ودعاتها يهرولون من وراء الدرهم والدينار ويفتون بحرمة القيام ضد الحاكم الظالم والطائر وإن كان فاسقاً لتضحى شريعة إبتدعوها وإقاموا عليها حتى ساعتنا هذه .
لا زال حجم كبير من الأمة الاسلامية والبشرية لم يقف على الأهداف الرفيعة والسامية لثورة الامام الحسين (ع) سنة 61 للهجرة بأرض كربلاء المقدسة ودوافعها لتعتيم الاعلام الأموي - العباسي الوهابي السلفي المضل والمضلل المستمر حتى حاضرنا المعاصر رغم اختلاف وسائله وحداثته وتطوره، لكن الهدف واحد وهو إخفاء الحق والحقيقة عن المسلمين كي يبقوا على جاهليتهم النفاقية التي أرادها أبناء هند وسفيان؛ ما دفع بسيد الأحرار أن يأبى لنفسه وللأمة ذلك فرفع صوته عالياً شاهراً راية المعارضة ومعلناً أهداف ثورته الأبية بكل وضوح وصراحة قائلا: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين".
عالمنا الاسلامي من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه عش الوم فتنة استعمارية - صهيونية - عربة رجعية خبيثة تديرها عقول توارثت حقدها وسخطها على الاسلام والمسلمين ممن حمل لواء الانتقام لقتلى بدر وخيبر والخندق والنهروان وصفين و.. فالبست مشروعها النفاقي حلة ديمقراطية ودينية مزورة ومزيفة وفتنوية آخذة على عاتقها التصدي لكلمة الاسلام ورسالته السمحاء في سماء المعمورة لتعم الدنيا والبشرية بالدمار والقتل والنهب والذبح والتقتيل والتكفير والسلب والسبي والظلمة والضلالة والجهالة والقبلية والوثنية والرق والعبودية والرضوخ والركون لأصحاب القوة والثروة والوثنية كما كانت معهودة قبل البعثة النبوية، بدلاً من عبودية الخالق المتعال الواحد القهار والعيش بسلام ورغد وأمن وأمان وبنعمة السماحة والتساوي والعدالة والسمو والرفعة والعزة الألهية، ويكون النفاق والشقاق والظلم والاستعباد والاستحقار والتزوير نهج وسياسة السلطويين في عالمنا الاسلامي حتى يومنا هذا يعبثون بمقدرات وقدرات ومقدسات الأمة بدعم فتاوى وعاظ سلاطينهم الذين أعمى الله قلوبهم قبل أعينهم ليمزقوا جسد الأمة وينهشوا فيه كما تنهش الذئاب والضباع بجسد فريسة غدرها وتتكالب عليه وهو ما يفعلونه اليوم مستبيحين دم المسلم البريء في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وليبيا وباكستان وافغانستان وغيرها من ديار المسلمين .
لوحة الاجرام الدموي البربري الوحشي التي رسمها بنو أمية في يوم عاشوراء بطف كربلاء من حصار ظالم بشع وتقطيع للأوصال والرؤوس الشريفة والمطهرةيعيد أحفادهم وأنصارهم تكرارها يومياً هنا وهناك من شمال بلاد المسلمين وحتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه مدعوماً بفتاوى وبترودولارات خليجية سعودية - اماراتية - قطرية؛ يتفنون في أجرامهم الوحشي والبربري وبشكل عصري فيستهدفون المعارضين الحرية والاستقلال والاصلاح والتغيير والعودة الى حقيقة الاسلام المستباح من قبل أحفاد هند والطلقاء بالقنابل الفراغية والمنظبة والجرثومية والكيمياوية ومختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً في اليمن وعبر مجاميعهم الارهابية التكفيرية في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا، فيما يستهدف شعب البحرين بالغازات السامة والرصاص الانشطاري "الشوزن" واسلوب الدهس بالسيارات الحديثة والمتطورة ليقطعوا أوصال وأجساد كل من يسقط على أرض المطاردة بين الظالم والمظلوم، ويحاصروهم جواً وبراً وبحراً بجيوشهم المجيشة خوفاً من تسري رفضهم للاحتلال وللظلم والفرعنة والجبروت والانصياع لغير الله سبحانه وتعالى نحو بلدانهم.
فاجعة كربلاء لاتزال صرخة مدوية تبلغ بصداها كل ضمير حي يتعطش للحياة الحرة وصوتها الذي خرج من قلوب طيبة أحبت الناس واعطتهم كل ما تيسر لهم عطاؤه وبذلت في سبيل احقاق الحق ونصرة المظلومين كل ما تملك.. هذا الصوت الذي أقض الظالمين في مضاجعهم ولايزال يهز عروش الطغاة والمستكبرين، كان لابد لمثل هذه الحركة الثورية الدامية والزاخرة بالعديد من المواقف التضحوية النبيلة وما تمخضت عنها من مفاهيم وقيم استنهاضية سامية من ان تحدث حركة في المجتمع وتبث فيه نفساً تغييرياً.. اليوم أبي الأحرار وسيد الشهداء حاضر في كل مكان "كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء" ولولا قيامه (ع) لأنسى "يزيد" وأبوه وأجداده ومن سار ويسير على خطاه الإسلام وهدموه وأفنوه من الوجود وأعادوا الفكر الجاهلي وكان إسلامنا اليوم إسلاماً طاغوتياً وليس إسلاما محمدياً حسينياً أصيلاً.. فعلينا أن لا نسكت أمام هذه العظمة وهذا الشموخ، وعلينا أن نخطب ونعتلي المنابر كل يوم لحفظ هذه المدرسة وهذه النهضة التي رهن لوجود الامام الحسين (ع)، حركة وبقاءً- الامام الخميني - صحيفة نور ج 8 ص 70 .
