لم يكن يدر في خلد احد من العراقيين بل وحتى أبناء المنطقة, ان العراق سيصبح في يوم من الأيام عالةً على الجارة الإيران. فاليوم وبعد مرور أكثر من 12 عاما على سقوط النظام السابق بيد أعظم قوة على وجه الأرض ألا وهي امريكا , فإن الوصف الأنسب لعلاقة العراق بإيران هي في أنه عالة عليها!
وصف قد لا يعجب الكثيرين لكنه يعبر وللأسف عن واقع الحال الذي وصل اليه العراق. فالدور الإيراني في العراق برز في شكل واضح في شهر يونيو من العام الماضي وبعد احتلال تنظيم"داعش" الإرهابي لعدد من المدن العراقية خلال بضعة أيام, حتى وقفت طلائع قوات هذا التنظيم على مشارف العاصمة بغداد, وسط حالة من الذهول أصابت الشعب والحكومة.
وحينها بدأت وسائل الإعلام تتناقل صورة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وهو يقود قوات الحشد الشعبي التي تشكلت إثر فتوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني. كانت الفتوى بمثابة سفينة نجاة قادها الربّان سليماني, الذي نجحت القوات العراقية وتحت اشرافه في تحرير العديد من المناطق العراقية من هيمنة التنظيم الإرهابي وفي ابعاد شبح الإرهاب عن العاصمة.
لم تقتصر المساعدة الإيرانية على درء خطر الإرهاب عن بغداد بل شملت الدفاع عن مدينة أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق التي اندفع التنظيم نحوها, لكن الدور الإيراني كان بارزا في دحر التنظيم وكما صرح بذلك رئيس الإقليم. ولازال الدور الإيراني فاعلا في مواجهة قوى الإرهاب وقد كلف الإيرانيين سقوط عدد من قادتهم العسكريين في ارض المعارك, فضلا عن تزويدهم القوات العراقية بالأسلحة.
هذا الواقع يثير جملة من التساؤلات عن الأسباب التي أدّت بالعراق الى الإستعانة بايران لإنقاذه من خطر حفنة من الإرهابيين القادمين من وراء الحدود. فالعراق يتمتع بموارد اقتصادية وبشرية هائلة, وخبرات عسكرية اكتسبها من الحروب المتعددة التي خاضها خلال العقود الأخيرة. العائدات النفطية العراقية بلغ مقدارها أكثر من 1000 مليار دولار طوال العقد الأخير, وبلغ تعداد منتسبي القوات العسكرية والأمنية والعراقية قرابة المليون منتسب. الا ان تلك القوات انهزمت أمام خوارج العصر.
ذلك التراجع الكبير الذي وقع امام قوى الإرهاب , برغم عدم التكافؤ بين الطرفين لابد من أسباب أدت الى وقوعه مما ادى الى تدخل ايران في الوقت المناسب وانقاذها للعراق من السقوط في قبضة الإرهاب والتطرف, وفي منع وقوع حرب أهلية كانت على الأبواب. كان من المؤمل أن العراق وبفضل أمكانياته الهائلة, ان يصبح عونا وسندا لقوى التحرر في المنطقة التي تسعى لإقامة نظام ديمقراطي في مختلف بلدان المنطقة العربية. الا ان ظنون تلك القوى خابت بالعراق بعد ان تحول العراق الى عالة على إيران وعلى تلك القوى.
لاشك ان اهم الأسباب التي أدت الى ذلك هو الفشل السياسي والإداري للطبقة السياسية الحاكمة في العراق, التي فشلت في اعداد جيش عراقي قوي برغم انفاقها لأكثر من 200 مليار دولار على المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال العقد الأخير. فقد ظهر أن العراق لا يمتلك قواتا نظامية مقاتله على الأرض يصل تعدادها الى 50 الف مقاتل لاغير! وهو مايفسر الإستعانة بقوات الحشد الشعبي التي تقف في الطليعة اليوم.
لقد كان الفشل والفساد القشة التي قصمت ظهر العراق المثقل بالمشاكل والأزمات التي ورثها من النظام السابق. دفع العراقيون ثمنا باهضا لفشل وفساد سياسييهم , سواء على صعيد الأرواح او الممتلكات او السيادة واخيرا على صعيد الإستعانة بايران بالرغم من الكبرياء والفخر العراقي. لقد أصبح الوضع في العراق كالشوكة في عين ايران فلاهي تنجلي ولا تبلغ العين العمى.
وقوف التنظيم على الحدود الإيرانية تهديد للأمن القومي الإيراني, مما أضاف عبئا على ايران المثقلة بساحات الصراع الأخرى في سوريا ولبنان وغزة وغيرها من ساحات الصراع. إن الخروج من هذا المأزق واعادة العراق الى ممارسة دوره الطبيعي يستدعي تأسيس جيش عراقي قوي مجهز بأحدث الأسلحة ونواته قوات الحشد الشعبي التي تضم مختلف اطياف المجتمع العراقي, فضلا عن حسن استغلال موارد العراق الإقتصادية والبشرية وتوظيفها في المعركة ضد الإرهاب, فالنصر فيها نصر لكل شعوب المنطقة التي تسعى نحو الحرية وتقرير المصير.
https://telegram.me/buratha