بقلم : سامي جواد كاظم
المرجع هو كل شخص يرجع اليه مجموعة من الناس لحاجتهم اليه في ما يستعصي عليهم من امور وليست مخصصة في مجال معين . ولكن لكثرة استعمال هذا المصطلح في مجال الدين فقد اصبح ملازم للدين بحيث اذا ما ذكر يتبادر الى الذهن رجل الدين المتضلع فيه .
المرجع او المرجعية اكثر تداولا لدى الشيعة الامامية ولان العراق غالبيته من الشيعة الامامية لهذا نجده الاكثر شيوعا في العراق ومنه عرف العالم هذا المصطلح الذي يبث خبرا عن العراق فيه المرجعية طرف واكثر مدن العالم احتضانا للمرجع والمرجعية هي النجف الاشرف ، والان ماهي المرجعية وما هو المرجع ؟لا خلاف في المعنى بقدر كلمة الصفة فالمرجع هو المرجعية والمرجعية لا تكون من غير مرجع ولكن مجازا تعتبر المكان الذي يتبؤه الشخص الممنوح لقب المرجع وليست هي بناية او قصر وما الى ذلك بل هي كيان معنوي يمنح للمرجع اينما كان فاذا كان في النجف قيل المرجعية في النجف واذا كان في سامراء كما كانت سابقا في بعض مراحلها قيل ان المرجعية في سامراء وهكذا .
الان من هو له الحق في ان يكون مرجع ؟ هل هي بالانتخابات ام بالتزكية او الشورى او الوصية وهل هنالك شروط معينة لمن يريد ان يكون مرجع ؟ وهل بمقدور أي شخص للوصول اليها أي المرجعية ؟كل هذه اسئلة ولكن الاهم منها كلها هي مسألة حساسة جدا اكتسبت حساسيتها من الوضع العام الذي يعيشه العراقيون وكما انه هنالك الكثير من الاشخاص في العراق او لبنان او ايران ادعى المرجعية والاجتهاد من تلقاء نفسه .
انا اقول ان المرجعية الممنوحة للمجتهد تكون بعناية الهية وبوساطة مهدوية ، ولعل الكل يذكر قصة الشيخ المفيد مع الامام الحجة (عج) عندما اعتزل الفتيا فجاءت الرقعة من الامام الحجة للشيخ المفيد مفادها ان افتي ياشيخ ونحن نسدد لك ، اذن هنالك علماء وفق امتيازات خاصة يكونون اهلا لان تسدد خطاهم من قبل الامام الحجة (عج) ، وهل كل من هب ودب او نال درجة الاجتهاد يكون مسدد من قبل الحجة (عج) ؟! هنا نتوقف لبحث حيثيات الامر ومتعلقاته .
انتقلت المرجعية من النجف الاشرف بعد وفاة الطوسي (قدس سره ) الى الحلة حيث السيد الحلي وابن طاووس فاصبحت الحلة هي موطن المرجعية ومن ثم انتقالها الى السيد الشيرازي في سامراء حيث محل اقامته هنا ماهي الاسباب التي جعلت المرجعية تنتقل من محافظة الى اخرى ؟
المرجع المجتهد لا ياتي من فراغ او من جهد بسيط يبذله الشخص فيحصل على ذلك حيث ان اسلوب منح الاجتهاد يختلف اختلافا جذريا عن اسلوب منح شهادة الجامعة العليا . فالمجتهد هنا بعد سنين من العناء والجهد في الدراسة والتدريس والعبادة والاعتكاف وصدق النية والخلاص من نزوات النفس وملذات الحياة وعدد هذه السنين لا يحددها احد الا الامام الحجة (عج) بعد هذا كله تتكون لديه ملكة خاصة في استنباط الاحكام الشرعية وفي احلك الظروف وباسلم طريق ولا اجزم انها صحيحة مائة في المائة الا انها افضل ما موجود لدينا من حل لمعضلة معينة ، العلاقة التي تتكون بين المجتهد والناس علاقة قلبية ومعنوية لا يربطها رابط مادي او نفعي لا يستطيع المجتهد ان يلزم الناس باتباعه ، هذه العلاقة الروحانية بين المجتهد ومقلديه صارت موضع حسد لدى من لا يروق له ذلك سواء كان من خاصة الناس او من العامة .
وكل امتياز له حساده وكارهيه لامراض نفسية قابعة فيهم ، لكن المشكلة الحقيقية التي تكون ذو تاثير على اتباع المرجعية اكثر من المرجعية نفسها هو الشخص الذي يدعي الاجتهاد والمرجعية ويعادي البقية او الاصل ، الدراسة للحصول على الاجتهاد اليوم اختلفت عما كانت عليه سابقا اليوم بمجرد دراسة المراحل الدراسية في الحوزة العلمية والوصول الى البحث الخارجي والذي لا يحدد مدته ومن بعدها يقوم الطالب بكتابة بحث ورسالة عملية على ذلك فيمنحه استاذه لقب مجتهد وهكذا ، وبمجرد انه نال الاجتهاد فتح له مكتب وكتب عليه مكتب ايه الله العظمى المرجع الفلاني لانه استوفى الشروط الروتينية لذلك ، وهذا نفس الشيء مثلا في مجال الطب فما ان تخرج الطالب من الكلية حتى افتتح عيادة وكتب على بابها اسمه وتخصصه وحروف انكليزية تعبر عن شهادته وكم من مريض مات بسببهم ، اما في الذي يدعي الاجتهاد نقول وكم من مسلم اضل الطريق بسببهم .
سابقا ايام السيد ابو القاسم الخوئي ( قدس سره) كانت الرسالة الوحيدة المتداولة بين الشيعة هي رسالته حيث ان الامور تكون ذات مركزية ولي علاقة برجل دين قدم رسالته الى السيد ابو القاسم الخوئي فرفض التوقيع عليها لا لعدم استيفائها اللازم بل لانه لا يحبذ التشتيت في التقليد وحسنا يفعل بالرغم من ان السيد السبزواري (قدس سره ) اثنى على الرسالة .
عاشت المرجعية بعد السيد الخوئي مرحلة صعبة جدا ولسنا بصدد المصاعب ولكن تاكيدنا على صفات ومؤهلات المرجع ، واحدى هذه المؤهلات هي الملكة التي يتمتع بها من الله عز و جل في ادارة امور المسلمين وتاتي هذه من خلال الممارسة ومعالجة المحن التي تمر بها الامة ، معلومة صغيرة ان السيد السيستاني واحد من ثلاثة فقط منحهم السيد الخوئي الاجتهاد تحريريا بخط يده وكان عمرالسيد السيستاني في وقتها (31) عام .
هناك من يطالب بشورى الفقهاء وهذا امر غيرصحيح ، والشورى التي ذكرت في القران لها ابعاد وتفسيرات عدة ولكن ملخصها ان الشورى لا تتم على امر فيه نص او تشريع بل الشورى على امور عرضية او جانبية واخيرا يعود الامر الى صاحب الشان فالاية التي تقول (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران : 159] ) هنا العزيمة لرسول الله (ص) واذا لم يعزم فانه يترك ، والامر الاخر نرى ان للامام الحجة (عج) في الغيبة الصغرى سفير واحد حيث ان الامور ترجع اليه في مشارق الارض ومغاربها ولم يعين مجموعة من السفراء فالمركزية هي الحل واما الشورى كما اسلفت في الامور المستحدثة العرضية ، وهذا ما تمارسه المرجعية العليا اليوم في النجف الاشرف فكل امر يهم البلد او الامة الاسلامية جمعاء نرى اجتماعهم واتصالاتهم لاتخاذ الامر الصحيح في ذلك . سابقا كانت تحصل بعض التنافرات بين العلماء الا اننا نراهم لا يطعن احدهم بالاخر بل العكس انهم يمتدحون من هو على خلاف معهم والقصص كثيرة بهذا الشان ومن اراد المزيد ليقرأ كتاب قصص وخواطر العلما للكاتب عبد العظيم البحراني .
هناك مجموعة من الكتّاب وبعض من منح نفسه الاجتهاد تعرضوا كثيرا للمرجعية في النجف الاشرف بالقدح والتجريح بل انهم يريدون ان يملوا على المرجعية كيف تتصرف او انهم ينتقدون تصرف معين صدر من المرجعية وهذا احدث بعض البلبلة بين بعض المقلدين السطحين مما نتج عنه شتات من الكلام الفارغ بحق المرجعية ، ولا اعلم من هو الاعلم هل الكاتب ام المرجع ، كما وان المرجعية ليس لديها اجهزة قمعية ضد كل من ينتقدها او لا ينفذ اوامرها فلكم مطلق الحرية في الالتزام او العدم .
بقلم : سامي جواد كاظم
https://telegram.me/buratha