بقلم سامي جواد كاظم
اكبر وأشهر مؤسسة شيعية في العالم هي المرجعية العليا في النجف ولواحقها من مؤسسات تعليمية ، حوزوية ،منتديات ،جمعيات خيرية وما إلى ذلك مما يسهم في خدمة البشرية ، وبالمقابل يعتبر الأزهر من المؤسسات العملاقة لأهل السنة في مدارسها ومؤسساتها الخيرية ، ولا أتطرق إلى المؤسسة الوهابية لأنها الوجه الثاني لآل سعود العائلة الحاكمة منذ التأسيس بل الفكر الوهابي أسس الحكومة في السعودية .في بداية تأسيس هاتين المؤسستين كان النظام المتبع فيهما ان لا دخل للحكومات التي تتسلط على بلديهما عليهما في اختيار مسئوليها وسياسة عملها وإصدار بياناتها في حدث معين ، وحاولت كل الحكومات الظالمة جاهدة في تحييد وتقليص دورهما .
المرجعية العليا للشيعة وخصوصا في العراق تعرضت لكثير من المؤامرات وحاولت على مدى حياتها إن تتدخل في شؤونها الحكومات التي حكمت العراق إلا إنها لم تحصل على مبتغاها ولعل بوادر تدخل الحكومة في الشؤون المرجعية لاح في الأفق مع بداية تسلق حزب البعث إلى السلطة وبلغت ذروتها في خلال حكم صدام حسين .التبعية المقصودة هو إن الحكومة هي التي تعين المرجع او المسئول عن هذه المؤسسة مع تحديد صلاحية عمل المؤسسة الدينية وان الجانب المالي في الاستلام والصرف من حق الحكومة . كل محاولات صدام في العراق باءت بالفشل ، اعتقد انه وجد ضالته في نهاية التسعينات إلا انه اكتشف فشله في ذلك .
أقذر أسلوب استخدمه الطاغية هو النعرة القومية على إن هذا فارسي وذاك عراقي ولحساسية هذا الوتر لدى من لا يفقه في الدين شيئا فان هذا الأمر انطوى كثيرا على الناس السذج بل حتى إن كثير من الكتاب كتب عن ذلك كثيرا ، ولعل احدث دراسة في عهده تلك التي أعدها له مدير الأمن العامة عام 1986 عن تأسيس المرجعية وحوزاتها في العراق وماهي الجوانب المهمة في مسيرة المرجعية التي تستحق الوقفة .
التقرير الذي وقع في يدي عقب السقوط طويل جدا الا ان هنالك نقطتين فقط تستحق الإشارة إليها :النقطة الأولى انه ومن خلال سرد تاريخ المرجعية وحوزتها ذكر فاضل البراك مدير الأمن العام آنذاك في تقريره انتقال المرجعية من النجف الاشرف إلى الحلة بعد الطوسي وأيام الحلي ، هنا أشار بقلمه صدام ( ماهي الأسباب التي دعت إلى الانتقال أريدها بالتفصيل ) ، من هذه الفقرة حاول معرفة الأسباب وهل يمكن التلاعب بها وتهيئتها في وقت كان وفي أي محافظة من محافظات العراق حتى يستطيع إن يجعل المرجعية طوع هذه الأسباب التي يريد معرفتها .
ولكن ما إن وصل إلى فقرة ( إن المرجعية كانت في سامراء أيام الشيرازي ومن ثم انتقلت بين النجف وكربلاء ) ، حتى أصر وكتب بالقلم الأحمر كيف انتقلت من سامراء ؟! . ولا اعلم إن حصل على الجواب أم لا ولكن من المؤكد انه حصل على الجواب الذي خيب أمله لان المرجعية تنتقل مع أعلمية المرجع أينما كان .النقطة الثانية المهمة هو ذكر التقرير أهم رجالات النجف من العلماء بعد الخوئي فعددهم مع نبذة عن حياتهم ووضعهم العلمي والاجتماعي في الوسط الشيعي فكان كالأتي ( أبو القاسم الخوئي في العقد التاسع من عمره ،مريض ،له إمكانيات مادية هائلة من الحقوق التي تأتيه،أشهر أولاده محمد تقي ومن بعده عبد المجيد ، واعتقد انه قريب من الموت ، وسيخلفه السبزواري هو الأخر كبير في السن ، إما بعد وفاته فهنالك مجموعة لا يستهان بها كلها من اصول ليست عراقية باستثناء حسين بحر العلوم ،إلا إن الكفة تميل الى علي السيستاني بالرغم من وجود الشيخ علي الغروي والبروجردي والحكيم والنجفي واسحاق الفياض .هنا أشار صدام بكتاب مرفق بهذا التقرير جاء فيه على مديرية الأمن العامة العمل على تهيئة أشخاص يتمتعون بسيرة حسنة في الوسط الشيعي وعلى إن يكونون ذو خلفية دينية ومن عائلة معروفة الأصل على إن تكون عراقية وموالية للحزب والثورة وزجهم في الحوزة العلمية في النجف وإسنادهم إعلاميا وماديا وإزاحة من تعتقدون انه يقف في طريقهم ، والكل يذكر كان تبعية ذلك اغتيال الغروي والبروجردي وفشلت محاولة اغتيال السيد السيستاني التي راح ضحيتها خادمه .من هذا التقرير ومع الممارسات القمعية التي مارسها نظام صدام بحق النجف لدرجة إن محافظ النجف في وقتها يقف وسط النجف يسب ويشتم من يسلم الحقوق الشرعية إلى المراجع في النجف .بعد كل هذا هل استطاعت الحكومة العراقية من جعل المرجعية تابعة لها وحتى في نهاية التسعينات لم تستطيع الوصول إلى مبتغاها .