لابد من إبقاء صدى نهضة عاشوراء هذه الثورة الانسانية الرامية للإصلاح والتغيير بكل ما للكلمات من معانٍ حيةّ في ضمير الانسان والشعوب الرامية للعيش بحرية مرفوعة الرأس تأخذ بزمام أمورها بيدها دون السماح للمعتدين والغازاة والارهاب والتكفير فعل ما يريد فعله، اولئك الذين يعبثون بالأرض الفساد ويعيدون للذاكرة بإجرامه البربري فعلة "الوحشي" بصدر سيد الشهداء "حمزة" بألهم الأباد. وما فعله أسلافهم في طف كربلاء من حصار مميت على الصغار والكبار ليعيشوا أياماً سوداء دون معونة أو ماء ودهس للاجساد الطاهرة بحوافر الخيول مجسدين لوحة ماراثونية مروعة ما أفجعها ستبقى فريدة لا مثيل لها في تاريخ البشرية لما تعكسه من حقد دفين وضغينة ودموية وارهاب أموي.
يستبيحون دون إكتراث حرمات المساجد والمراقد ويهدمون بيوت الله ويحرقون المصاحف بنار حقدهم كما هدم "يزيد" الكعبة بالمنجنيق واستباحة حرمة المسلمين وهتك الاعراض، ويحرقون ديار المسلمين بقنابلهم المحرمة دوليا كما احرق جيش الفاسق الفاجر"يزيد" وعامله "ابن زياد" خيام حريم رسول الله (ص) في كربلاء ظهر عاشوراء.. علينا السعي في نشر منهاج العز والإباء لأبي الأحرار وأصاحبه البررة حتى "لا يبقى الحقد الأموي مسلطاً على رقاب الأمة يجب التأكيد بأن ثورة الامام الحسين (ع) هي بداية للصراع الدائم والمستمر بين الحق والباطل وحركة للإصلاح وجهاد الانسان للتغيير وسعيه للعيش بحرية وكرامة بعيداً عن الظلم والظالمين.. يجب أن نبقي شعلة ثورة عاشوراء الانسانية وهاجة، فالخطر كل الخطر، أن تصبح عاشوراء ذكريات فحسب، وأن تصبح ثورتها الانسانية ومعركة كربلاء لكتب التاريخ والسيرة فقط، أو أن تصبح ذكريات عاشوراء للأجر والثواب في الآخرة.. يُخشى أن تتجمد هذه المناسبة في ظرفها الزمني وأن يبقى مقتل الحسين (ع) وأصحابه الميامين معزولاً في سنة 61للهجرة و"كان هناك حسين قُتل وانتهى"- الامام موسى الصدر .
لابد من العمل بكل جد وإخلاص وتفاني على إبقاء هذه العلاقة حيّة بذكر مصائبهم وتضحياتهم عليهم السلام؛ لأن بذكرهم يبقى الدين الاسلامي الحنيف حياً على طول الدهور والأزمنة وكلما كانت العلاقة واضحة مع أهل البيت (ع) يبقى الإسلام المحمدي الأصيل حياً فينا ننشد فيه العدالة ونسحق كل طاغ متجبر لا يريد الخير لهذه الأمة؛ ومن هذا المنطلق نرى الخوف والفزع لدى السلطات الجائرة من إحياء ذكرى عاشوراء الدم والتضحية والفداء والإباء، ويلصقون التهم بأنصارها ومن يحييها ويتهمونهم بالبدعة والتكفير ويستبيحون دمائهم خوفاً من تزلزل عروش طغيانهم كما تم مع سلطة أسلافهم الطغاة السابقين ولم يبقِ لهم ذكر يذكر .
"المغزى من أوامر أئمة أهل البيت عليهم السلام في إحياء الشعائر الحسينية التاريخية الإسلامية واللعن على أعداء وظالمي أهل البيت (ع) تتمثل في صراخ الشعوب ضد الحكام الظالمين على مر التاريخ وإلى الأبد.. اللعن على مظالم بني أمية لعنهم الله والتبري منهم برغم انقراضهم ودخولهم النار، هو لعن وتبري وصراخ مستمر على جميع المستبدين والظالمين في العالم ولابد من إحياء هذا الصراخ المحطم للظلم والمبيد للاستبداد.. لابد في المراثي وفي مديح أئمة الحق عليهم السلام من ذكر تلك المظالم وظلم كل الظالمين في كل عصر ومصر ولابد من الاستمرار في تذكير هذه المظالم لكي تعتبر الأمم وتحيا الشعوب المستضعفة.. علنا جميعا أن نعلم بأن هذه المجالس والمآثر السياسية هي التي تصون الأمة الإسلامية وتحفظ وحدة المسلمين، وبقاء وتكاتف أتباع أهل البيت عليهم السلام" الامام الخميني - صحيفة نور ج 10 ص 31
https://telegram.me/buratha