المقالات

الاغتيال السياسي والرهان على حرب الضد النوعي


( بقلم : كريم النوري )

شهدت محافظات الفرات الاوسط والجنوب مسلسل اغتيالات لشخصيات سياسية وعلماء دين اغلبهم من معتمدي ووكلاء المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني(دام ظله) في سابقة خطيرة لم يشهد لها العراق نظيراً. وابتدأ مسلسل الاغتيالات منذ فترة بدأت باستهداف وكلاء الامام السيستاني في النجف الاشرف ثم استمرت باغتيال محافظي الديوانية والسماوة ولم تنه باغتيالات محافظة البصرة والديوانية والنجف.

هذه القضية الخطيرة التي يشهدها العراق وبالتحديد جنوب بغداد بعد ان عاش من الهدوء والامن النسبي طيلة الفترة التي اعقبت سقوط الطاغية صدام تستدعي الوقفة والمعالجة الفورية لانها تستهدف اهم مرتكز ديني وسياسي في العراق وفي مناطق يصعب اختراقها من عصابات القاعدة الارهابية لانعدام الحواضن من جهة وصعوبة التنسيق والانتقال من جهة اخرى.

هناك حقيقة لا غبار عليها وهي ان وكلاء ومعتمدي الامام السيستاني يمتلكون رصيداً جماهيرياً كبيراً واهتماماً نخبوياً في محافظات الوسط والجنوب لاسباب غير خافية على الكثيرين ويمكن الاشارة اليها بشكل اجمالي:

اولا: ان معتمدي ووكلاء الامام السيستاني لم يمارسوا مهاماً رسمية تنفيذية تجعلهم امام مسائلة وملامة من قبل ابناء شعبنا وكانت رغبة وحرص الامام السيستاني ان يكون وكلاؤه ومتعمدوه بعيداً عن المناصب والمواقع الرسمية وكان سماحته يفضل ان يكون دورهم تبليغياً وثقافياً وارشادياً وسط الامة.

ثانياً: هناك اجماع بين اهالي الوسط والجنوب على ان وكلاء ومعتمدي الامام السيستاني لم يتورطوا باعمال تغلب فيها المصالح الشخصية والانانيات ولم يستغلوا مواقعهم الاجتماعية والدينية للتلاعب بحقوق الوطن والمواطن بل انشغلوا بالتبليغ الديني والوعظ والارشاد وتعميق الحس الاسلامي والوطني في وعي الناس.

ثالثاً: المعروف السائد في الوسط والجنوب بان وكلاء ومعتمدي الامام السيستاني يمثلون الخط الوسطي والاعتدال وينبذون العنف والتطرف واللجوء الى السلاح لحل المشاكل الاجتماعية والسياسية والدينية والمالية.

رابعا: ان وكلاء ومعتمدي الامام السيستاني هم من طلبة العلوم الدينية ومن الفضلاء المعروفين بوعيهم الفقهي والسياسي والاجتماعي ولم يوجهوا الناس الا بما ينسجم مع رؤى وتوجيهات المرجعية الدينية وتأكيدات وحرص المرجعية على ضرورة منح الثقة والوكالة الشرعية لمن يستحقها ومن له علمية وفقاهة تمكنه من الحضور وسط الامة.

خامسا: دعوة وكلاء ومعتمدي المرجعية الدينية الى تأييد العملية السياسية وحثهم الناس على المشاركة السياسية والدفاع عن حقوقهم. وكان دور هؤلاء الفضلاء في الانتخابات الماضية والاستفتاء على الدستور واضحاً ولمسه الجميع رغم انه لم يرشحوا انفسهم الى مجلس النواب التزاماً بتوجيهات المرجعية الدينية التي حاولت ان يكون دور وكلائها ومعتمديها على التبليغ الديني وتثقيف الناس وتوعيتهم.

سادسا: كان وكلاء ومعتمدو الامام السيستاني بعيدين عن الاستئثار بامور الدنيا والدخول في الشبهات ولم يحصلوا على ما حصلوا عليه الا من طرق شرعية معروفة لم يخالطها الحرام والسرقة او ما يخل بمرؤتهم وسمعتهم.ثامناً: ايمانهم بخط المرجعية الدينية وتعاليمها وتوجيهاتها وتوجهاتها اضفى على الوكلاء والمعتمدين قدر من المشروعية وسط الامة وهو ما اثار ويثير حقد وحسد بعض ممن يريد ان يعبث بأمور الدين ويستغله لمآرب دنيوية وشخصية.