وحتى بعد الاحتلال حاول كثيرا بريمر كسب ود المرجعية ومحاولة إشراكها مع أجندته في حكم العراق إلا انه فشل هو الأخر والذي لم يستطع من الاتصال بالسيد السيستاني ، فبقيت المرجعية كائنة بحد ذاتها تحكم نفسها بنفسها وفقا للمنهج المعروف عنها في إدارة أعمالها من غير تدخل إطراف خارجية أخرى .ولننتقل إلى الطرف الثاني وهي مؤسسة الأزهر في مصر فقد استطاع جمال عبد الناصر من جعلها تابعة للدولة وذلك باستخدام العامل المادي مع الوضع السياسي الذي هيئه ناصر في وقتها إلا وهي قضية فلسطين وما للجانب الديني من أهمية في هذا الحدث المهم الذي كان يدعو إلى تحرير فلسطين في وقتها وهذا ينطبق مع الرؤى الإسلامية في العالم الإسلامي . فالمؤسسة الدينية الرسمية في مصر ليست مستقلة، وهي كذلك منذ عام 1961 على الأقل، وذلك عندما صدر القانون 103 الخاص بالأزهر. وشيخ الأزهر يعين بواسطة مرسوم تنفيذي موقع من رئيس الجمهورية. لا بل أن رئيس الوزراء يحمل تقليدياً لقباً إضافياً هو وزير دولة لشؤون الأزهر. كما أن ميزانية هذه المؤسسة الدينية هي جزء من الميزانية العامة للدولة.
ولم يتردد مدير الرقابة في الأزهر (ولقبه الرسمي مدير الأبحاث والترجمة والأدب) في القول صراحة في مقابلة أجرتها معه (مصر اليوم ) نحن موظفو دولة ونأخذ رواتبنا من الحكومة،إننا نستيقظ صباحا ونقبض رواتبنا منها. والحكومة هي بمثابة أب لنا وليست مضطرة لمغازلتنا. إنهم يقولون لنا افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك، ونحن ننفذ ما يطلب منا. إننا بلد مؤسسات يحكمه القانون.
ولكن القانون الذي يتحدث عنه الشيخ في الواقع يعطي الأزهر حق إجازة طبع القرآن الكريم والأحاديث النبوية فقط ولكن موظفو الأزهر استطاعوا استخدام عدداً من التأويلات القضائية والمراسيم الوزارية لإعطاء أنفسهم الحق بتقديم توصيات ملزمة لوزارة الثقافة، يأمرون فيها بمصادرة بعض الكتب. ولحسن الحظ فإن هذه التوصيات تم تصنيفها أخيراً كأوامر إدارية يمكن استئنافها أمام المحكمة الإدارية التي ألغت قرارات المنع في مناسبات عدة.
والواقع إن السجل السيئ للحكومة في مجال حرية الدين والمعتقدات هو الذي أعطى الأزهر الحجة لتوسيع صلاحياته، وطلب منع عدد متزايد من الكتب كل عام. ولنأخذ حالة الشيعة المصريين على سبيل المثال، فقد أصدرت (المبادرة المصرية للحقوق الفردية) تقريراً تضمن على الأقل خمسة أمثلة عن حملات ملاحقة رئيسية ضد الشيعة خلال العقدين الماضيين بدءاً بالاعتقالات العشوائية، والإيقاف غير القانوني، والاستجواب حول المعتقدات الدينية المترافق غالباً بالتعذيب وانتهاء بالاعتقال الإداري المديد بموجب قانون الطوارئ. ولا يزال أحد الذين اعتقلوا وهو محمد الديريني مسجونا بدون تهمة وبدون محاكمة رغم أمر المحكمة بالإفراج عنه. ويلجأ جهاز استخبارات أمن الدولة على الدوام إلى تبرير اعتقال الشيعة باتهامهم (باستغلال الدين لغايات متطرفة من أجل تهديد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ).
في العراق اثر حزب الدعوة على المرجعية والذي عرف السيد محسن الحكيم (قدس سره ) في وقتها ذلك التأثير فطلب من نجله السيد مهدي والسيد محمد باقر الصدر الابتعاد عن الحزب إلا إن هذا لم ينفع مع حكومة البعث .وفي مصر كان حزب الإخوان المسلمين بالرغم من عدم توافق الرأي بين الأزهر والحزب إلا أن اغلب طلاب الأزهر هم من الإخوان فكانت كثيرا ما تثار مشاكل في الحرم الجامعي مما يستدعي الدولة إلى اتخاذ أسلوب القمع ولان الأزهر مؤسسة تابعة للدولة لم تتأثر بالإخوان عكس المرجعية في النجف مع حزب الدعوة .
بقلم : سامي جواد كاظم
https://telegram.me/buratha