التقيته في شارع أدجور رود الشهير وسط العاصمة البريطانية لندن, وهو الشارع الذي يعج بالمطاعم والمقاهي الشرقية التي يؤمّها السياح العرب لقضاء عطلة الصيف. وكعادة لندن فإن الشمس فيها تكشف عن وجهها على استحياء لتعود وبسرعة لتغطيه بالغيوم, وكأنها تخشى أصحاب اللحى الطويلة والدشاديش القصيرة, الذين تزدحم بهم مدينة الضباب, من ان يقيموا عليها الحدّ لأنها كشفت عن وجهها ولم ترتدي النقاب!
لم نكد نتبادل التحايا والسؤال عن الأحوال الا وباغتتنا زخة مطر شديدة دفعتنا مجبرين الى احد المقاهي بانتظار توقف هطيل الأمطار ليذهب كل واحد منا في طريقه. فطريقي معه مختلف مذ فرقتنا السياسسة ولم تعد سنوات المعارضة التي جمعتنا بقادرة على ردم الفجوة بيننا. لكن حديث السياسة كان حاضرا في ذلك اللقاء.
إذ ابتدأني بتوجيه النقد والعتب لكتابتي مقالات انتقد فيها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي واصفا كتاباتي بغير الموضوعية , وبأني أحمّل شخصا واحدا المسؤولية وأغض الطرف عن فساد الكتل الأخرى , وان هناك دوافع شخصية والى غير ذلك من الإتهامات التي اعتدت سماعها من أنصار المالكي. فقلت له إني لا أحمّل المالكي لوحده مسؤولية ما حصل في العراق , ولكنه يتحمّل القسط الأكبر لأنه حكم البلاد لثمان سنوات متتالية , هيمن خلالها على مختلف موارد البلاد.
واستمرينا في النقاش وكل يدافع عن رأيه حتى وصلنا الى نقطة الحسم التي شعرت أني سأوجه له ضربة عندها لن يستطيع ردها, علّه يصحو من سباته ويغادر عالم التضليل والتعصب الذي قيّد نفسه داخله. فقد إدعى صاحبي بان علي ان أحمّل المجلس الإسلامي الأعلى وزعيمه السيد عمار الحكيم أيضا مسؤولية الفساد والفشل طوال السنوات الماضية وخاصة خلال ولاية المالكي الثانية.
وحينها علمت حجم التضليل والكذب الذي تمارسه منظوة المالكي الإعلامية من فضائيات وصحف ومواقع اخبارية وكتاب سخروا أقلامهم للتمجيد له والتغطية على فشله وفساده حتى رفعوا مقامه الى مقامات الأولياء والأنبياء فتارة مختار العصر وتارة يوصف بالقائد الذي هُزم في معركة الموصل كما خسر النبي الأكرم معركة أُحُد!
سألت صاحبي هل يمكنك ان تخبرني عن عدد وزراء المجلس الأعلى في حكومة المالكي وعن المنصب الرسمي للسيد عمار الحكيم؟ فقال لديهم عدة وزراء! فقلت لهم اخبرني أسمائهم, فأخذ يعدد قائلا, باقر جبر, عبدالمهدي ..فضحكت من اعماقي فاستنكر ذلك وأراد القيام قائلا أتهزا بي؟ فقلت له معاذ الله ولكن اجلس لأوضح لك.
قلت له اسمع ياصديقي ولا ادري هل مازلت تعتبرني أخا أم نزعت مني صفة الإيمان لأني لا اتبع قائدك, اعلم أن المجلس الإسلامي الأعلى لم يكن له أي وزير في حكومة المالكي الثانية وأن زعيمه ليس لديه أي منصب رسمي في البلاد وان عادل عبدالمهدي كان نائبا لرئيس الجمهورية واستقال من المنصب استجابة لنداء المرجعية, فهل لك ان تخبرني كيف سرقوا موازنة البلاد؟
فأجاب قائلا إن لديهم نوابا في البرلمان, فأجبته بالإيجاب ,نعم كان لديهم 17 نائبا وتقلصوا ل 15, ولكن إئتلاف دولة القانون كان لديه 89 نائبا وازدادوا أكثر من عشر بعد ان التحق بهم تيار الإصلاح والفضيلة والمنشقين عن العراقية والى آخر القائمة من النفعيين والإنتهازيين. فإن كان عدد النواب مقياسا لحجم الفساد فإن دولة القانون صاحبة حصة الأسد في الفساد.
ومن ناحية اخرى فإن فساد النواب رهن بوجود وزراء من كتلهم في الحكومة لأن السلطة التنفيذية أمّ الفساد ,حيث للوزراء ولرئيس الوزراء سلطات مطلقة في التصرف بالموازنة. فإن لم يكن للمجلس الأعلى وزراء في الحكومة فعل يمكنك ان تخبرني كيف يسرق نوابه؟
فأطرق برأسه, فقلت في نفسي لأوجه له ضربة أقوى علّه يصحو , فقلت له أتعلم كم وزير كان للمالكي في حكومته؟ فقال كم وزير فقلت له , كانت دولة القانون تهيمن على جميع الوزارات السيادية وباقي الوزارات المهمة, فقال كيف؟ فقلت له لقد احتفظ المالكي لنفسه وبالإضافة الى منصب رئيس الوزراء وقيادة القوات المسلحة, بمنصبي وزير الدفاع والداخلية, وكان يشرف على جهاز المخابرات.
وكان حسين الشهرستاني نائبه لشؤون الطاقة, وخضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية, وكريم لعيبي وزيرا للنفط, والصافي وزيرا للمالية, والأديب للتعليم العالي, وجاسم محمد جعفر لوزارتي الشباب والأتصالات, وهادي العامري للنقل والسوداني لحقوق الإنسان والبنك المركزي والنزاهة والأمانة العامة لمجلس الوزراء وشبكة الإعلام العراق ,وووو والقائمة تطول, ولم تترك دولة القانون لجميع الكتل السياسية من وزارة سيادية سوى الخارجية.
أو لاتعلم ان موازنة تلك المؤسسات تبلغ أكثر من 50 مليار دولار سنويا وطوال سنوات حكم المالكي؟ فهل تريدني أن أبرء المالكي ووزرائه ونوابه 89 واتهم من ليس له وزير واحد في حكومته ,ولا منصبا رسميا ولا يمتلك سوى عدد قليل من النوّاب , أن اتهمه بالفساد وأحمله ثمان سنوات من فشل المالكي ؟ فقال لي إن الحديث معك لا ينفع! فأنت لن تعود من غيّك! فقلت له الحمد لله الذي وهبني البصيرة ولم يجعلني من الغوغاء الذين أعمى الله بصرهم وبصيرتهم.
وقبل أن يغادر غاضبا قلت له هل رأيت مسرحية شاهد مشافش حاجة للمثل المصري عادل إمام؟ فقال نعم, فقلت له أتذكر المشهد الذي يشكو فيه من فاتورة تلفنه العالية؟ فقال ممتعضا لا أذكر! فقلت له سأذكرك, القصة ان عادل إمام وردته فاتورة التلفن وكان عليه يدفع مبلغا كبيرا, وعند مراجعته لدائرة الاتصالات هدّدوه بقطع الخط وبأخذ عدّة التلفن فقال لهم افعلوا ماتشاؤون! فقالوا حسنا ذنبك على جنبك. فخرج مستهزءأ بهم وبعقولهم وبإدارتهم الفاشلة, أنا ليس لدي خط ولا حتى تلفن! أرجو ان تكون وصلتك الفكرة وإن كنت أشك في ذلك!
https://telegram.me/buratha