( بقلم : بشرى امير الخزرجي )
وأنا في محطة القطار أنتظر صديقتي كي نذهب معاً الى اعتصام يوم 11_9 أمام الداونغ سيريت مقر رئاسة الوزراء في لندن الذي كان قد أعده بعض الأخوة المؤمنين بقضية الإسلام وما تعرض له من هجمة شرسة عكست للعالم صورة مغايرة وغير واقعية عن هذا الدين السمح، لمحت على جدار المحطة بوسترا إعلانيا كبيرا بدا وكأنه دعاية لبرنامج طبخ على القناة الثالثة البريطانية (ITV) وقد كتبت عليه عبارة "الجنة تأتي عبر جهنم".في البدء لم أستوعب الجملة إذ كيف يمكن الفوز بالجنة إلا عبر بوابة جهنم أعاذنا الله وإياكم منها؟! ثم ما وجه الارتباط بين الجنة ونعيمها والمطبخ وإعداد وجبة لذيذة؟ يبدو أن المعنى مجازيٌ، فأي عمل يراد له النجاح ينبغي له أن يمر بمراحل قد تكون صعبة وشاقة الى القدر الذي يمكن وصفها بجهنم الحمراء كما يقال، وحتى نشعر بحلاوة النجاح علينا أن نكتوي بناره تماماً كطبق أعد بإتقان. وفي الأثناء عرجت الى حيث الوطن وآلامه وتساءلت كم من النيران والحروب مرت عليه والحال أننا لم نذق حلاوة خروجه من نفقه المظلم فها أنا ذا أنتظر ربما للمرة العاشرة القطار كي يقلني الى مكان آخر وزمان آخر كي أشجب وأستنكر فعل الظالمين بالإسلام وتشويهه من تكفير وتجاوز وتحايل وتطاول على المقدسات الدينية والإنسانية دون استثناء.. الى متى يا رب والحال هو الحال ترى أين الخلل بنا أم بأعدائنا؟ سؤال يترك للزمن.
طال الانتظار وخرجت من أفكاري وخيالي الواسع أدركت أن علي أن أتصل بصديقتي لأعرف سبب تأخرها فأخرجت الهاتف النقال من حقيبتي وطلبتها:- أين أنتي لماذا تأخرتي سيبدأ الاعتصام ونحن لإنزال في المحطة!- آسفة على التأخير قالت أنأ أقترب.- إذن هيا أسرعي أنا بالانتظار.وصلت صديقتي ووصل معها القطار، الحمد لله وأخيراً وبعد مضي قرابة الساعة كنا خلالها نتبادل أطراف الحديث عن العراق والأهل وبالأخص حوادث كربلاء الأخيرة وما خلفته من خراب في المدينة وردود فعل الأهل هناك وما تناقل من أخبار جعلتنا نردد كلمة مع الأسف طوال الطريق، أن يصل الحال الى تخريب المدينة المقدسة بأيدي أناس يفترض بهم أن يكونوا حماة لها لا أن ينشروا الرعب ويقتلوا زوارها.. إنا لله وإنا إليه راجعون، إن الله على الظالم أين ما كان.
توقف القطار في محطة (الويست منستر) المقابلة لمبنى البرلمان البريطاني، ونظرنا الى الساعة أعتقد أن الوقت أدركنا أليس كذالك قلتها وأنا أسرع الى باب المحطة.. أجابتني صديقتي المهم أن نحضر ونشارك .. الحمد لله رغم أشغالنا ووقت الاعتصام غير الملائم حيث وقت خروج الأطفال من المدارس استطعنا القدوم والمشاركة.
لم يكن الحضور النسوي كبيرا، حيث كنا ستة نسوة فقط، ثلاث عراقيات واثنان من البحرين وأخرى بريطانية، أما الرجال فكانوا أكثر عدد لكن أقل مما يتوقع.. تساءلت صديقتي بنبرة غاضبة أين الناس؟ لندن تضم جاليات عراقية و مسلمة وأخرى مسيحية عريضة لماذا نراهم يتزاحمون على المساجد و الحسينيات والمراكز والحفلات والدعوات الخاصة منها والعامة ثم يتقاعسون عندما يكون الأمر يتعلق بقضية شعبهم الذي يذبح ويفجر في الاسواق على أيدي أناس لا تعرف معنى الإنسانية بل تحمل فكرا تكفيريا ظالما تعدى كل حدود المنطق والعقلانية مخلفاً دماراً وخراباً وأرامل وأيتاما وأطفالا تجوب الاسواق والطرقات تبحث عن قوت يوم لها ولأهلها تبيع أكياسا بلاستيكية وآخرون تركوا ألعابهم وافترشوا الأرض ليبيعوا البنزين تحت شمس حارقة .. وظائف وأعمال خطرة بعيدة كل البعد عن عالم الطفولة البريء.. بالله عليكِ من لهم إن لم ننصرهم ونعري غاصبي حقهم نحن في المهجر نحمل رسالة فأن قدر لنا أن نسكن المنافي فهذا لكي نكون شهود حق على ظلم العصبة الظالمة لا أن ننسى ونكتفي بالأسف على شهداء الماضي والحاضر! وهنا تغرغرت عيناها بالدموع حين تذكرت أخوتها الشهداء الذين قضوا مع من قضى نحبهم من زهور العراق قي مقابر جماعية غص بها الوطن .. كفى يا أختي أتعبتي قلبي بكلامك يبدو أن سر المقابر الجماعية وساكنيها موضوع طويل طول سنين الغربة وعميق عمق جراحنا! دعينا نقف هنا من أجلهم ومن أجل كل شهيد يسقط اليوم وكل يوم دون ذنب .. دعينا نعبر عن أحزان الوطن الجريح بلحظة صمت نقفها أمام الملأ ، ردت وقالت نعم لكن لا تخبريني بعد اليوم عن أي اعتصام يقام في لندن!! قطعت حديثها متسائلة: لماذا تجعلي لليأس مكاناً في قلبك. ردت قائلة: لا إنما سأعتصم في ضميري الإنساني سأعتصم بالله الواحد القهار هو رجائي ومعيني .. قلت: نعم المولى ونعم النصير.
https://telegram.me/buratha