هذه المزايا والسجايا التي تميز بها وكلاء ومعتمدو المرجعية الدينية جعلتهم في موقع متقدم وسط الامة وفي مكانة محترمة لا يشاركهم بها الا القلة من طلبة العلوم الدينية والفضلاء والعلماء. وهناك سؤال تقليدي يطرحه المحققون الجنائيون المعنيون بالكشف عن الجريمة وان كنا هنا لا نرغب ان يكون دورنا تحقيقي يكشف عن الفاعلين والسؤال هو: من المستفيد من اغتيال معتمدي ووكلاء المرجعية الدينية في العراق؟ الاجابة لا تكلفنا كثيراً فان المستفيدين هم: اعداء العملية السياسية والناقمون على المرجعية الدينية بسبب مواقفها الداعمة والمؤيدة للعملية السياسية والاطراف التي تسعى لايجاد فوضى في مناطق جنوب بغداد لبعثرة الجهود السياسية الكبيرة من العمل على تأسيس اقليم بغداد وتعويض المحافظات الجنوب والوسطى من تراكمات الماضي المؤلم والبدء في حركة عمرانية وتنموية.

يجدر بنا ان نشير الى قضية غاية في الاهمية وهي تسويق الاتهامات والازمات الى اسباب بعيدة في الواقع عن الحقيقة وهو ما يغيب الحلول والمعالجات الواعية لمنع ظاهرة الاغتيالات في العراق. وان رغبة بعض القوى المحلية والاقليمية في افراغ الساحة العراقية من شخصيات سياسية ودينية وثقافية مؤثرة لا يعني بالضرورة دورها المباشر في هذه الاغتيالات.

وقد يرغب ويتمنى الكثيرون استهداف هذه الشخصيات الفاعلة ولكن لا يعني بالضرورة اتهام هؤلاء لمجرد امانيهم ورغباتهم لتعقيدات وصعوبات تمنعم من تحقيق هذه الاهداف. ومن هنا فان اتهام عناصر القاعدة الارهابية اتهام ليس في محله للاسباب التي اشرنا اليها آنفاً ونكررها هنا وهي صعوبة التحرك والانتقال والتنسيق من جهة وغياب الحواضن والادلاء في مناطق يغلب عليها النمط العشائري والاجتماعي والمذهبي الذي يمنع دخول عصابات القاعدة وتغلغلها في الوسط والجنوب العراقي.

كذلك التهمة الجاهزة للدول الاقليمية المجاورة للعراق اصبحت تهمة غير مجدية مع اعتقادنا ان هناك من اصحاب القرار الاقليمي من يحاول زرع الفوضى والانفلات في مناطق الوسط والجنوب لكن ليس بهذه الطريقة من الاغتيالات الانتقائية. وعلى فرض تورط الدول الاقليمية وعصابات القاعدة في هذه الاغتيالات وفرض المحال ليس محالاً فلابد ان تكون هناك ادوات وقنوات منفذة في داخل الوسط الشيعي قادرة على التحرص والرصد وحصول معلومات استخبارية عن حركة المغدورين والضحايا.

ويبقى الدور الاكبر لتامين الحماية لهذه الشخصيات هو الحكومة وحدها لانها المعنية بحمل السلاح والحركة في كل الاوقات كما انها مسؤولة عن محاسبة واعتقال المسلحين غير الرسميين الذين يمارسون عادة مثل هذه الاغتيالات. وجاءت هذه العمليات الاثمة في اجواء غابت عنها الاجهزة الامنية تماماً وهو ما يضع هذه الاجهزة امام مسائلة ومحاسبة قانونية.

ليس من الصحيح التساهل في ملف الاغتيالات في وسط وجنوب العراق بذرائع سياسية وتبريرها بصراعات سياسية او صراع على النفوذ كما يحلو للمبررين توصيف ازمة الاغتيالات. وعلى فرض ان ثمة خلافات سياسية بين القوى الحاضرة فهل هذا يبرر عمليات التصفية والاغتيالات وهل هذا هو الطريق لحل الخلافات السياسية والاجتماعية؟ الغريب ان هناك تباطؤ واضحاً في معالجة الوضع الامني وايقاف مسلسل الاغتيالات في محافظات الوسط والجنوب. هذا التباطؤ والتساهل والانتقائية في مواجهة القتلة والجناة هو الذي جرأ وشجع هذه العصابات على الامعان في ارتكاب هذه الاغتيالات الاجرامية.

استهداف الرموز الوطنية والدينية في الوسط والجنوب اساءة واضحة للمرجعية والنظام والدولة والانسان.المطلوب الوقفة الشجاعة في مواجهة هذه القوى التي اتخذت الاغتيال والتصفية الجسدية منهجاً في ادائها وتعريتها وكشفها امام العراقيين وليس من الصحيح مجاراة زيد ومداراة عمرو والتسويف والدعوات الى التهدئة السلبية والتسامح مع المجرمين لعدم استعدائهم وهم لا يترددون في ارتكاب أي جريمة وكارثة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زهراء الحسيني
2007-09-23
مقال كريم النوري يضع النقاط على الحروف ويصف ظاهرة الاغتيالات بجراة غير معهودة في زمن المجاملات والمداراة نأمل ان يمتلك الكتاب هذه الشجاعة لكي يعروا ويفصحو الجهات المجرمة من عصابات البعث المقنعة
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك