لم تكد تمضي سوى أيام قلائل على الغاء منصبه, الا وأعلن مكتب النائب "الملغى" منصبه نوري المالكي, عن توجّهه نحو العاصمة الإيرانية طهران, للمشاركة في مؤتمر دولي يعقد هناك, ودعيت له قيادات عراقية أخرى مثل السيد عمار الحكيم زعيم المجلس الإسلامي الأعلى.
الزيارة فاجأت المراقبين للشان العراقي, فهي جاءت بعد ورود انباء تشير الى إصدار رئيس الوزراء العراقي أمرا بمنع سفر كبار المسؤولين العراقيين المتورطين في عمليات فساد وفي طليعتهم المالكي, وكذلك بعد تناقل أخبار عن احباط محاولة لسفره عبر مطار بغداد.
وتاتي الزيارة كذلك في ظل تصاعد الدعوات الشعبية لمحاكمة المتورطين في ملفات الفساد وفي اهدار قرابة الألف مليار دولار طوال السنوات الماضة التي أعقبت سقوط نظام صدام والتي استأثر المالكي بحصة الأسد منها بعد ان حكم العراق لمدة ثمان سنوات متتالية.
والدعوة جاءت بعد أن دعت المرجعية الدينية في العراق ممثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني الى الضرب على رؤوس الفساد بيد من حديد والى إصلاح الدولة وترشيق نفقاتها وأعلنت وقوفها الكامل خلف الدكتور حيدر العبادي, تتويجا لموقفها السابق في إزاحة المالكي من كرسي رئاسة الوزراء.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار كل تلك الوقائع فيبدو مستبعدا أن ايران بصدد تقديم الدعم والإسناد الى المالكي وإعادة تأهيله, ولو عبر تجاوز المرجعية الدينية وعبر غض النظر عن التظاهرات المليونية التي تطالب بمحاسبة الفاسدين والفاشلين, وعبر اضعاف الحكومة العراقية من خلال ضرب قراراتها عرض الحائط وخاصة تلك المتعلقة بالغاء منصب المالكي.
ويبدو هذا الإحتمال مستبعدا لعدم وقوف ايران مع المالكي سابقا وعندما وضعت المرجعية خطا أحمرا عليه للبقاء في ولاية ثالثة, وكذلك فإن دعوة السيد عمار الحكيم وجلوسه على منصة المؤتمر وترك المالكي يجلس مع الضيوف فيه اشارة الى عدم إعطاء المالكي حجما اكبر من حجمه الحالي. وأما تصريحاته النارية ضد السعودية وبريطانيا وكذلك ماورد في بعض وسائل الإعلام الإيرانية من مدح له باعتباره أحد اعمدة محور المقاومة, فهي تؤكد بأن الرجل لا مستقبل سياسي له في العراق.
فتصريحات المالكي خرجت عن الأطر الدبلوماسية ولايمكن ان تصدر من سياسي يطمح لحكم العراق, بل هي تؤكد أن المالكي ورقة محترقة سياسيا, وان دوره في المرحلة المقبلة سيقتصر على إطلاق التصريحات النارية بحق السعودية وبريطانيا وامريكا واسرائيل, وتركه يقول ما لا يستطيع الآخرين قوله بحكم مواقعهم الرسمية سواء في العراق او في ايران او في سوريا.
وهكذا يبدو ان ايران توصلت الى قناعة بان دور المالكي السياسي في العراق قد انتهى وانها ليست بصدد الوقوف بوجه المرجعية الدينية وغالبية الشعب العراقي وبوجه عملية الإصلاح من اجل سواد عيون المالكي, وكل الهدف من المواقف الإيرانية في ظل هذه الأوضاع هي توفير حصانة للمالكي من الملاحقة القضائية باعتباره زعيما "عربيا مقاوما" على حد المقالة التي وردت في موقع "تسنيم" الإيراني.
فعندما يتعلق الأمر بمحور المقاومة يُغضّ النظر عن صفات الفساد والدكتاتورية, وكما هو عليه الحال مع النظام في سوريا, إلا ان الفارق بين الحالتين هو ان بديل الأسد تنظيم داعش الإرهابي ولذا فلا خيار غير خيار دعم سوريا, ولكن عندما يتعلق الأمر بالمالكي فإن البدائل قوى وشخصيات وطنية مناضلة, ولذا فلامعنى للتمسك به ودعمه رغم فساده وفشله ودكتاتوريته.ولذا فيمكن القول أن أيران أسدلت ستارا على عهد المالكي الذي ولّى بلا رجعة.
https://telegram.me/buratha