( بقلم : علي حسين علي )
كانت الاحزاب والحركات والقوى السياسية العراقية الفاعلة، ولوقت قريب، تدفع الضر الاكبر بالضر الاصغر، وكانت بعض الاطراف المنضوية في العملية السياسية والمشاركة في الحكومة والبرلمان تستغل هذا الموقف الى أبعد الحدود، معتقدة ان القوى الفاعلة ستظل هكذا: تتلقى اللطمات، ويضع البعض أمام طريقها العثرات، ويتمادى آخرون لينالوا منها بالطعنات.. وكأنها ضعيفة وغير قادرة على دفع الاذى عن نفسها والشعب الذي انتخبها. لقد واجهت الحكومة المنتخبة وطوال عام ونصف العام الكثير من التآمر ومحاولات التفجير من الداخل ومن خلال تعطيل ادائها بالتغيّب واستعمال(الفيتو) داخل الحكومة، وذهبت بعض الاطراف الى الاتصال بدول أجنبية داعية اياها للتدخل في الشأن العراقي، وبلغ الامر ذروته في هذا المجال عند ما طلب بعض السياسيين علناً من دول اخرى اسقاط الحكومة!!.
في حين خرج بعض الاطراف السياسية على القانون وانتهك الحرمات وتجاوز على بيوت الله والعتبات المقدسة وقتل المصلين والزائرين، وبلغ الامر بهذه الاطراف بأن شكلت لها محاكم وباتت تتدخل في كل الشأن الحكومي، وتستبعد الموظفين الذين لم يتماشوا مع نهجها ولم ينفذوا مخططاتها، وكانت تهدد وتختطف وتغتال المسؤولين في دوائر الدولة في حال اعترضوا على أمر تريده تلك الاطراف وهو مخالف للقانون بنفس الوقت!. ووصل هذا الوضع السيء ببعض الاطراف أن شكلت عصابات لتهريب النفط الى الخارج او الاستيلاء على المشتقات النفطية وبيعها بالسوق السوداء.. ورعت تلك الاطراف الفساد والمفسدين في دوائر الدولة ضاربة عرض الحائط النظام والقانون والاعراف السائدة، والمصيبة ان جميع هذه الاطراف منظم الى العملية السياسية وله وزراء يمثلونه داخل الحكومة!!. حتى قبل اسابيع قليلة كانت تلك الاطراف التي يعرفها الجميع تعبث بالأمن والاقتصاد والسياسة، مستغلة صبر القوى السياسية الفاعلة وتساهل الحكومة معها.. وكأن الصبر ضعف والتساهل عجز. هكذا كان الوضع قبل تشكيل التجمع الرباعي او الخماسي، لكن بعد التوقيع على الميثاق بدأت قبضة الحكومة تشتد، ووضع الخارجين على العملية السياسية جميعهم إمام خيارين لا ثالث لهما: الالتزام بما اتفق عليه عند تشكيل الحكومة، وإما الخروج منها للعمل كمعارضة، وان كان هذا الشرط الاخير قد جاء مشفوعاً بالرغبة ببقاء الجميع. لقد عولت بعض الاطراف السياسية العراقية على تقرير بترايوس ـ كروكر واعتقدت انه سيفجر الارض وانه سيطيح بالحكومة، وانتظرت تلك الاطراف وقوع(المعجزة)، لكن أملها خاب وتشتت عندما جاء التقرير متوازناً ومنسجماً الى حد كبير مع الواقع، وبذلك بدأت تلك الاطراف تصحوا من وهمها وتعود الى عقلها، وتحاول قدر الامكان ان تفتح باباً اغلقته بنفسها! ولا شك ان الحكومة ومن خلفها التجمع الرباعي لن يوصدوا الابواب بوجه من يعتدل ويتعقل ويطالب بالمعقول. وكان احد الاطراف السياسية العراقية، وبعد تشكيل التجمع الرباعي، كان يعتقد بأنه سيرهب الحكومة والتجمع وانه قادر على ذلك ـ حسب رأيه ـ وأراد ان يضع الجميع في مأزق او يدفعهم الى الخضوع لمطالبه وشروطه بسقوفها العالية، وكان ان بدأ لعبته في أخطر قضية تمس عقيدة وايمان العراقيين، وهي قضية تفوق في اهميتها الخبز والأمن.. فقد ارتكب المنافقون جريمة بشعة في كربلاء المقدسة عندما انهالوا بالرصاص على الزائرين المؤمنين ووجهوا رصاصهم الى العتبات المقدسة في محاولة لهدمها وتدميرها وقد صدوا المسلمين عن أداء ثاني أهم زيارة لأتباع أهل البيت الى مرقد الإمام الحسين(ع).. وكان هدفهم من هذا العمل الاجرامي الشنيع السيطرة على العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية ومن ثم السيطرة على المدن الثلاث بوقت واحد، وبالتالي وضع الحكومة والقوى السياسية الفاعلة في حال شديدة الاحراج.. لقد عملت (العصابات المقنعة والتي تتستر بالدين) كما وصفها دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، على وضع جميع القوى السياسية أمام معضلة سياسية قاتلة، ولم تترك لها خياراً ولم تفتح امامها أية ثغرة للحوار او التفاهم، فإما ان يخضع الجميع لمطالبها وهو التفرد بحكم البلاد والعودة الى الحكم الشمولي المقيت.. وإما ان تعلن عصابات البعث المقنعة اقامة دولتها في المدن الثلاث على أمل الامتداد لباقي الاراضي العراقية.
وهذه العقلية المتخلفة هي التي حركت احداث كربلاء وأدت الى فاجعة اهتز لها العراق من شماله الى جنوبه.. ولكن رحمة الله تعالى وحرص الخيرين من ابناء هذا البلد ووقفتهم بوجه القتلة الرعاع من عصابات البعث المقنعة قد بدد شمل المنافقين الخارجين على القانون، وكانت هزيمتهم مدوية ولن تقوم لهم قائمة بعدها. من هنا، نعتقد بأن أي تساهل مع الاطراف المعروفة لن يأتي بخير، ولن يقنعها بالعدول عن التفكير المعوج ولن يغيّر من خططها الانقلابية والتآمرية.. لقد اعطوا كثيراً من الفرص ولم يستطيعوا ان ينسجموا مع القوى الوطنية العراقية الفاعلة.. وينبغي ان لا ينظر اليهم وكأن شيئاً لم يكن او بـ(عفا الله عما سلف) فما سلف هو أنهار من الدماء وجبال من الثروات والهموم والقلق والاحزان لا نريد العودة الى ايامها السود.
https://telegram.me/buratha